بيعُ مواقف في البحر: أزمة المراكب بين الصيد والسياحة

تنافس المراكب الخاصة مراكب الصيادين على المساحات القليلة في المرفأ (علي علوش)
تنافس المراكب الخاصة مراكب الصيادين على المساحات القليلة في المرفأ (علي علوش)


تتلوَّن هوية مرفأ صيادي الأسماك في مدينة صور، إذ تختلط مراكب الصيادين مع المراكب المخصصة للنزهة العمومية والمراكب الخاصة. لا منافسة بين الأطراف الثلاث، فلكلّ طرف دوره الذي لا يتعارض مع الآخر. لكن المكان الضيِّق، يوجِبُ المزاحمة والاحتكاك. فتبدأ الأزمات.

هو حال أغلب المرافىء اللبنانية وإن اختلفت بعض الأوجُه. فبين صور وصيدا، على سبيل المثال، تمايُزٌ بسيط تفرضه طبيعة التقسيم الجغرافي لمرفأ صيدا، إلا أن تلك الجغرافيا لا تقوى على حلّ المشكلة بشكل كامل.


الصوت ينطلق من صور

بحكم وصايتها على المرافىء، رفعت وزارة الأشغال والنقل الرسوم على المراكب السياحية إلى مليون ليرة سنوياً عن كل متر، للمراكب التي لا يتجاوز عرضها 3 أمتار. أما المراكب التي يزيد عرضها عن 3 أمتار، فيدفع صاحبها سنوياً، مليون ونصف المليون ليرة عن كل متر.

احتَجَّ بعض أصحاب المراكب، وعَلَت الأصوات في مدينة صور عبر وقفة احتجاجية أمام الميناء، لمطالبة وزير الأشغال والنقل علي حمية بـ"إيجاد حلّ". ويبقى الخيار الأنسب بالنسبة للمعتصمين، هو "الخطوات التصعيدية من أجل إلغاء القرار التعسّفي المتَّخَذ في ظل الغلاء وارتفاع الدولار وانهيار الليرة". وأشار المعتصمون إلى أنهم حوَّلوا مراكبهم للرحلات بفعل "انقراض الأسماك وعدم كفاية ما تحصّله مهنة الصيد".

الاعتراض المبنيّ على السعر المرتفع، لم يُقنِع الصيّادين الذين وقفوا جانباً ينظرون إلى جيرانهم المعتصمين. وينبع عدم الاقتناع من "ضرورة دفع الرسوم للدولة، وفق طبيعة العمل وحجم الدخل"، على ما يقوله أحد الصيادين لـ"المدن".

وبرأيه، أن أصحاب المراكب السياحية "يستوفون الأجرة من الزبائن بما يتناسب مع نسبة الغلاء في السوق، وأحياناً تُدفَع الأجرة بالدولار، ومن الطبيعي أن يدفعوا رسوماً أعلى للدولة".

غير أن أصحاب المراكب السياحية، يبرّرون اعتراضهم بأنهم يعملون "ثلاثة أشهر في السنة، أي في فصل الصيف، وليس على مدار العام. وبالتالي، الرسوم المفروضة سنوياً، تصبح مفروضة على 3 أشهر وليس 12 شهراً. وبهذه الحالة يصبح المبلغ ثقيلاً".


الميناء للصيادين

تُقيِّم مصادر في مرفأ صور المسألة من زاوية مختلفة عمّا تبدو عليه في الظاهر. لأن "جوهر الأزمة ليس دفع مبلغ مالي، ينقص أو يزيد عمّا تقرّره الوزارة، وينتهي الأمر".

وتنطلق المصادر من أن "المرفأ هو مرفأ صيد، وفيه مساحة ضئيلة لا تكفي لركن مراكب جميع الصيادين. ويُفتَرَض أن تبقى مساحة إضافية لمَن يرغب في امتهان الصيد مستقبلاً. فبالنسبة إلينا كصيادين، يهمّنا تفعيل هذه المهنة الآخذة بالتدهوُر، وهذا بحث يطول السرد فيه".

وبما أن المساحة غير كافية، "يُنافس أصحاب مراكب السياحة الصيادين على أماكن ركن المراكب. وإن كان بعض هؤلاء يحتفظ بمكانه بعد تحوُّله من مهنة الصيد إلى السياحة، فإن أغلب المراكب الأخرى، بلا موقف. ولا يمكن تخصيص المواقف لأن المرفأ يتبع لوزارة الأشغال والنقل. وبغياب التنظيم، تعمُّ الفوضى".

وبعض أصحاب تلك المراكب "غير لبنانيين. وقسم آخر يؤجِّر مراكبه وهو خارج البلاد. أي أن المستفيد ليس موجوداً في الميناء وليس بصيادٍ".

وبما أنّهم لا يملكون صلاحية مَنع أحد من النزول إلى المرفأ، لا يضع الصيادون أنفسهم طرفاً في مواجهة أصحاب المراكب السياحية، وبالتالي، لم يشاركوا في الاعتصام. وفي الوقت عينه "لا يمكننا الوقوف ضد مصلحة الدولة"، تقول المصادر التي تؤكّد أنه "في كل دول العالم، يدفع أصحاب المراكب السياحية رسوماً للدولة، تفوق رسوم صيادي الأسماك. والرسوم تذهب إلى الخزينة العامة، ولا يمكننا الوقوف ضدّها. على أن الحل يبقى في يد وزارة الأشغال والنقل".


بَيع المساحات

في الأصل، يحتاج أي شخص يريد الركن في المرفأ، إلى موافقة وزارة الأشغال وإدارة المرفأ. يستحصل أصحاب المراكب السياحية على الموافقات المطلوبة وينزلون إلى الميناء، وتبدأ المزاحمة على أماكن ربط المراكب".

في ظل غياب الوزارة، يسري قانون الأمر الواقع الذي ينصُّ على "الحصول على غطاء بعض المحتكرين الذين يسيطرون على بعض مرابط المراكب في الميناء، ويسمحون بالربط لمن تشمله حمايتهم. وبالطبع، الحماية تأتي بدفع المال. وأيضاً، هناك مَن يبيع المربط بمبالغ تصل إلى 4000 دولار، في حين أن ثمن المركب نحو 2000 دولار. والبيع ليس قانونياً، لكن الأمر الواقع يشرّعه".


بين صيدا وبيروت

تلويح أصحاب المراكب في صور بتوسيع رقعة الاحتجاجات إلى صيدا وبيروت، لم يكن موَفَّقاً. فالأصوات في صيدا والعاصمة متمايزة، رغم وحدة المعاناة من قِبَل الصيادين.

ففي صيدا، لا يجد أصحاب المراكب السياحية مانعاً من دفع الرسوم "مع أنها مرتفعة، وموسم السياحة لا يعوِّض تكاليف كامل السنة"، يقول أحد أصحاب المراكب لـ"المدن". ولا يجد صاحب المركب إشكالاً لناحية مزاحمة مراكب الصيادين "لأن طبيعة الميناء في صيدا سمحت بالمشاركة".

ويشرح نقيب الصيادين في صيدا نزيه سنبل، في حديث لـ"المدن"، أن الأزمة بين أصحاب مراكب الصيد ومراكب السياحة في صيدا، لديها ما يميّزها عن مدينة صور. "فالازدحام في مرفأ صيدا لا يأتي من مراكب السياحة التي نسمّيها المراكب العمومية، أي التي تقيم الرحلات للركّاب، بل من أصحاب المراكب الفردية. لأن المراكب العامة تركن في قسم خاص مقابل القلعة البحرية ولا تزاحم مراكب الصيادين".

المراكب السياحية الخاصة "تحصل على موافقة وزارة الأشغال ورئاسة المرفأ وتنزل إلى الميناء. علماً أن النزول يحتاج أيضاً إلى موافقة نقابة الصيادين، وهنا تحصل الأزمة. فبعض أصحاب تلك المراكب استحصل سابقاً على إذن النقابة، وبعضهم نزل إلى المرفأ بلا موافقة". ويشير سنبل إلى أن "أعداد المراكب تتزايد ولا مكان للصيادين. فالمرفأ يتّسع لنحو 30 مركباً، وفيه اليوم نحو 70 مركباً". أما الحسم "فبيد وزارة الأشغال التي عليها إبلاغ رئاسة المرفأ بقرارها، والرئاسة تبلّغ النقابة، إما أن تطلب إزالة المراكب أو تركها".

لا صِدام حالياً مع أصحاب المراكب السياحية، لأن "النقابة ترقّع المشكلة وتحلّها كيفما اتّفق. لكن ذلك ليس حلاًّ مستداماً". وبرأي النقيب، "الرسوم الجديدة التي تفرضها الوزارة، إنما تشرّع واقعاً مخالفاً. فدافع الرسوم سيقول للنقابة بأنه دفع للوزارة، وبالتالي، وجوده في المرفأ شرعي".

ويخفت الصوت كلّما اتجهت الأزمة نحو بيروت. ففي العاصمة لا وجود كثيفاً لمراكب النزهة كصور وصيدا. أما موانىء الصيد، فموزّعة طائفياً ومذهبياً بحكم التوزيع الجغرافي لأبناء المذاهب والطوائف. والقليل من الصيادين ينظّمون رحلات على متن مراكب الصيد، وهذا ما يحدُّ من توسّع السجال الحاصل في صور. وعليه، لا يخشى الصيادون في بيروت من "أي اعتصام أو إضراب يطال المرافىء". يقول أحد الصيادين.

ما يعارضه أصحاب المراكب السياحية، يجد أصداءً متأخِّرة من المديرية العامة للنقل البرّي والبحري، إذ يوضح المدير العام أحمد تامر، أن "الرسوم فرضت بقانون أقرّ في موازنة العام 2022، ولم يكن المقصود منه هذه الفئة من أصحاب المراكب، بل أصحاب المراكب الخاصة واليخوت". ويؤكّد تامر لـ"المدن"، أن أي تعديل "يحتاج إلى قانون"، ولذلك، يتم إعداد تعديل "سيرسل إلى وزارة المالية ليُدرَج في موازنة العام 2023 وسيتم إعفاء هذه الفئة من الرسوم، لأنهم مثل الصيادين يكسبون عيشهم من المركب، على عكس أصحاب اليخوت والمراكب الخاصة". ويضيف أنه "حصل خطأ في وضع الرسوم أصاب هذه الفئة، وسيتم تصحيح الخطأ".

تعليقات: