ما مصير عقود الإيجارات بعد تعديل سعر الصرف الرسمي؟

أبنية سكنية في منطقة الصيفي في بيروت (نبيل اسماعيل)
أبنية سكنية في منطقة الصيفي في بيروت (نبيل اسماعيل)


في نهاية كانون الاول الجاري تنتهي السنة التمديدية الثامنة من قانون الايجارات ليدخل القانون الصادر في 2014 عامه الأخير لغير المستفيدين من صندوق دعم المستأجرين. تسع سنوات مرّت ومعظم مواد القانون مطبقة ما عدا تلك المتعلقة بالصندوق في انتظار تفعيل عمل لجان الإيجارات التي يرأسها قضاة ويبلغ عددها 24 لجنة موزعة في المحافظات.

هذه المعضلة لم ينجح مجلس القضاء الأعلى في حلها مع تمسك القضاة برفض العمل لأسباب مادية كما يقولون، مع العلم أن مفاعيل انكفائهم تسبب ضررا بالغًا لأصحاب الشأن من مالكين ومستأجرين. هذه الظاهرة تُعدّ غريبة، إذ لم يسبق لمجلس القضاء أن عجز عن حضّ القضاة على تطبيق قانون صادر عن مجلس النواب وصدرت مراسيمه التطبيقية وفق الاصول. في هذا السياق، يقول رئيس نقابة المالكين باتريك رزق الله لـ”النهار” إن النقابة راجعت في الاشهر الماضية جميع المراجع الرسمية تقريبا، من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة فوزير العدل ومجلس القضاء الأعلى، من دون نتيجة في تفعيل عمل اللجان، “وهذا أمر مستغرب. وبعض المالكين أصبحوا في حالة لا تحتمل إذ إنهم ملتزمون تطبيق القوانين فيما بعض المستأجرين وبتحريض من محامين يستغلون هذه الثغرة فيدفعون للمالك بدلات ايجار لا تتعدى الثلاثين الف ليرة شهريا كحد أقصى، وهم بذلك يتصرفون خارج معايير الضمير والاخلاق والقيم. فثلاثون الف ليرة في الشهر، اي اقل من دولار واحد، لا يمكن اعتبارها ايجارًا انما هي احتلال موصوف للمباني على مرأى من الدولة والسلطات ومن دون حسيب”. وطالب رزق الله مجلس النواب “بتحرير هذه الإيجارات كما الايجارات غير السكنية فورا باقتراح قانون معجل مكرر”، مستغربا “ترك المالكين القدامى كفئة وحيدة من دون اي زيادات معيشية في هذه الظروف الطارئة”. وختم: “لم نرَ اي مستأجر في الطريق، ما يؤكد أن الجميع قادر على دفع البدلات وأن المالكين يتفهمون الظروف الحالية على عكس بعض المستأجرين”. وعلمت “النهار” أن وفدا من النقابة زار وزير المال يوسف الخليل وشرح له الظروف الحالية وتم البحث في مسألة الرسوم وغيرها، وخصوصًا في ظل الخسائر التي يتكبدها المالكون القدامى. وكان مجلس النواب قد انتهى من درس قانون لتحرير الايجارات غير السكنية وتم تحويله الى الهيئة العامة للتصويت قبل ان يدخل المجلس دستوريا في اطار الهيئة الناخبة فتتوقف أعمال التشريع قبل انتخاب رئيس للجمهورية، وبقيت هذه الايجارات من دون تحرير فيما يبلغ الدولار في السوق السوداء مستويات قياسية يتعامل معها التجار بواقعية فيرفعون اسعارهم ما عدا الايجارات التي بقيت الى الآن من دون زيادات، ما يدفع المالكين إلى رفع الصوت.

في سياق متصل، وما ان أشار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى موضوع تعديل سعر الصرف الرسمي مطلع شباط المقبل ورفعه الى 15 الف ليرة، حتى سارع بعض أصحاب المباني السكنيّة القديمة الى مطالبة المستأجرين القدامى، الذين وقّعوا معهم العقود الرضائيّة بحسب قانون2017 بدفع بدلات الايجار على سعر صرف السوق السوداء، مبررين أن الدولار الجمركي ارتفع، ومع ترقّب رفع سعر الصرف الرسمي، رفض بعضهم قبض الإيجارات على التسعيرة المتّفق عليها سابقا في العقود. وتعرب المستشارة القانونية للجنة الاهلية للمستأجرين المحامية مايا جعارة عن تخوف المستأجرين “الذين باتوا مخنوقين مع انعدام قدرتهم الشرائية في ظل سلطة عاجزة عن حمايتها، من أن عقودهم ستحررّ في اواخر العام 2023 وهو أمر غير مقبول ومستهجن، لا سيّما ان اعادة نشر كامل القانون 2/2017 تمّت بتاريخ 28/2/2017 وقد نصّ في مادته الخامسة عشرة صراحة على ان مهلة تمديد الايجار هي 9 سنوات لغير المستفيدين من الصندوق و12 سنة للمستفيدين تبدأ من تاريخ نفاذ هذا القانون الذي هو بطبيعة الحال تاريخ 28/2/2017 لغير المستفيدين وتاريخ دخوله حيز التنفيذ عملا بالمادة 58 للمستفيدين من الصندوق”. واشارت جعارة الى ان “اجتهادات محاكم الاستئناف في بيروت وجبل لبنان اكدت هذا التفسير المنطقي والقانوني معاً ولا داعي لزعزعة الامن الاجتماعي بحملات نحن في غنى عنها، خصوصا ان غالبية المستأجرين القدامى هم من كبار السنّ وخارج التغطية الصحيّة؛ فجريمة كبرى ترتكب بحقهم في حال اللعب بمصيرهم تحت الذريعة الواهية بعدم وضوح قانون الايجارات وتهديدهم ظلماً بالسقف الذي يحمي ما تبقى من كرامتهم الانسانية”. وشددت على ان قانون الايجارات هو “قانون برنامج لا يمكن تطبيقه من دون اكتمال عناصره ومنها اللجنة والصندوق اللذان اقرّا بموجب القانون بعد إبطال المجلس الدستوري للجنة التي نص عليها قانون 2014 والتي اعتبرت غير دستورية آنذاك. فالترابط والتكامل بين الآليات هو العنصر الأساسي الذي يرسو عليه التوازن الذي تحدث عنه المجلس الدستوري، والذي شكّل الأساس للقول بأن القانون يوفّق بين حق الملكية وحق السكن، وبالتالي أنه دستوري، فلا تجوز مخالفته”. اما بالنسبة الى سعر الصرف فلفتت جعارة الى انه ما زال حتى تاريخه بحسب نشرة مصرف لبنان 1507 ليرات للدولار، علماً ان مدير الواردات في وزارة المال لؤي الحاج شحادة صرّح منذ فترة قصيرة بان الوزارة في صدد اصدار قرارات تتعلق بتحديد سعر صرف خاص ببدلات الايجار وغيرها من المستحقات المالية الدورية.

ورأت انه “ينبغي بتّ هذه النقطة سريعاً لتخفيف التجاذبات والاشكاليات بين المواطنين، ويجب على الرقم الذي سيُحدد ان يراعي ظروف المواطنين، فهناك 80% من الشعب تحت خط الفقر، كما ان تحديد بدل المثل (اي بدل الايجار) وفقاً للقانون 2/2017 قد حُدد بتاريخ كان سعر الدولار ثابتا على 1507 ليرات، وهذا البدل حدّد بناءً على سعر شقة اعلى بكثير مما هو عليه اليوم”. وبحسب جعارة “لا يعقل ان يُطالَب المستأجر القديم الذي تحدّد بدل ايجاره بقيمة 4% من سعر الشقة بحسب تخمينها قبل انهيار اسعار الشقق، والذي كان اضعاف ما هو عليه اليوم – نظراً للانخفاض الكبير بسعر العقارات نتيجة الازمة الاقتصادية – بأن يدفع البدلات بالدولار “الفريش” او بحسب سعر السوق كما يحاول البعض حالياً اعتماده، علماً ان الدائنين لا يزالون يدفعون قروضهم السكنيّة بالليرة اللبنانيّة على سعر الصرف 1515 ليرة للدولار واذا شاؤوا بالشيك المصرفي”. وطالبت جعارة المجلس النيابي الجديد ولا سيمّا لجنة الادارة والعدل “بالسير بدراسة، ضمن سلّة واحدة، قوانين الايجارات الثلاثة: السكني القديم والتجاري القديم وقانون حريّة التعاقد، خصوصا ان الاخير بحاجة ماسة لادخال تعديلات عليه بحيث يصار الى ادخال ضوابط على الايجار اسوة بكلّ بلدان العالم، إذ ان دولرة بدلات الايجار اصبحت امراً واقعاً وباتت تشكّل خطراً كبيراً على حق المواطنين بالسكن ولاسيما جيل الشباب مع توقّف قروض الاسكان، كما على الدورة الاقتصادية، اذ بدأنا نلاحظ تبعاتها الاقتصادية الوخيمة بحيث ان المحال التجارية والمكاتب والمصانع تقفل ابوابها تباعاً بسبب ارتفاع الكلفة التشغيلية وباتت احياء المدن والقرى فارغة من الحركة التجارية الطبيعية”.

تعليقات: