من فتحة عند سطح السجن هرب السجناء (المدن)
تنشغل مختلف القطعات الأمنية في البقاع، منذ فجر يوم الاثنين، بقضية فرار 26 نزيلاً من سجن جب جنين بالبقاع الغربي، كانوا محبوسين في زنزانة واحدة، تضم إلى جانبهم خمسة موقوفين آخرين أحبطت عملية فرارهم مع زملائهم. وفيما ذكرت المعلومات الأمنية أن سبعة من الفارين ألقي القبض عليهم مجدداً، ذكرت معلومات أخرى أن معظم من أوقفوا هم من الجنسية السورية. فيما استبعدت المصادر أن يكون من بينهم الرؤوس المدبرة لعملية الفرار، والتي شملت -وفقاً لمصادر قضائية- موقوفين يحاكمون بملفات جنائية خطيرة، وبعضهم من منطقة بريتال وحور تعلا، وأحدهم من مدينة زحلة، وهو موقوف في جريمة قتل هزّت الرأي العام الزحلي قبل نحو سبع سنوات، لما للجريمة من ارتباط بكشف اختلاسات مالية من داخل أحد أبرز مستشفيات المدينة، التي كان الضحية يعمل فيها محاسباً.
بيد القضاء العسكري
وفقاً للمعلومات، فإن التحقيقات القضائية في فرار سجناء جب جنين هي بيد القضاء العسكري، الذي يتوسع بتحقيقاته مع القيمين على أمن الحبس والقيادة الأمنية التي يتبع لها. وقد صودرت من داخل زنزانة الهروب المعدّات التي استخدمت لنشر منافذ حديدية قادت الفّارين إلى سطح السجن، حيث ظهرت أيضاً أثار قطع لشباك الحماية الحديدية. وهو ما يظهر إما تقصير أو تواطؤ بإدخال هذه المعدات، وبالتالي التواطؤ مع أشخاص من خارج السجن لتأمين عملية الفرار.
ويأتي فرار المسجونين من حبس جب جنين بعد أسابيع قليلة على عملية الفرار الكبيرة للمتمول اللبناني المغترب خالد المجذوب، الذي كان يفترض أن ينقل بعد تعافيه صحياً إلى هذا السجن أيضاً، إلا أنه هرب من المستشفى إلى البرازيل. كما أنها تتزامن مع تكرر لعمليات فرار مشابهة في مختلف الأراضي اللبنانية. وهو ما يعكس تمدد الإنحلال الذي يعانيه لبنان في مختلف مؤسساته، إلى المؤسسات القضائية والأمنية. وقد ظهرت هذه المؤسسات إما في حالة تواطؤ، أو في حالة تراخ ولامبالاة، وما يسميه كبار القادة الأمنيين والمسؤولين الإداريين والقضاة بـ"القرف". لتترك تداعياتها على حياة اللبنانيين عموماً، الذين باتوا يقلقون من هذه الخروقات المتكررة في الجسم الأمني والقضائي، ومن انعكاساته على سلامتهم وأمنهم الشخصي.
اكتظاظ السجون
وخطورة تكرار مثل عمليات الفرار هذه، هي فيما تخلفه من انطباعات حول افتقاد للعدالة وتطبيقها على مختلف المستويات. ففي سجن جب جنين تحديداً يكتظ السجناء بعدد قليل من الزنزانات، التي لا تتسع لأكثر من أربعين سجيناً، بينما تشير مصادر متابعة إلى أن عدد الموقوفين فيها يفوق المئة، ويحشرون في الطابق السفلي لمبنى المحافظة، التي تضم مختلف القطعات الأمنية، إلى جانب الدوائر الرسمية ومن بينها قائمقامية جب جنين. علماً أن جزءاً كبيراً من السجناء موقوف منذ سنوات من دون محاكمة، ليأتي اعتكاف القضاء مؤخراً ويزيد الطين بلّة.
هذا الواقع السيء أوقع الأجهزة الأمنية منذ فترة، وفقاً للمصادر، تحت ضغوط هائلة في تأمين إدارة السجون والنظارات، بظل ظروف سيئة جداً تعانيها القطعات الأمنية، سواء من ناحية عديدها، أو من الناحية المادية واللوجستية. ما يضعها أقله وفقاً لحكم الرأي العام، في دائرة الاتهام إما بالتواطؤ أو بالتكاسل. علماً أنه في سجن جب جنين هناك 16 عنصراً فقط مفروزين لحراسة السجن. وتُقسم دوامات هؤلاء على أكثر من مناوبة ليلية ونهارية، مما يجعل عدد العناصر المفروزين في كل مناوبة لا يتجاوز الخمسة إلى ستة عناصر كحد أقصى.
البحث عن الأمن والعدالة
ويأتي هذا الواقع في ظل تدخلات وضغوط تعزز واقع بعض الموقوفين، لتميّز بين سجناء محظوظين وآخرين مظلومين. ويعتبر من ينقل إلى سجن جب جنين تحديداً محظياً، خصوصاً أنه من السجون التي لا ينقل إليه عادة السجناء الخطيرين، وهو ما يطرح السؤال حول الأسباب والجهات التي ضغطت لنقل بعض هؤلاء السجناء الخطيرين الذين نجحوا بالفرار صباح اليوم.
وهذا السؤال طرحته تحديداً عائلة المغدور زياد قاصوف، التي فتحت جروحها مجدداً، مع تسريب إسم ي.ع. المتهم بقتل إبنها. فسارعت لشن حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتطالب الأجهزة الأمنية والقضائية ببذل أقصى جهودها لإعادة قاتل إبنها الى السجن مجدداً. علماً أن العائلة لم تتوقف يوماً عن حملتها المطالبة بتسريع عجلة القضاء، الذي على رغم احتجازه قاتل اعترف بجريمته ومثلها، لم يصدر أي حكم فيه حتى الآن، مع أن الجريمة وقعت منذ أكثر من سبع سنوات. هذا في وقت لم تعقد المحكمة أي جلسة حتى للاستماع إلى القاتل والشهود منذ بدء جائحة كورونا. وموقف عائلة قاصوف من القضاء لا بد أنه يتشابه مع مواقف عائلات ضحايا آخرين يفتقدون للشعور بالعدالة في قضاياهم. ما يعزز الانطباعات حول غياب هذه العدالة، ويعزز بالتالي النزعة لانتزاع الحقوق بالأيدي طالما أن لا ضمانات بانتظام المحاكمات وعدالتها بالنسبة للمرتكبين ولا ضمانات حتى بعدم فرار المتهمين بالجرائم من سجنهم.
تعليقات: