المودعون ينتظرون التطبيق لا الوعود (علي علوش)
منذ اللحظة الأولى لتدهور الأوضاع وإقبال المودعين بكثافة على سحب أموالهم، كان واضحاً ضرورة تأمين التمويل بصورة كافية. وهو أمر غير وارد حالياً. وتحوّلَت المخاوف إلى أزمة حقيقية في ظل غياب القرار السياسي في المعالجة، وانسحب التخبّط إلى السنة الثالثة من الأزمة.
عقبة التمويل
التحذيرات باتت أكثر جدّية. فالبنك الدولي على سبيل المثال، تخطّى في تقاريره التأكيد على أهمية إجراء الإصلاحات، ووصل إلى حدّ الاستنتاج بأن "تعويم القطاع المالي بات أمراً غير قابل للتطبيق نظراً لعدم توفر الأموال العامة الكافية لذلك". وصعوبة التعويم تعني صعوبة تأمين أموال الودائع. ولأن الفراغ السياسي سيقوّض حظوظ التوصّل إلى إقرار الإصلاحات، فستتعمّق محنة الشعب اللبناني، وتصعب عملية التوصّل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي.
الشقّ السياسي الذي يتعقّبه البنك الدولي، يتقاطع مع رؤية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي سألَ الحكومة بشكل غير مباشر عن تمويل خطّتها لإعادة الودائع. فحسب الخطة، سيتم ضمان الودائع التي تصل إلى حد مئة ألف دولار. وبنظر سلامة، الخطة جيّدة، لكنها خطّة "إدارة الدفع. لكن علينا أولاً تأمين السيولة".
تقسيم الودائع
الحديث عن خطط لم ينقطع طيلة 3 سنوات، لم تقدّم خلالها الحكومة تصوّرات حقيقية حول تأمين السيولة لتغطية الودائع، بمعزل عن اختلاف الأرقام المنوي إعادتها. وحتّى في ظل الخطة المعدَّة من قِبَل حكومة نجيب ميقاتي، لا آلية لتأمين السيولة. وهنا، تكشف مصادر مصرفية لـ"المدن"، وجود توجّه لدى الحكومة لاعتماد تأمين الوديعة "مقسّمة إلى نصفين، يُدفع الأول بالدولار النقدي والثاني بالليرة وفق سعر منصة صيرفة". وتضيف المصادر أن "الحكومة بحاجة لما بين 25 و27 مليار دولار لتنفيذ الخطة". ولا تستبعد المصادر أن تعلن الحكومة عدم توفّر الأموال، وتطلب من المركزي تأمينها.
لا يستغرب رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، في حديث لـ"المدن"، احتمال لجوء الحكومة لمصرف لبنان لتأمين الأموال "لأن المصارف لا تطبع المال". ولأن المصارف غير قادرة على تأمين المال، تستمر الحكومة في تجاهل مصادر تأمين الأموال "مثل مكافحة التهرب الضريبة، والتهريب على الحدود، وجباية الضرائب..."، ومن هنا تتجه الحكومة نحو المركزي، لكن "إذا كان المركزي قادراً على طبع الليرة، فهو حتماً لا يطبع الدولار".
انطلاقاً من شحّ السيولة الدولارية لدى المركزي، ونضوب الاستثمارات الخارجية التي تحمل الدولار إلى البلاد، وإشاحة الدول الخليجية نظرها عن لبنان، يبقى السوق هو المصدر الأبرز لتأمين الدولارات. ما يستتبع زيادة الطلب عليها وارتفاع أسعارها.
وبمعزل عن التداعيات، لا تعمل الحكومة وفق معايير واضحة لإعادة التوازن للقطاع المالي وفتح الطريق أمام دفع ما تبقّى من ودائع. ويرى غبريل أنه كان على الحكومة "وضع معايير معروفة لإعادة التوازن، كتحقيق فائض في الموازنة يتخطّى الـ3 بالمئة من الناتج المحلّي، والوصول إلى نمو اقتصادي لا يقل عن 3 بالمئة سنوياً، على مدى 3 سنوات".
القرار سياسي
الحكومة غير جدّية في الوصول إلى حلّ. بل تستمر في مقاربة الأزمة من الجانب السياسي انسجاماً مع رغبة أحزاب السلطة المكوِّنة للحكومة في استمالة المودعين لأغراض سياسية، كالانتخابات. وهذا ما برزَ سابقاً عبر تسريب مشروع التعافي الاقتصادي قبل الانتخابات النيابية، والحديث حينها عن شطب 66 مليار دولار من ديون وخسائر مصرف لبنان، وتحويل قسم من الودائع إلى أسهم. وهذا النوع من القرارات، لا يَقرَب من تسميته بالخطة الاصلاحية.
وعلى هذا النسق، أشار رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، جوزيف طربيه، إلى أن "الذين لا يجدون طريقة أخرى للتخلّص من الدَّين إلا عبر شطبه، يرفضون في الواقع إجراء إصلاح على المالية العامة توقف منافذ الهدر وتحسّن الإيرادات وتضع لبنان على طريق التعافي". واعتبر أن "جزءاً مهماً من أزمة لبنان يتطلّب حلاً بالسياسة وليس فقط بالإقتصاد، لذلك يقتضي أن تعود المؤسسات الدستورية إلى عملها".
الخيارات المتاحة للإنقاذ باتت واضحة ومحدّدة، وما لم يُتَّخَذ القرار على المستوى السياسي، فالاقتصاد ذاهب نحو المزيد من الانهيار. فالبنك الدولي يحذّر من أن "أداء الاقتصاد الكلي في لبنان أسوأ من أداء مجموعة من الدول، منها زيمبابوي واليمن وفنزويلا والصومال، أو يضاهيها في أحسن الأحوال". وفي هذه الحالة، لا مَفَرَّ من ارتفاع منسوب الدولرة وانفلات سعر صرف الدولار في السوق.
تعليقات: