المدن تخترق سوق المراهنات اللبناني: مافيات منظّمة وخسائر بالملايين

مصدر أمني لـ المدن: تنتهي مهمتنا بعد توقيف المتورطين.. والقضاء يستكمل الاجراءات (غيتي)
مصدر أمني لـ المدن: تنتهي مهمتنا بعد توقيف المتورطين.. والقضاء يستكمل الاجراءات (غيتي)


تختصر صدمة المراهنين الكترونياً في أحد مقاهي بيروت الذين شاهدوا مباراة السعودية والارجنتين في الاسبوع الماضي، حجم الخسائر المالية التي تكبدها هؤلاء، وقدرت بمئات ملايين الليرات، وتكشف واقع هذا النشاط غير القانوني الآخذ بالتوسع محلياً، وهي مواقع "يشغلها لبنانيون محميون من نافذين".

وفي وقت يمنع القانون اللبناني وفق المادة 632 ألعاب القمار التي "يتسلط فيها الحظ على المهارة والفطنة"، مانحاً الحق الحصري لكازينو لبنان في المقامرة، يكشف سوق المراهنات اللبناني عن سياسة عزل عالمية للبنان على صعيد تداول العملة الصعبة فيه. لكنّ هذا لا يحدّ من نشاط مافيات الشبكة العنكبوتية في توريط اللبنانيين المقامرين على كرة في "شِباك"، ليقعوا هم أنفسهم في "شِباك" الربح السريع، والخسارة القاتلة!


لبنان: جزيرة معزولة والمراهنات "بالليرة"!

ويبدو أنّ لبنان بات جزيرة معزولة عن العالم حتى بسوق المراهنات الالكترونية غير الشرعية، فالمواقع العالمية للمراهنات تحجب لبنان عنها جراء الأزمة المالية فيه، وإذا كان هذا السوق غير مشرع في لبنان أصلاً، لكن هذه السياسة لا تنفصل عن سياسة عالمية تجاه لبنان، تحدّ من دخول العملة الصعبة إليه، في إشارة لمخاوف من "تبييض إموال".

في المقابل، تحتال الشبكات المشغلة للمراهنات الالكترونية في لبنان على هذا الواقع، عبر طريقتين اثنتين، تجمعهما المراهنة "بالليرة" بعد استحالة المراهنة التقليدية بالدولار.


استضافة مواقع الرهان العالمية

ووفق أحد مشغلي حسابات المراهنات، فقد يلجأ المشغلون لاستضافة موقع مراهنة عالمي، ليكون المشغل اللبناني بمثابة Host للموقع، ويتلطى خلف اسم تجاري له في البورصة أو العملات الرقمية تفادياً لترصده. كما يمكن طلب استخدام شبكة خاصة افتراضية (VPN) من المقامرين، للوصول إلى مواقع الرهان المحظورة من قبل شركة أوجيرو المشغلة للانترنت في لبنان.


استحداث مواقع لبنانية للرهان

أما الأسلوب الثاني والذي يخفي وراءه حرفية أكبر، ويشير إلى ضلوع "مافيا" منظمة تستفيد من هذه المراهنات، فهو إنشاء مواقع محلية لبنانية تعمل بسيرفرات محلية local servers، ويتم تبديل هذه المواقع دورياً واستحداث أخرى مكانها، وذلك منعاً لتعقّب أصحابها من قبل الأجهزة الأمنية، على أن يتم التواصل مع المقامرين من فئة "الزبائن الدائمين" لنقلهم إليها.

وقد حصلت "المدن" على أسماء بعض مواقع المراهنات اللبنانية، والتي لا تعمل الا في لبنان، ومنها bklbiet.com الذي توقف عن العمل آنفاً، وتم نقل مستخدميه وحساباتهم إلى موقعي Lira.com 500، وplaylira.com اللذين ما زالا يعملان حتى تاريخ نشر هذا المقال.


أرباح قد تصل لـ150 مليون ليرة!

وأبرز الألعاب التي يراهن عليها اللبنانيون هي لعبة كرة القدم، والروليت والبوكير، وقد تصل الأرباح في لعبة الروليت وحدها الى 150 مليون ليرة.

هذا وتصل الرهانات في المونديال الحالي لأدق تفاصيل لعبة كرة القدم، كالرهان على عدد البطاقات الصفراء في ماتش ألمانيا-اليابان، أو ضربات الجزاء في ماتش البرازيل-صربيا، أو حتى التوقيت الذي يكون أحد المنتخبات سجل فيه أول كرة في مرمى الخصم.

وفي مقابل الأرباح الطائلة، خسائر طائلة، لا سيما مع تسجيل مفاجآت في هذا المونديال كخسارة ألمانيا أمام اليابان وفوز السعودية على الأرجنتين، لتبقى الأرباح المضمونة هي لمشغلي مواقع الرهان في لبنان، والذين يعكس تنظيمهم وحرفيتهم على المستوى التقني، علامات استفهام حول مشغليهم، وما إذا كانوا بالفعل، محميين سياسياً.


عملية منظمة لـ"تشريج" الحسابات!

ووفق ما حصلت عليه "المدن" من معلومات، هناك لاعب أساسي أو Head Master يسلم "وكلاء" أصغر منه رتبة، حسابات على المواقع اللبنانية للرهان مع كلمات مرور وسقف محدد للتشريج، وهم بدورهم "يشرجون" حسابات المقامرين لديهم بمبالغ بالليرة (يتم شراء الحسابات أو الـAccounts من الخارج)، تماما كما يتم تشريج الهواتف الجوالة.

وقد يبدأ تشريج الحساب مثلا بـ500 ألف ليرة لبنانية كاستدانة، ليربح المقامر مبلغ 20 مليون ليرة بلعبة الروليت، ويبدأ إدمانه "الربح السريع" وتبدأ مراكمته للخسائر بملايين الليرات، وتزداد الفائدة على المبلغ. وبما أن المشغلين للرهانات الالكترونية هم أناس "طايلين"، فإن التهديدات تتصاعد وصولاً للضرب والخطف وأخذ سيارة المقامر بالقوة، ما يضطره لبيع محله أو حتى منزله إذا كانت خسائره تقدر بملايين الليرات، وذلك تفادياً لهذه المطاردات المافياوية.


مصدر أمني: ننفذ مهماتنا على أكمل وجه

قصة المراهنات الالكترونية ليست جديدة في لبنان، لكن الجديد فيها هو تطور الأساليب والاحتيال على سياسات حجب مواقع الرهان العالمية وصولا لإنشاء مواقع رهان تعمل في لبنان حصراً.

وبتاريخ 21/10/2022 مثلاً، أفادت شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي بأنه تم توقيف مطلوب بجرائم مراهنات، سرقة، احتيال، وحيازة عملة مزيّفة"، لكن، وفيما هناك أفراد يتم توقيفهم، ما زالت الشبكات المشغلة لهذه المواقع تستفيد من خسائر اللبنانيين المقامرين، حيث من المرجح أن تحقق أرباحاً خيالية في نهاية المونديال!

ولم ينفِ مصدر أمني لبناني رفيع، أن "عمليات الرهان الالكتروني ازدادت أخيراً سيما مع بدء المونديال وذلك بشكل قياسي"، مؤكداً في حديث لـ"المدن" أن قوى الامن الداخلي "تقوم بدورها على أكمل وجه"، مؤكداً أن "القبض على أشخاص في مجال المراهنات الالكترونية لم يتوقف"، لكن العائق الأساسي أمامنا هو "الاعتكاف القضائي الذي يحول دون تنفيذ العقوبات بحق الموقوفين حتى إشعار آخر".

وعن تطور أساليب عمل هذه الشبكات، يعلق بالقول: "باتت المراهنات الالكترونية اليوم أكثر حرفية ما يصعب عمليات ضبطها، فمحلات الألعاب والمقاهي التي تصلنا تبليغات بحقها ليست سوى واجهة لعمليات المراهنات الالكترونية، بينما المشغّلون الأساسيون لمواقع المراهنة يختبئون في البيوت وخلف الشاشات ويمتلكون مستويات عالية جداً من الحرفية".

في المقابل، ينفي المصدر الاتهامات حول "تقصير قوى الأمن في هذا المجال بسبب غطاء سياسي ما لمشغلي هذه الشبكات"، موضحا أنه "عندما يأتينا إخبار نتحرك على أساسه من دون أن نتحرى عن وساطة أو غطاء الشخص مخطّ الإخبار"، أما ما يجري لاحقاً بعد توقيف المتهمين "فلا علاقة لنا به، ومهمتنا تنتهي بتوقيفهم، وليأخذ القضاء مجراه".


هل تتحرك الدولة قبل انتهاء المونديال؟

من جهة أخرى، يلفت المصدر الأمني إلى أنّ جنحة المراهنات تعتبر من "الجنح الخفيفة" وعقوبتها قد تنتهي بالتوقيف يومين لا أكثر، مما لا يشكل رادعاً كافياً أمام المراهنين ومشغلي مواقع المراهنات، سيما وأن القانون يساوي بين الاثنين، مما يفتح النقاش حول ضرورة تعديل هذه العقوبة نظرا لحجم الأضرار الناتجة عن المراهنات، لا سيما الالكتروني منها.

وإذا كانت أوجيرو في الماضي قد ساهمت في حجب مواقع عالمية للمراهنات، فهل التغير الدوري لمواقع الرهانات اللبنانية يصعّب عمليات حجبها من قبل أوجيرو وتعقب مشغليها من قبل أجهزة الدولة؟ وهل تتحرك الأجهزة المعنية اليوم على إثر الكشف بالأسماء عن مواقع، من المفترض أنها قادرة على تعقب مشغليها، قبل جنيهم المزيد من الأرباح في مونديال تبكي الجماهير فيه على خسارة منتخباتها ويبكي المقامرون اللبنانيون فيه على خسارة ليراتهم؟



تعليقات: