آه أيها الشعر!

الشاعر محمد العبد الله
الشاعر محمد العبد الله


تلقيّتُ دعوة للمشاركة في مهرجان شعري في كولومبيا! إنّه المهرجان الدولي للشعر. بدأ منذ 37 سنة (1971) ولم أسمع بهذا المهرجان من قبل. شارك فيه حتى الآن 747 شاعراً وناقداً من 136 بلداً – دولة (يعني جميع دول العالم تقريباً) وهذا المهرجان ينعقد تحت شعار «ضدّ العنف». والعنف ظاهرة عالمية، يتراوح بين الإرهاب الجماعي والفرديّ وبين الثورات وحركات المقاومة التي يجري خلطها بالعنف والإرهاب. لذا وجب التعريف والتمييز وهذا، على سبيل المثال، مطلبٌ عربي وإسلامي على منابر الأمم المتحدة بعد أن اعتبرت الولايات المتحدة وبعض الغرب أو جلّه أنّ جميع الحركات المناوئة والمعارضة والمقاومة تدخل في باب الإرهاب، ثم اضطرت مؤخراً إلى أن تتروّى قليلاً في إطلاق هذا التعريف.

العنف موجود في سائر أنحاء العالم، الأوّل والثاني والثالث، من روسيا إلى فرنسا إلى إيطاليا وأسبانيا، إلى الولايات المتحدة، وخصوصاً في أميركا الجنوبية، وعلى الأخصّ في كولومبيا، حيث يتراوح هذا العنف من حركة المعارضة المسلّحة guerillas إلى العنف الفردي، لأسباب متعدّدة، بحيث تُعتبر كولومبيا من «أخطر البلدان في العالم»... على ذمّة الفرنسيين وغيرهم. استقيتُ معلومات عن الوضع في كولومبيا وأنا أوازن بين الذهاب إلى المهرجان أو عدم الذهاب. وعلى ذمّة الفرنسيين (نترنيت):

- جرت عمليات خطف متعدّدة في الأشهر الأولى من هذه السنة (2007).

- سياح أوروبيّون قُتلوا في مدينة قرطاجنّة.

- يُنصح بشدّة بعدم زيارة كولومبيا ما عدا جُزُر سان أندريه وبروفيدانسيا.

- أقصى الحذر ينبغي في زيارة مدينة قرطاجنّة، حيث عددٌ من رعاة حقوق الإنسان قُتلوا.

- يمكن الانتقال في المدن الكبرى، بوغوتا (العاصمة) كالي وميدين (حيث سينعقد المهرجان الشعري) لأسباب قاهرة. ذلك أنّه سُجّلت 23 حالة خطف في بوغوتا منذ بداية هذه السنة.

- 17277 خطف على 42 مليوناً من السكان، وهي النسبة الأكثر ارتفاعاً في أميركا الجنوبية.

- عدا الحركات المسلّحة المعارضة، هناك شبكات تهريب المخدّرات التي من ضمن عملها «الاضطرار» إلى الخطف والقتل.

- الأخطار الأكثر شيوعاً هي: الخطف السريع أثناء عمليات سحب النقود من الآلات الأوتوماتيكيّة، وحواجز طيّارة على الطرقات لغاية السلب، وفي المدن انتزاع «جزادين» النساء والهواتف النقالة والباسبورات والمجوهرات.

- التخدير بواسطة محلول مركّب ومن ثمّ السلب.

- الهجوم بالسلاح الأبيض عند إشارات السير الحمراء.

- ينبغي تجنّب أي تنقّل بين مدينة ومدينة، خصوصاً في الليل، ويُنصح باستعمال الطائرة.

- عدم مقاومة أي اعتداء بالسلاح الأبيض.

وفي سلسلة النصائح الأخرى:

- عدم الانتقال وحيداً.

- لا تأخذ إلا الراديو تاكسي، ولا تأخذ أبداً تاكسي الشارع.

- لا تحمل أشياء ذات قيمة (حليّ، كاميرات تصوير إلخ...).

- إحمل دائماً نسخة عن أوراقك الثبوتيّة.

- لا يغادر نظرك حقائبك.

- في المقاهي والمطاعم لا تترك طعامك أو شرابك من دون حراسة.

- لا تركن سيارتك في أماكن معزولة أو غير محروسة.

- أقصد المصارف الموجودة في وسط المدينة وفي الأماكن المكتظّة، ولا تستعمل الموزّع الآلي للنقود إلا في وضح النهار.

- الشيكات السياحيّة غير مقبولة في كولومبيا.

- كولومبيا بلدٌ تحدث فيه، دورياً، الزلازل والهزات الأرضيّة وتنفجر البراكين الناشطة. عليك أن تطلب الإرشادات: كيف تتصرّف أثناء الزلازل والهزّات وانفجار البراكين.

هذا على ذمّة الفرنسيين، وقد يحتوي على بعض المبالغة. ولكنْ كل هذه الأسباب «المشجّعة» على الذهاب أضحت شبه عادية عندنا، من لبنان حتى العراق، إلى أي مكان آخر. إذْ العالم يتحوّل إلى حالةٍ أمنية بكل أسف.

يبقى أنّ النظام الكولومبي «حليفٌ» للولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه للنظام الفنزويلي (تشافيز) بحكم المصلحة الاقتصادية المشتركة. ولكن إذا أردت مقاطعة حلفاء الولايات المتحدة أو أصدقائها، فإنّك لن تذهب إلى أيّ مكان. إننا في مناخ تفاوضي مع أميركا، ولا يوجد عداء مطلق في السياسة. أمّا في الدائرة الثقافية، وفي دائرة الفنّ – الشعر من هذه الدائرة، فلا بدّ من التفاعل واستكشاف السلبي من الإيجابي.

يبقى أنّك سوف تركب الطائرة لفترة 16 ساعة (بيروت – باريس – كولومبيا) مسافة 18 ألف كلم، ذهاباً وإياباً، مما يُلزمك (إذا أصررت على الذهاب) باستعمال الحزام الطبّي «للديسك»، وإلاّ ستصل إلى المستشفى وليس إلى مهرجان الشعر. آه أيها الشعر!

تعليقات: