مطران بيروت يرفض «تقسيم» مجلسها البلدي حفاظاً على صلاحيات المُحافظ: تطيير الانتخابات البلدية كرمى للمناصفة!
..
يؤكّد متابعون أن الانتخابات البلديّة المقبلة ستنتج مجلساً بلدياً في بيروت مؤلفاً من 24 عضواً مسلماً مع صعوبة وصول المرشحين المسيحيين إلى المجلس، في ظل انعدام الاتفاق بين القوى المحليّة وغياب الضمانة الحريريّة للحفاظ على عُرف المناصفة. ويرجّح هؤلاء سيناريو تطيير الانتخابات البلديّة إلى حين إقرار قانون يحفظ المناصفة، مقابل تقليص صلاحيات المُحافظ المسيحي
في الانتخابات البلدية المفترض أن تُجرى في أيار المقبل، ما من أحد يمكن أن يضمن المناصفة «الحبّية» بين المسلمين والمسيحيين في المجلس البلدي للعاصمة. من كان يُحيك التسويات لتأليف لائحة موحّدة تتمثّل فيها كل القوى السياسية، و«يدقّ» على صدره متعهّداً بوصول 12 عضواً مسيحياً إلى المجلس، رغم انخفاض أعداد الناخبين المسيحيين، غادر الحياة السياسيّة.
ليس اغتيال الرئيس رفيق الحريري ثم تعليق سعد الحريري عمله السياسي وحدهما ما يجعلان عُرف المناصفة صار في خبر كان. نزعة «الانتقام» أيضاً حاضرة. إذ إن تيار المستقبل لن يجد فرصةً مؤاتية أكثر من الانتخابات البلديّة لرد الصاع إلى حزب القوات اللبنانيّة الذي حارب الحريري على المكشوف ودسّ لدى السعودية لإنهاء «عمره» السياسي. إذ يؤكد أكثر من متابع وعضو في المجلس البلدي لمدينة بيروت أنّ «المناصفة طارت لأنّ تشكيل لائحة تضم قوى سياسيّة كما في السابق يكاد يكون مستحيلاً في الظروف الحالية»، إضافة إلى الخرق الذي يُمكن أن ينتج من تحالف القوى الاعتراضية بعدما كانت لائحة «بيروت مدينتي» قريبة جداً من تحقيق خرق في الانتخابات السابقة.
استناداً إلى هذا كله، وفي حال استمرار ضياع التحالفات السياسية، يكاد يجزم كثيرون بأن مجلس بلديّة بيروت المقبل سيتألّف من 24 عضواً مسلماً (سنياً وشيعياً) مع استحالة وصول أي عضو مسيحي. وهذا حصل في ستينيات القرن الماضي، ودفع مجلس الوزراء في حينه إلى عزل بعض الفائزين من المسلمين وتعيين أعضاء مسيحيين، قبل أن يتعهّد الحريري الأب، في أول انتخابات بعد الحرب الأهلية (1998)، بتحويل المناصفة إلى عُرف يلتزم به المسلمون.
يقول عضو بلدي: «طالما أن مجلس النواب لم يقرّ قانوناً يحوّل عُرف المناصفة إلى قانون، وطالما أن الحريري غائب عن الحياة السياسية، لا شيء يضمن المناصفة الإسلامية – المسيحيّة في المجلس البلدي المُقبل». وفي حال حصول ذلك، فإنه سيُحيي طرح القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر تقسيم المجلس البلدي للعاصمة إلى بلديتين مسلمة ومسيحيّة، ربما مع الأخذ في الاعتبار هذه المرة هواجس الأعضاء المسلمين من الصلاحيّات الكُبرى التي يتمتع بها المحافظ الأرثوذكسي بما يُقيّد صلاحيات رئيس المجلس السني.
وفيما يشير متابعون إلى أن مرجعيات دينيّة مسيحية، من بينها متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، ترفض العودة إلى طرح تقسيم المجلس البلدي، يُعزى هذا الرفض إلى عدم الرغبة في فتح الباب أمام المسّ بصلاحيات المحافظ.
كل ذلك يشي بأن المشكلة تكاد تتعمّق أكثر مع اقتراب موعد الانتخابات البلديّة، وتتحوّل إلى إشكالٍ سياسي - طائفي. لذلك، يؤكّد مسؤولون أن الحل قد يكون بتطيير الاستحقاق إلى حين إيجاد الحل المُناسب، على أن يخرج «أرنب الحل» هذا من لجنة الداخلية والبلديات النيابيّة بحجة عدم إنهائها النقاش في قانون البلديّات.
يجزم كثيرون بأن مجلس بلديّة بيروت المقبل سيتألّف من 24 عضواً مسلماً
ما يزيد من حظوظ التأجيل أنّ أياً من القوى السياسية لن تجرؤ في ظل الظروف السياسية الحالية على تقديم اقتراح قانون إلى مجلس النوّاب بتثبيت المناصفة، كما أن مثل هذا القانون سيكون عرضة للطعن أمام المجلس الدستوري بذريعة مخالفته مقدمة الدستور التي تنص الفقرة «ح» منها على أنّ «إلغاء الطائفية السياسيّة هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطّة مرحليّة»، والفقرة «ط» على أن «أرض لبنان هي أرض واحدة لكل اللبنانيين (...) ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين». والأهم أن القوى المسيحية تخشى من أن تتحمّل مسؤولية تحويل البحث في المناصفة إلى نقاش جدي حول تقليص صلاحيات المحافظ المسيحي. وقد تذهب الأمور إلى حدّ مطالبة المسلمين بتعيين محافظ مسلم.
لذلك، فإنّ الأمر متروك للجنة النيابيّة التي يُرجّح المتابعون أن تخرج بصيغة تثبّت عرف المناصفة، وتطوي صفحة تقسيم البلديّة مقابل تقليص صلاحيات المُحافظ، كتحديد سقف زمني له لإصدار قراراته وإلا تكون نافذة. إذ إن تعديلات كهذه ستخفّف من الصلاحيات التي تتحوّل في كثير من الأخيان إلى عراقيل أمام المجلس البلدي ورئيسه.
مجالس الظل لـ 12 حيّاً
ربط كثيرون بين تحويل عُرف المناصفة إلى قانون واقتراح القانون الذي تقدّم به النائب هاغوب ترزيان والذي ينص على أن مجلس بلدية بيروت يتألف من 24 عضواًَ من عضوَين من كل حيّ من أحياء بيروت الـ 12 (الرميل، الأشرفية، الصيفي، الباشورة، المدوّر، المرفأ، رأس بيروت، ميناء الحصن، دار المريسة، المزرعة، المصيطبة، زقاق البلاط) يُنتخبون بالنظام الأكثري.
كما ينص الاقتراح على إنشاء مجلس محلي في كل حيّ، مؤلف من 5 أعضاء يُنتخبون بالاقتراع المباشر، وينتخبون رئيساً ونائب رئيس.
ويكون دور المجلس المحلي: إعطاء الآراء الاستشاريّة في كل مشروع يقع ضمن دائرته، واستطلاع رأيه إلزامياً في كل مشروع تنوي البلديّة المركزيّة تنفيذه ضمن نطاقه أو في خدمة هذا النطاق، ورفع الاقتراحات الى مجلس بلدية بيروت المركزي لمناقشتها إلزامياً في أول جلسة تلي تاريخ تسجيل الاقتراحات قانوناً والبت بها.
بعض أعضاء المجلس يعتبرون اقتراح ترزيان «طائفياً وعنصرياً، ويضرب المناصفة مع اعتماد الأحياء غير المقسّمة طائفياً أصلاً، ما يرجّح وصول عدد أكبر من الأعضاء المسلمين على حساب المسيحيين». فيما يرى آخرون أنه يزيد الخلافات مع إدخال المجالس المحلية تحت مظلة العلاقة الملتبسة بين البلدية والمحافظ، فضلاً عن أن «لا ضرورة لأعضاء المجلس المحلي طالما أنّ مخاتير الأحياء يُمكنهم إيصال صوت ناخبيهم إلى المجلس البلدي».
يدافع ترزيان عن اقتراحه بأنه «يعطي تمثيلاً صحيحاً في الانتخابات البلدية المقبلة، كما يضفي حيوية على العمل البلدي بسبب تضمّنه كوتا للنساء والشباب». وهو ينطلق من «تجربةٍ بلدية طويلة ومعرفةٍ دقيقة بحاجات البلدية ومآسي المواطنين»، مشيراً إلى وجود تباعد كبير بين أعضاء المجلس والمواطنين. وبالتالي، «اقترحتُ إيجاد مجلس يحلّ هذه الأزمة، وخصوصاً أن بعض الأعضاء لا يعملون بالشكل المطلوب، بينما انتخاب 60 عضواً يؤمن العمل البلدي اللازم». ولفت إلى أن «أعضاء مجالس الأحياء سيكونون أكثر قرباً من الناس وهواجسهم وسيلمسون مشاكلهم من أجل اجتراح الحلول»، موضحاً أن «لا علاقة للمخاتير بالمجالس البلديّة، ولو كان الأمر كذلك لماذا لا يقومون بهذا الدور؟». وإذ أقرّ بوجود هواجس تتعلّق بالمناصفة في الانتخابات البلدية المقبلة، «لكنني لا أعيش فيه. ولا صلة لذلك باقتراح القانون الذي تقدّمت به من قريب أو بعيد».
تعليقات: