ماذا يمنع من استعادة الأموال المسحوبة باستنسابية من المصارف إلى الخارج؟


في زوبعة البحث عن سبل النهوض من ورطة الإفلاس المإلى التي جرّت البلادَ إلىها السلطات السياسية المتعاقبة، يبقى مصير استرداد #الأموال المسحوبة إلى الخارج بعد 17 تشرين الأول 2019 في دائرة الغموض حيناً، و"الممايعة" أحياناً، إلى جانب الاجتهادات القانونية - طبعاً - وسواها من المواقف المدافعة...

في الواقع، إن تحويل الأموال إلى الخارج يسمح به القانون، ولكن اعتماد الاستنسابية في التحويل من قبل بعض إدارات المصارف تحت ضغوط سياسية أو غيرها لصالح زعماء سياسيين ونافذين ومقربّين...يخرج عن إطار التشريعات القانونية والآداب الأخلاقية بشكل فاضح ليصبّ في الزبائنيّة.

والصّمت المخيّم حول هذا الموضوع يرفع من وتيرة النقمة العارمة على القطاع المصرفيّ الذي يحجز أموال المودعين بذريعة تمويل الدولة.

بالرّغم من التبريرات وتحميل المسؤوليات للدولة التي هدرت محفظة #مصرف لبنان والمصارف والمودعين، فإن إعفاء "المركزي" والقطاع لا يدخل أبداً في خانة المساواة والعدالة الإنسانية والاجتماعية بسبب الممارسات غير المبرّرة، التي تطبّقها مصارف عديدة لجهة قيمة التحاويل، والسحوبات بالليرة وعلى صيرفة التي تتحكّم بأوقات فتحها وإغلاقها مزاجية بعض الموظفين لصالحهم والمقربيّن منهم على حساب زبائن آخرين بدون حسيب ورقيب.

رغم قناعتنا أن المحافظة على سلامة القطاع المصرفي ركن اساسي في ورشة النهوض الاقتصادي وبند مميّز في أي خطة تعافي سليمة وذكّية، ما زلنا في رحلة البحث الطويلة عنها. ولكن السؤال المطروح هو أنه في ظل الاسترخاء في ضبط المخالفات كيف سيكون السبيل إلى معركة استرداد الأموال المهرّبة والمسحوبة بعد 17 تشرين الاول 2019؟

مهما اتسعت رقعة الاجتهادات القانونية، لقد أتت على حساب حقوق المودعين والتوازن المصرفي، الذي لم يتفلّت من الخسائر التي نتجت عن التحاويل والسحوبات إلى الخارج .

وفي غضون ذلك، إضافة إلى الخلل الفادح في معياري المساواة والعدالة في التعامل مع المودعين، يطرح بعض الودائع المسحوبة إلى الخارج، سؤالًا حول مقدار نظافتها، في ظل بعض الشكوك حول مصادرها.

وفق رأي الرئيسة التنفيذية لمؤسسة Juriscale الدكتورة سابين الكيك "ان موضوع استعادة الأموال المهرّبة أخذ حيزاً شعبياً في الخطاب السياسي أبعد من حجمه الحقيقي وأكثر من النتائج المرجوة منه. فمع القانون أو بدونه، لا شيء يمنعنا في القانون اللبناني من استعادة الأموال من الخارج، ولكن شرط إثبات ذلك وبحكم قضائي مبرم يعترف بأن مصدرها هو غير شرعي. توصيف المشكلة يقضي بإجراء التصنيف، واما استعادة الأموال المهرّبة فهي تخضع لقانون الدولة المُراد استرداد الأموال منها. فمثلاً، اذا أخذنا سويسرا كبلد لوجهة ايداع هذه الأموال علينا مراجعة المعايير والإجراءات المطبّقة فيه.

في المبدأ، قضية استرداد الأموال في البلدان التي تكون فيها السلطة حاكمة، حيث الديكتاتورية مسيطرة تتطلب حدوث انقلاب ما؛ بمعنى آخر الجهة التي تُطالب باسترجاع الأموال يجب ان تكون غير الجهة التي هرّبت الأموال.

الدول التي نجحت في عملية استرداد الأموال شهدت انقلابات سياسية، تغيّرت على إثرها السلطات المتهمة بالفساد."

وتقول الكيك لـ"النهار": "في لبنان، حتى إلىوم لم يصدر أي حكم مُبرم أو غير مُبرم بدعوى فساد استعمال الأموال العامة. لا يجب إغفال ان الدولة التي يُطلب منها تطبيق أي قرار قضائي لديها اجراءات خاصة بها. ويجب اولاً: التأكّد من مسار الملاحقة القضائية خصوصاً وأنها لا تستطيع ضرب انظمتها المإلىة والمصرفية بإشارة من الشعب اللبناني ومجلس النواب اللبناني، لأنها خاضعة للاتفاقيات والعلاقات الدولية.

ثانياً: في حال تمّت استعادة الأموال فهي لن تدخل إلى خزينة الدولة. في معظم الدول التي نجحت فيها هذه العملية في ظل أنظمة حاكمة لم تكن هذه الأموال نقداً، ولكن هناك حرص على أن تُسترجع هذه الأموال، وبموجب اتفاقيات على شكل مشاريع انمائية مستدامة، وبالتإلى، يتم التنسيق في مراقبة توظيفها مع منظمات ومؤسسات غير حكومية دولية ومحلية.

وهنا نتحدّث عن حالات عامة في مجال استعادة الأموال الذي هو صعب التطبيق في لبنان حيث يجب النظر إلى حالات محددة، ما يعني اثبات التهمة على الأفراد، وبالتإلى، الحصول على حكم ُمبرم يُطلب تنفيذه.

سوى ذلك، مهما صدر من قوانين في لبنان، فلن تسلك الطريق الصحيح. في الواقع، كل القوانين الموجودة تساعد على استعادة الأموال والمحاسبة، ولكن العبرة ليست بالنصوص وانما بالتنفيذ."

هذا ينطبق على الأموال المنهوبة أو المتأتية عن جرائم الفساد التي تطرّق إلىها مشروع قانون إعادة التوازن للنظام المإلى في لبنان في القسم الاول المتعلق بإعادة رسملة مصرف لبنان وقد خلص إلى انه "بغية حماية حقوق المودعين تقوم الدولة بالمشاركة إلى اقصى حدّ ممكن في استعادة الملاءة المإلىة لمصرف لبنان بالعملة الصعبة وذلك عن طريق:1- إعادة رسملة مصرف لبنان بمليارين ونصف مليار دولار أميركي من خلال سندات مإلىة و/أو وسيلة أخرى يتم تحديدها بموجب مراسيم تُتخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير المالية .2- اتخاذ ما يلزم في سبيل استعادة الأموال المتأتية من جرائم الفساد وفقاً للقوانين النافذة سيما القانون رقم 214 تاريخ 8/4/ 2021(قانون استعادة الأموال من جرائم الفساد)."

أمّا ماذا عن الأموال المسحوبة من المصارف بعد 17 تشرين الاول 2019؟ وما هو حجمها؟

بالنسبة للخبير المإلى والمصرفي الدكتور نيكولا شيخاني "ان قيمة الأموال التي خرجت من لبنان بعد 17 تشرين الاول مقدرّة ما بين 6 و 8 مليارات دولار، محدداً ان هذه العملية تمت بطريقة استنسابية".

ويقول "للنهار": "هذا الأمر ساهم بتدمير الاقتصاد إلى حد ما، سيما وان الناتج المحلي الذي بلغ 18 مليار دولار قد خرج منه ما نسبته 50%، مما يسرّع الانهيار الاقتصادي مرتين و3 مرات أكثر، لو لم يحصل ذلك لكانت الـ8 مليارات دولار ساعدت في التعافي الاقتصادي، علماً ان من نجح في إخراج أمواله يملك الحق القانوني والتقني وليس الوطني والاستنسابي الذي مارسته المصارف، خصوصاً وأنها خالفت مبدأ المساواة بين المواطنين التي ينصّ عليها الدستور اللبناني.

كما أنه لو لم يتم إخراج هذه المبالغ من المصارف لتمكنّت هذه الأخيرة من المحافظة على السيولة الكافية للإيفاء بالتزاماتها تجاه المودعين، وساعدتهم على تحسين نوعية حياتهم من جهة، ومن جهة أخرى، حافظت على ثقتهم بالقطاع المصرفي برمته، التي هي مفقودة إلىوم للأسف، والتي تنعكس على الوضع الاقتصادي ككل".

ويعتبر "ان المصارف تحاول إلىوم بواسطة المادة 12 من مشروع قانون الكابيتال كونترول المطروح التنصّل من مسؤولياتها في عملية هدر الودائع. والسؤال هنا، اذا كانت حقاً تريد ردّ أموال المودعين فكيف تطالب بالإعفاء مما حصل؟

نحن في بلد اقتصاده حرّ، لا وجود فيه لقوانين ملزمة بردّ أموال المودعين التي خرجت منه. ولكن في هذا السياق، هناك مسألة السيولة والملاءة في المصارف الخاضعة للقوانين، والتي تتطلّب اتخاذ القرار المناسب. لذا من الملّح، الإسراع في وضع خطة جماعية بين الدولة و"المركزي" والمصارف تعالج مشكلة ردّ أموال المودعين التي هي في المصارف بعد الاعتراف بالخسائر."

مصادر مصرفية تؤكد "أن حاكم مصرف لبنان كان على إطلاع على كل أرقام التحاويل إلى الخارج، التي تمّت وما زالت سارية لغاية إلىوم. وصلاحياته تسمح له بمعرفة حجم المبالغ الخارجة من النظام المصرفي وكيفية توزيعها سواء تم تحويلها لحسابات في الخارج، أو كانت بهدف تسديد التسليفات، أو سحبت للادخار داخل المنازل.

كما أن التعميم 154 الذي يُجرّم المصارف التي تعجز عن حثّ عملائها، على استعادة نسبة تتراوح بين 15 و30 في المئة من المبالغ التي تفوق 500 ألف دولار الخارجة بعد العام 2017 لم يفضي إلى النتائج المرجوة ".

صحيح، انه ما من قانون يُلزم اصحاب الودائع التي خرجت بردّها إلى الحسابات المصرفية في لبنان، الا ان البديل يتوّقف على الأداء المصرفي وفي الليونة التي سيقدمها تجاه المودعين مع حوافز في رفع سقف السحوبات والتحاويل، والأهم الإفراج عن الودائع الكفيل باستعادة الثقة بنظامه.

في المحصّلة، يصّح القول في نهاية العام 2022، إن "كل التعاميم والقوانين لم يتم احترامها، وذلك بغطاء سياسي، لتبقى الفوضى النقدية وقاعدة الاستنسابية سيّدة الموقف إلى آجل غير معروف!".

تعليقات: