من بين الموقوفين في بعبدا موظفين كبار في الدائرة العقارية (جورج فرح)
قد تكون التوقيفات التي حصلت في دائرة عقارية بعبدا أتت في خضم الخلافات السياسية الحاصلة بين التيار العوني والحزب التقدمي الاشتراكي، خصوصاً أن القضية بدأت في إطار المناوشات بين النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، على خلفية نقل الأخير ملكية 500 عقار إلى نجله تيمور جنبلاط، في وقت كانت الدوائر العقارية مقفلة أمام المواطنين. لكن المسار الذي سلكته التحقيقات، والتوقيفات التي حصلت، قد تؤدي إلى فتح مغارة الدوائر العقارية في لبنان، بكل ملفاتها الشائكة والمزمنة، منذ زمن بعيد. فلا تلقي الرشاوى من المواطنين بجديد في الدوائر العقارية، ولا السطو على أملاك الدولة أيضاً.
توقيفات بالجملة
في التفاصيل، بدأت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي التحقيقات في ملف عقارية بعبدا منذ أكثر من شهر، من خلال مخبرين قاموا بتصوير كل الوقائع التي تحصل في الدائرة، وكيفية عمل السماسرة والموظفين هناك، وبدأت التوقيفات. ونتيجة تحقيقات المحامي العام القاضي سامر ليشع، تم توقيف العديد من الموظفين ومعقبي معاملات، اعترفوا بتقاضي رشاوى.
مصادر مطلعة على الملف أكدت لـ"المدن" أن الرشاوى في بعبدا وصلت إلى حدود غير معقولة. فحتى الإفادة العقارية وصل ثمنها إلى نحو ألف دولار، فضلاً عن أن السماسرة كانوا يبيعون الطابع المالي بقيمة خمسة آلاف ليرة، بأكثر من مئة ألف ليرة. وهذا الأمر يسري على كل الدوائر العقارية. ما سيتوجب فتح مغاراتها كما حصل في بعبدا.
مشاعات الدولة
وتضيف المصادر أن ليشع بدأ بالادعاء على الموقفين، وأحالهم تباعاً أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور. وقد أحيل حتى مساء أمس سبعة موظفين وخمسة معقبي معاملات. لكن ثمة تكتم شديد في هذا الملف، فحتى الكاتب داخل مكتبه لا يعرف ماذا يوجد فيه. فيصل الملف ويسجل في القلم ولا يعرف حتى الكتبة ماذا يوجد فيه. بما يشبه التحقيقات التي اعتمدت خلال توقيفات النافعة منذ نحو شهر.
والتكتم على الملف، كما تقول المصادر، مرده ليس وجود رشاوى وسمسرات من هنا وهناك. ففي كل الدوائر العقارية، ومختلف الإدارات، توجد هذه التجاوزات. لا بل هي مزمنة وعمرها عشرات السنوات. بالتالي تقدر المصادر، أن المسألة تتعدى تلقي الرشاوى، إلى مشاعات الدولة. أي أن ملف بعبدا يفتح الباب على ملف مزمن وشائك ويطال كل الأحزاب في قضية السطو على مشاعات الدولة في كل أمانات السجل العقاري في لبنان.
وما يزيد التكتم الشديد حول موضوع التحقيقات في عقارية بعبدا أيضاً، أن من بين الموقوفين موظفين كبار منهم ن.ش. وسط امتعاض شديد من قوى حزبية ولا سيما الثنائي الشيعي. وبالتالي قد تستخدم القوى الحزبية الضغوط المعتادة لعدم الاستمرار بهذا الملف، الذي من شأنه فتح كل ملفات العقارية في لبنان، كما أكدت المصادر.
ملف النافعة
وتشبه المصادر التحقيقات بعقارية بعبدا بتلك التي حصلت في النافعة منذ شهر لناحية جدية التحقيقات للوصول إلى خواتيم مرجوة.
وفي التفاصيل، وبعد إحالة المتهمين بملف النافعة إلى القاضي منصور، وتقديم محامي مدير عام هيئة إدارة السير هدى سلوم الدفوع الشكلية، اعتبر منصور أن التحقيق الذي أجرته المحامي العام القاضي نازك الخطيب يعتريه عيب في الشكل. لكنه قبل بمضمون التحقيق للإبقاء عليها موقوفة.
وتقول المصادر أن منصور وجد عيباً بالشكل، لأن تحقيق الخطيب كان من دون كاتب محضر أولاً وليس فيه اختصاص مكاني ثانياً. لذا أبطل منصور هذه الإجراءات فقط وقبل مضمون التحقيق مع سلوم. أي أنه أبطل الإجراءات بالشكل وقبل كل الحيثيات التي وردت في التحقيق. وقد استخدم سلطته كقاضي تحقيق للاستمرار بالتحقيقات. غير ذلك كان يمكن أن يحال الملف إلى محكمة الأساس ويرد بالشكل بسبب هذه الأخطاء التي حصلت في التحقيق الأولي.
وتضيف المصادر أن منصور في المقابل أصدر مذكرة توقيف وجاهية بحق سلوم. فقد اعتبر أن ما ورد في التحقيق من وقائع يشكل جرماً، بمعزل عن الأخطاء في شكل التحقيق معها أمام القاضي الخطيب. وبالتالي، وبصفته كقاضي تحقيق سيعيد التحقيقات من جديد للتوصل إلى نتيجة.
ووفق المصادر، ملف العقارية يشبه ملف النافعة، سواء للفساد المستشري، جراء سيطرة الأحزاب على الإدارات، أو لناحية الرشاوى والسطو على المال.
تعليقات: