طلب ميقاتي موعداً لزيارة الكويت (دالاتي ونهرا)
يتوزع المشهد اللبناني على صور متعددة. على الرغم من الاختلافات العميقة في المقاربات، إلا أنها جميعها تقود في النهاية إلى عنوان واحد هو التسوية. الفارق هو المنظور الذي ينظر منه كل طرف إلى هذه التسوية.
في المشهد، صورة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في المملكة العربية السعودية. صورة قائد الجيش جوزيف عون في دولة قطر. صورة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل في بكركي. وصورة الحوار الذي يسعى رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى عقده في مجلس النواب، بعد جلسة الانتخاب العاشرة يوم الخميس المقبل. وصورة الاختلاف بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله.
حركة ميقاتي
تشكل زيارة نجيب ميقاتي إلى المملكة العربية السعودية فرصة له، لتعزيز صورته العربية وعلى الساحة الداخلية. فهو يتصرف كرئيس للحكومة وممثل للبنان، ولا أحد غيره قادر على تمثيل السنّة في منصب رئاسة مجلس الوزراء. طلب موعداً لزيارة الكويت نظراً لتمتعه بعلاقات مع المسؤولين هناك، وتحت سقف "الورقة الكويتية". يحاول ميقاتي تقديم نفسه كقادر على الذهاب في تطبيق تلك الشروط الواردة في الورقة، مستمداً قوة من الجلسة التي عقدها في ظل معارضة التيار الوطني الحرّ ومقاطعتها. وكأنه أراد القول إنه الوحيد الذي تصدى لجبران باسيل. يتحرك ميقاتي بناء على دعم فرنسي أيضاً، لا سيما أن المعلومات المتوفرة تؤكد أنه لا يزال المفضَّل بالنسبة إليهم لرئاسة الحكومة. ولا يزال الفرنسيون يحاولون إقناع السعوديين به كرئيس للحكومة بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية. حجم الدعم الفرنسي لميقاتي كان له أثر في استقباله في الرياض، إلا أن كلام وزير الخارجية السعودي كان واضحاً، عندما قال إن اللبنانيين أمام استحقاق لاختيار رئيسين، ما يعني تلازم انتخاب رئيس الجمهورية مع اختيار رئيس الحكومة.
القائد في قطر
في المقابل، تحظى زيارة قائد الجيش جوزيف عون إلى قطر باهتمام بالغ لبنانياً وإقليمياً. لا يخفى أن الرجل هو أحد أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية وأكثرهم جدية. يحظى بثقة جهات دولية عديدة، كما يحظى بدعمهم كخيار للتسوية. تأتي زيارته بناء على دعوة رسمية، وسيتم البحث خلالها في مسألة تقديم المزيد من المساعدات للجيش اللبناني، بعدما كانت دولة قطر قد قدّمت مبلغ 60 مليون دولار للجيش، فيما وجهت إليها الولايات المتحدة الأميركية شكراً على هذا الأمر. من هنا يسود انطباع في لبنان حول دور تضّطلع به قطر للوصول إلى صيغة اتفاق في لبنان، يكرس الاستقرار ويعيد تكوين السلطة ويشرع في البحث عن خطة اقتصادية للإنقاذ. وهنا تستفيد دولة قطر من مراكمة أدوار متعددة نجحت في أدائها على صعيد العلاقات بين الدول المختلفة، ونظراً لصلاتها بكل القوى الإقليمية والدولية. وهنا لا تخفي مصادر لبنانية وأخرى ديبلوماسية أن جوزيف عون يشكل عنواناً للتوافق بين عدد من العواصم الأساسية والمؤثرة والمهتمة بلبنان.
عون وباسيل
أما صورة زيارتي رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، ورئيس التيار الوطني الحرّ، إلى بكركي، فعلى الرغم من أنها تنطوي على رفض انعقاد جلسات مجلس الوزراء، وتحتمل تصعيداً في المقاربة الرئاسية على خلفية الاختلاف مع حزب الله، حول إصراره على تبني خيار سليمان فرنجية، إلا أن ما طلبه الرجلان من الراعي هو الاضطلاع بدور مسيحي أوسع للوصول إلى تفاهم على عدد من الاسماء لرئاسة الجمهورية، تحت سقف الرفض الكلي لتبني خيار فرنجية. هذا الموقف يعني أن عون وباسيل يسعيان إلى البحث عن إتفاق وعن تسوية ولكن بمنظور مختلف عن مقاربات الآخرين.
كل هذه المواقف التي تتسلح بها القوى السياسية المختلفة، لا بد لها أن تنعكس على طاولة الحوار التي سيدعو إليها الرئيس نبيه برّي. وفي حال نجح في مسعاه هذا، فإن كل فريق سيطرح ما لديه على الطاولة. إذ أن العنوان الأساسي لدى برّي هو السعي لتمهيد الأرضية للوصول إلى توافق، والذي يحتاج إلى تقاطع دولي يدفع في اتجاه إنجازه. ولكن لا بد من تحضير المسرح داخلياً. يأتي تحرك برّي هذا على وقع الاختلاف المستمر بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وسط انتظار من قبل الحزب للمواقف التي سيطلقها باسيل، ويمكن من خلالها استشراف المرحلة المقبلة بينهما.
المشكلة مع حزب الله
تبقى المشكلة الأساسية بين باسيل والحزب، هي أن الأول يريد احتكار قوة الحزب لصالحه وليس لصالح أي طرف آخر، بينما يريد حزب الله الخروج من الاستنزاف السياسي، ووقف اتهامه بأنه يعمل على عرقلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية. لذلك يسعى الحزب إلى إلغاء هذه الصورة وعدم البقاء في هذا الوضع. ولذلك كان يسعى مع حلفائه إلى التفاهم على مرشح موحد وهو سليمان فرنجية، لتقوية موقف هذا الحلف رئاسياً. إلا أن ذلك لم يتحقق بسبب موقف جبران باسيل الرافض للتماشي مع هذه الفكرة.
هنا لا بد من الإشارة إلى وجود مقاربة جديدة لدى حزب الله على الساحة الداخلية، وهي ترتبط بالوثيقة السياسية التي يعمل الحزب على إعدادها حيال الملف اللبناني، وتقوم على عدم الاستمرار في النهج والآلية نفسها، مع تأكيد الحاجة إلى تقديم مقاربات جديدة. وتتضمن هذه الوثيقة إعلان التمسك باتفاق الطائف، وأنه يفتح آفاقاً للتغيير في المرحلة المقبل، في حال تم الإلتزام بتطبيق ما لم يطبق منه. وحسب ما تقول المصادر القريبة من الحزب، فهو يريد التخفيف من حدة الخلافات على الساحة مع كل الأفرقاء في الداخل والخارج.
تحظى زيارة قائد الجيش جوزيف عون إلى قطر باهتمام بالغ لبنانياً وإقليمياً
تعليقات: