\"ألسنة طويلة\" و70 مليار.. \"خبريات لايت\" في طابور \"صيرفة\" الطويل

الزحمة امام احد فروع المصارف في البقاع
الزحمة امام احد فروع المصارف في البقاع


قبيل انتهاء العام، ومع وصول الدولار الأسود الى أرقام خيالية تجاوز فيها الـ47 ألف ليرة للدولار الواحد، خرج حاكم مصرف بتعميم جديد أتاح لجميع المواطنين تبديل ليراتهم اللبنانية الى دولار من دون سقوف على أساس منصّة صيرفة أي 38 ألف ليرة.


وبغضّ النظر عن الخطوة ونتائجها الاقتصادية وجديتها وتأثيرها على سوق القطع والصرف، فإنها شكلت متنفساً للكثير من الناس الذي يكتوون من ارتفاع الدولار وخصوصاً أن الفارق كبير بين سعر السوق ومنصة صيرفة، فتهافت الناس على مصارف للاستفادة من التعميم إلّا أن المفاجأة كانت بامتناع معظم المصارف عن تنفيذ التعميم، أقله قبل رأس السنة، وقبل أن يسبّب هذا الأمر إحباطاً ويعيد الدولار الى ارتفاعاته الكبيرة، أصدر الحاكم تعميماً أعلن فيه أن من يرفض مصرفه تنفيذ هذه العلمليات عليه التوجه الى بنك الموارد الذي وافق على فتح أبوابه أمام جميع المواطنين، ليس فقط زبائنه، وتنفيذ عملية الاستبدال بالدولار ومن دون سقوف.
هذا القرار دفع الناس الى التوجه بكثافة الى المصرف المذكور، فيما هذا المصرف بالذات من المصارف الصغيرة ويمتلك فروعاً محدودة (16 فرعاً موزعة على جميع الأراضي اللبنانية)، وهذا ما أوجد حالة من الزحمة والفوضى الكبيرة أمام هذه الفروع، وطبعاً ساعات طويلة من الانتظار.

هذا في الشكل العام، لكن من جانب آخر ومن ضمن هذه التجمعات التي تجمع الطبقات والفئات الاجتماعية كافة ومن مناطق مختلفة، هناك قصص غريبة تستحق أن تروى، ومنها ما حصل أمام فرع المصرف في منطقة البقاع، حيث إن هناك فرعاً واحداً يجمع محافظتين و5 أقضية، تشكل ثلث مساحة لبنان.
وأمام هذا الفرع من المصرف احتشد يوم الخميس ما يزيد عن خمسمئة شخص من هذه المناطق، حملوا معهم ما جنوه من ليرة لبنانية بأكياس وحقائب سفر وحقائب يد، وأقفاص فاكهة، واحتشدوا أملاً بالاستفادة، ودخول عالم لعبة فوارق الصرف التي أضحى أغلبية الشعب اللبناني يلعبها، وهناك في باحة المصرف، فجأة إحدى السيدات بين المحتشدين تنادي على ابنتها الموجودة بقربها وتطالبها بالابتعاد الى المقلب الآخر من الناس لأن هناك سيدة من قريتها موجودة أيضاً بين الناس ولا تريدها أن تعرف أنها تمتلك الأموال أو "معها مصاري"، لأنها لا تريد أن تفضح نفسها وخصوصاً أن هذه السيدة "لسانها طويل، وشو بعود بهدي الناس عننا"، بحسب ما أبلغت حاملة النقود ابنتها، وبالفعل انسحبت بهدوء الى مقلب آخر من دون ان تلفت النظر.

أما القصة الثانية، فتستحق التوقف عنها، هي عند سماع أحد الرجال يشتم آخر، ويؤنّبه بأنه بالأمس أوقف ابنه عن التعلّم بحجّة أنه لا يملك الاموال، فيما هو واقف أمام المصرف ويحمل حقيبة رياضية، وبحسب ما يظهر أنها مليئة بالنقود، فيما لم يتفوّه من أمامه بكلمة واحدة وبدا مذهولاً أو متفاجئاً من وجود شخص يعرفه أو مقرّب منه، ولكنه استوعب الصدمة ليخبره أن ما يحمله ليس له بل لشخص آخر، وبالطبع لم يصدّقه واستمر بالشتائم.

أما القصة الثالثة فكانت بين أحد الموجودين والميكانيكي، فما إن التقى به حتى توجّه له ساخراً، "شو ماكن منيح"، لكن المستغرب كان ردة الفعل العنيفة من المكانيكي الذي بدأ بالصراخ، بأنه يملك الأموال، وباستطاعته إطعام عائلة الساخر لسنين طويلة، ما بدا أنه ردة فعل على فوقية أحسّ بها الرجل المكانيكي من محدثه.


قصص صغيرة تكشف طبيعة العلاقات الاجتماعية بين الناس وواقع موجود، كشفها توق اللبناني بكل فئاته الى الاستفادة من أي أمر، وهو لا يقتصر على فئة واحدة أو طبقة واحدة، فمن احتشدوا أمام هذا المصرف من جميع الطبقات والفئات، لا تجمعهم الحياة العادية وإن كانوا أبناء قرية أو منطقة واحدة، لكن منصّة صيرفة استطاعت جمعهم.

ولكن في محصّلة اليوم، وبعد ساعات طويلة من الانتظار، أدخل أحد رجال الأعمال البقاعيين المعروفين والمثيرين للجدل ويعمل في تجارة المحروقات مبلغاً تجاوز 70 مليار ليرة متجاوزاً الحشود، والى حين أنهى الموظفون عدّ هذا المبلغ الكبير كان قد انقضى الوقت وأقفل المصرف، وضربت إدارته موعداً لاحقاً في اليوم التالي لن يكون أفضل من الذي قبله.

تعليقات: