المشايخ الدروز
انشغل الموحدون الدروز في لبنان منذ السبت الفائت بخبر مفاده نزع المرجعية الروحية، الشيخ أمين الصايغ لـ"مدوريته"، فتحرّك المشايخ على كافة الخطوط، كما تحرّكت #مشيخة العقل لاحتواء التداعيات. وأثيرت الفوضى داخل أروقة الطائفة، بعدما حاولت "غرف سوداء" تصوير الأمر على أنّه شرخ داخل صفوف الموحدين.
وقبل الغوص بتفاصيل ما حصل، لا بد من الإشارة إلى أن "المدورية"، أو اللفة المكولسة، هي نوع من أنواع اللفات التي توضع على رأس الشيخ، الذي يصل إلى أرفع المستويات الروحية لدى الموحدين، وتكون إشارة إلى أنّه بات مرجعاً دينياً لدى الموحدين الدروز. ولا يُمكن لأي كان إلباس شيخ آخر مدورية، بل إن ذلك محصور بالمرجعيات، والمشايخ الأعيان، وبالتنسيق بين الهيئات الروحية.
لدى طائفة الموحدين الدروز في لبنان مرجعان دينيان وصلا إلى أرفع المستويات الروحية، وهما الشيخ أبو صالح محمد العنداري، الذي ألبسه الشيخ أبو سليمان حسيب الصايغ مدوريةً في وقت سابق، لكنه وضعها جانباً لزهده بالمواقع والمناصب، وتقشفه، والشيخ أمين الصايغ، الذي يلبس مدوريةً.
ماذا حصل بين الأوساط الروحية الدرزية؟
بالعودة إلى أصل المشكل، فإن نزع الصايغ لمدوريته جاء بعدما ألبس العنداري عمامة مُشابهة (مدورية) للشيخ أبو فايز أمين مكارم، مبدياً اعتراضه باعتبار أنّ الموافقة على تلبيس اللفات المكولسة تعود إليه حصراً.
لكن العنداري انطلق في حقّه بإلباس مكارم المدورية من موقعه الديني والمدورية التي كان قد ألبسه إياها الشيخ سليمان حسيب الصايغ قبل زمن. كما أن للعنداري موقعاً رفيع المستوى روحياً ودوراً داخل الطائفة، فأقدم على ما اقتنع به وأبلغ الصايغ بما سيفعله، وفق ما علمت "النهار".
إلّا أن محاولات إسقاط السياسة على الملف الديني، والاستثمار فيه لم تغب، وذلك من باب الانقسام السياسي الحاصل بين دارتي المختارة وخلدة والذي انسحب على عدد من الملفات، لا سيما مشيخة العقل، وتمت الإشارة إلى وقوف #وليد جنبلاط وراء فعل العنداري ومكارم، لإحداث شرخ من خلال تسييس الموضوع، وتجييش رفض ديني وشعبي بمواجهة ما حصل.
لكن في ذلك الحين، كان لمشيخة العقل في لبنان موقف واضح، شدّد على ضرورة حصر المشكلة بالمشايخ الذين هم "جديرون بحلّها"، وعدم السماح لـ"الأيادي الخفية" باستغلال ما يحصل.
للعنداري صلاحية بتلبيس المدورية
مصادر المشايخ تؤكّد في حديث لـ"النهار" صلاحية العنداري بتلبيس "المدورية"، انطلاقاً من تلبيسه في وقت سابق اللفة المكولسة والعباءة البيضاء المقلّمة (وهي أيضاً رداء يلبسه المشايخ الأعيان)، إلّا أنّه رفض ارتداءهما لزهده في الأمر. وتلفت إلى أنّه اختار أحد المشايخ الأتقياء من المتن، الشيخ أمين مكارم الذي ختم "المعلوم الشريف" بعمر الـ 14 سنة، ويتحدّر من منزل روحي بامتياز، وبالتالي المواصفات مكتملة.
وتُشير إلى أن "الصايغ يلبس هذه اللفة المكولسة منذ ما يزيد على 16 عاماً، ويرفض إلباس أي شيخ آخر اللفة المدورية، لأن "الأمر قد يؤدي إلى مشكلات وفوضى" برأيه، إلّا أن لا مشكلة في وجود أكثر من شيخ يلبس اللفة المكولسة، والسؤال، ألا يوجد مشايخ تستحق؟"
كما تعتبر المصادر أن "التهجّم على العنداري مُعيب، وهو شيخ تقي زاهد بالدنيا إلى أقصى الحدود، ووالده الشيخ أبو محمد صالح العنداري، الذي فضّل ابنه على نفسه حينما قرّروا الباسه مدورية قبل زمن، كما أن اتهامه بالانحياز السياسي، واتهام وليد جنبلاط بالوقوف وراء القرار ينم عن جهل في موقع الرجلين وطريقة تعاطيهما مع هذا الشأن، خصوصاً وأن العنداري لا يقبل بأي ضغوط، كما يزعم البعض، ولا بمواقع وهو الزاهد بمنصبه".
وتكشف المصادر حقيقة الصورة التي صُورت كأنها "انقلاباً"، وتم تشويه حقيقتها، وتلفت إلى أن زيارةً قام بها شيخ العقل سامي أبي المنى إلى بتخنيه، مسقط رأس أمين سر كتلة "اللقاء الديموقراطي" النائب #هادي أبو الحسن، لتقديم واجب العزاء، بالمرحوم الشيخ أبوصالح كريم أبو الحسن، وصودف وجود عدد من المشايخ، من بينهم الشيخ أمين مكارم، بالإضافة إلى القاضي الشيخ غاندي مكارم، فكان لقاء طبيعياً بدارة النائب أبو الحسن ولا علاقة له بهذا الأمر.
ويُذكر أنه أثناء اللقاء، تم التقاط صورة جمعت شيخ العقل، أبو الحسن، القاضي مكارم، الشيخ أمين مكارم، إلى جانب عدد من المشايخ، وتم نشرها بعد إلباس الشيخ مكارم المدورية، وتصويرها وكأنها لقاء مقصود حصل لتنسيق ما تمت تسميته بـ"الانقلاب" على الهيئة الروحية، وهو الأمر الذي تنفيه بشكل قاطع مصادر مطلعة، كما تنفي صلته أساساً بما حصل، وتؤكّد تأطيره في سياق اللقاءات الاجتماعية والسياسية التي يقوم بها شيخ العقل.
وتؤكّد المصادر أن "العنداري مرتاح لقراره ولن يعود عنه، والمشايخ تعمل على تدوير الزوايا لاحتواء الموضوع بعيداً عن "البروباغاندا" التي تصب الزيت على النار".
هل من علاقة لجنبلاط بالموضوع؟
في السياق نفسه، تُشير مصادر أخرى متابعة إلى أن "مع الحديث عن تدخّل السياسة بالدين والهيئة الروحية، لا بد من العودة إلى موقعي ومكانتي الشيخين العنداري ومكارم العريقين داخل طائفة الموحدين الدروز، والاحترام الواسع الذي يتمتعان به بين أبناء الطائفة، وانطلاقاً من هذه النقطة، فإن ثمّة "إهانة" بحق هذين الشيخين مع اتهامها بتدخّل السياسة في الأمر، وكل تشكيك بفعل العنداري هو تشكيك بما يمثّل من مكانة دينية عريقة".
وتشدّد المصادر في حديث لـ"النهار" على أن "العنداري ينطلق في فعله من قناعاته وتقييمه للظروف وتقديره لمكارم، كما يفعل في مختلف قرارته، واتهامه بالتسيّس مردود لأصحابه الذين يربطون مواقف الصايغ بالسياسة أيضاً، أكان لجهة دروز سوريا أو فلسطين، وبالتالي الأجدى بهم عدم توريط المرجعيتين في دهاليز سياستهم الضيقة، لأسباب فئوية مرتبطة بتصفية حسابات مع جنبلاط".
وتؤكّد المصادر أن "لا علاقة لا لجنبلاط ولا للتقدمي ولا لمشيخة العقل بما يحصل، وهو يحتكم لتقاليد وأعراف الطائفة الدرزية، بعكس مشيخة العقل التي تحتكم للقانون والمجلس المذهبي".
وتعتبر المصادر ما حصل من "تشهير إعلامي" هدفه "إحداث شرخ داخل الطائفة الدرزية وتصويره على أنّه انقسام، وجرى ربطه بدار المختارة، ولكن حقيقة الأمور ليست كما يصوّرها أزلام الممانعة والنظام السوري في لبنان، والذين يراهنون على الانقسام"، وفي هذا السياق، تشدّد على أن لا انقسام دينياً ضمن الأوساط الروحية.
تعليقات: