جنود الرب
يتكاثر في الآونة الحديث عن الأمن الذاتي، وخصوصاً في المناطق المسيحية، مترافقاً مع بروز مبادرة "عيون #الأشرفية" التي أنشئت في الأشرفية بإشراف من النائب نديم الجميل، وأتى الإشكال الذي حدث السبت الماضي عقب فوز المغرب في ربع نهائي كأس العالم ليعيد الحديث عن الأمن الذاتي وربط الحادث بالمبادرة، فيما ذهب البعض بعيداً وربطه بظاهرة "#جنود الرب"، التي تتخذ من الأشرفية مقراً أساسياً لها.
بات من المحسوم أن لا رابط يجمع بين الأحزاب المسيحية الفاعلة في المناطق المسيحية ومنظمة "جنود الرب" التي تضمّ مجموعة من الشبان المسيحيين المتديّنين كما يعرّفون عن أنفسهم، يتلقون دروساً دينية مكثفة ويمارسون الرياضة الروحية عبر جماعات منظمة.
هذه الجماعة التي تنطلق من الدين أساساً لحركتها، بدأت تمارس مهامها على الأرض تحت ستار حماية المناطق الموجودين فيها من أي اعتداء والمقصود هنا، من الطوائف الأخرى، ومنذ مدة قصيرة بدأوا عبر قناة مخصّصة لهم على يوتوب استعراض نشاطاتهم وعضلاتهم وخصوصاً أن نواتهم الأساسية تعتمد على ضخامة الجسد ووهرة الطلة واللحية الطويلة والصلبان الكبيرة المتدلية من الرقبة، ومرافقة الترانيم الدينية لجميع نشاطاتهم.
يرفضون الظهور على الإعلام إلّا نادراً ولا يعطون أيّ معلومة عن تنظيمهم وعددهم ومخططاتهم، آخر "ظهوراتهم" كان عند تكسير لافتة تحمل شعاراً للمثليين في الأشرفية، بالإضافة الى محاولة منع معرض للفنانة التشكيلية ميرنا معلوف بعد عرضها مجسّمات لتماثيل نسائية ملوّنة في ساحة ساسين في الأشرفية، كما ظهروا من جديد ليلة انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون عبر مسيرات سيّارة في الأشرفية على الرغم من التزام جميع الأطراف بعدم الاحتفال أو إبداء أي مظاهر.
لم يظهر السلاح في أيّ من تحرّكات الجنود حتى إنه لا زيّ موحّداً لهم، ولو أنهم يختارون الثياب السوداء، لكن اللافت في الأشهر الأخيرة هو عدم اقتصار هذه الظاهرة على الأشرفية التي انطلقت فيها بل بات لهم وجود في زحلة وجل الديب وبرج حمود، لكنها بقيت محدودة وغير كبيرة.
بعد حادثة الأشرفية، حاول بعض "المتحمّسين" إضفاء صفة البطولة على هذه المجموعة، بينما في الواقع وبحسب عدد كبير من الشبان الذين كانوا حاضرين أثناء الإشكال، لم يكن لهم دور فعلي، ولم يكونوا موجودين وإن أتى جزء منهم لاحقاً، بعدما انتهى الإشكال وهو في الأصل لم يستمرّ طويلاً.
تتنصّل جميع الجهات السياسية والاقتصادية من إعلان دعمها لهذه الظاهرة، حتى من تُسمّى عليه أي رئيس مجلس إدارة مصرف "سوسييتيه جنرال" أنطون الصحناوي ينكر مكتبه بشدة أن تكون هذه المجموعات مموّلة منه، وإن لم ينكر المكتب أن يكون بعض هؤلاء يعملون في مؤسسات تابعة لهم "فمؤسساتنا لديها عدد كبير من الموظفين وينتمون سياسياً الى جميع الأحزاب والقوى اللبنانية، ولا نتدخل في الميول السياسية أو الدينية للموظفين".
لكن في الجهة المقابلة لا تخوّف من امتداد الظاهرة وتوسّعها، أو تحوّلها الى ميليشيا مسلحة، فالبيئة المسيحية أو المناطق التي بأغلبها يقطنها سكان مسيحيون لن تتقبّل شرطة آداب مسيحية بتسميات جديدة وغطاء ديني، وهي بطبيعتها ترفض هذه الأنواع، كما أن الجيل الجديد بمختلف انتماءاته لم تعد تستهويه فكرة الميليشيات وإن نادت بها بعض الأصوات، فهي ستبقى محدودة ولا تشكل أي خطورة، لا بل هي بعكس ما يحاول البعض إشاعته أن هذه الظاهرة تكبر، ستحارَب ويُطرد أفرادها ويصبحون منبوذين من بيئتهم قبل البيئات الأخرى، ولن يبقى منهم سوى بعض المرنّمين، وبعض مفتولي العضلات لا قيمة لهم.
ولكن في المقابل بدا لافتاً، قبول فكرة الحماية الأمنية أو ما يسمّيه أحد النواب ظاهرة الحراسة، بعد التفلت الذي يجري في المناطق وازدياد عمليات السرقات، وهي بدأت تنتشر في أكثر من منطقة تحت مسمّيات مختلفة، ففي بعض البلديات هناك زيادة كبيرة في عدد الحراس الليليين، وأحياناً بتمويل مستقل عن الإدارة الرسمية، و في بلدات أخرى من شبّان الأحياء، وبرعايات مختلفة وإن كانت الأحزاب هنا غير بعيدة عن هذا الأمر إلّا أنها ليست الوحيدة، بل هناك تداخل بينها وبين الميسورين ورجال الأعمال والتجار والسكان، وهي ما زالت متفرقة وغير مترابطة بعضها مع بعض، وهي لا تشكل عامل قلق أقله في هذه المرحلة وخصوصاً أنها مرتبطة بالوضع الاقتصادي والتراجع الأمني، كما أنه لا تسليح بالمطلق ولا قرارات بذلك، وجلّ ما يُعمل عليه حتى الساعة هو إرساء حالة من الهدوء النفسي للناس، والتواصل مع القوى الأمنية في حال حدوث أي طارئ، ويوم عودة التحسّن الى الوضع الاقتصادي وعودة التشدّد الأمني ولو قليلاً لن يبقى أحد يتمشى في شارعه ليلاً.
تعليقات: