حنان وزينب (المدن)
في الخلفية منحدرات جردية مقفرة، تقفان هناك في بقعة تحتفي بالخضرة والخصوبة وسط سهل البقاع، وتحديدًا في بلدة بريتال البعلبكية، تحمل إحداهن المنتج، تبتسمان للكاميرا فيما تتراءى على وجهاهما أمارات الفخر والإنجاز. بإمكانيات محدودة وظروف اقتصادية صعبة، ومجتمع يحترم طفاره أكثر من شبابه المتعلمين، ومنطقة تزدحم بالفوضى والتسيب، تمكنت الأختان حنان وزينب إسماعيل من افتتاح مشروعهما الخاص، وتأسيس شركة لإنتاج الأسمدة الزراعية العضوية السائلة.
وهذه الشركة التّي افتتحت منذ حوالى العامين قد تمكنت من استقطاب المئات من المزارعين في البقاع الشمالي، وتحديدًا بلدات وقرى بعلبك. وشركة "غاربالايزر" التّي تتألف من فريق عمل مكون من تسعة موظفين، غالبيتهم من النساء البقاعيات، وفرت منتجًا زراعيًا صديقًا للبيئة، ومكون من البقايا العضوية معادة التدوير، وبمزاياه المتنوعة وجودته وسعره الذي يقل بأشواط عن الأسمدة المستوردة بغالبيتها، والتّي عادةً ما تباع بالدولار ولا يقلّ سعر القارورة الواحدة منها عن 15 دولاراً أميركياً، والتّي تحتوي على مواد كيميائية أثبتت عدّة دراسات أضرارها البيئية والصحية.
رائدتا أعمال
في حديثها مع "المدن" تُشير المديرة التنفيذية لشركة "غاربالايزر" وطالبة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية، والعاملة في مجال تمكين المرأة في البقاع الشمالي، حنان إسماعيل (32 سنة، لبنانية) عن فكرة إنشاء الشركة والهدف منها قائلةً: "في الواقع لم أدرس قط أي اختصاص يرتبط بالزراعة وكذلك أختي زينب إسماعيل (26 سنة، لبنانية) التّي درست هندسة الكهرباء، لكننا لطالما طمحنا لإنشاء مشروع يخدم بلدتنا في المرتبة الأولى بوصفه مجتمعاً زراعياً، وتربينا نحن أنفسنا في عائلة تعمل في الزراعة، ويعود لنا بالأرباح التّي نستحقها أيضًا. وبالفعل فكرنا بالمشروع مطولاً وعزمنا على إقامته منذ ثلاث سنوات، في أول مراحلة الأزمة الاقتصادية وجائحة كوفيد، بعدما باتت مسموعةً صرخة المزارعين غير المدعومين بالأصل، واضطروا بفعل تأرجح الدولار لشراء الأسمدة الزراعية بأسعار جديدة ومرتفعة. فقمنا وقتها بإجراء دراسة علمية عن موضوع الأسمدة الزراعية في لبنان، والتّي أنتجت في محصلتها خلاصات كارثية عن أزمات في هذا القطاع، من هدر واستيراد يفوق المعدلات الطبيعية. إذ أن لبنان يستورد سنويًا 85 بالمئة أكثر من حاجته للأسمدة، هذا ناهيك عن الاستخدام المفرط وغير الصحي بتاتًا لهذه الأسمدة على امتداد الأراضي الزراعية اللبنانية".
تُضيف إسماعيل: "وهنا برزت فكرة المشروع: حاجتنا اليوم لمعامل إنتاج أسمدة زراعية محلية، تخفف وطأة الأزمة عن كواهل المزارعين لتدني سعرها مقارنةً بالمستوردة، وبالتالي تسهم في إنتاج زراعات محلية بأسعار تنافسية تؤدي طرديًا لازدياد القدرة الشرائية. ومن جهة ثانية تقليص استعمالات الأسمدة الكيميائية الضارة بالتربة وبصحة الإنسان على حدٍّ سواء، وهنا أسسنا لمشروعنا عبر استغلال البقايا العضوية، هي مخلفات طعام الإنسان والحيوانات الداجنة كمخلفات المزروعات أو النفايات العضوية التّي تنتجها البيوت والمطاعم والمزارع.. لإنتاج الأسمدة العضوية التّي تساعد المزارع في إنتاج محصول أكبر وتحسين جودته. أقمنا معملنا في سهل بريتال تحديدًا في منطقة شقرا، وفي هذا المعمل نقوم بتجميع البقايا العضوية وتحويلها لأسمدة زراعية سائلة، وبطبيعة الحال قمنا بتسجيل شركتنا وترخيصها. وهناك بعض الرخص لا زلنا نعمل على الحصول عليها. وقد تأخرنا بسبب الإضرابات وبيروقراطية مؤسسات الدولة".
أسعار وجودة تنافسية
أما عن قدرة المنتج على منافسة الأسمدة المستوردة والتّي أعتاد المزارعون في كل لبنان على استخدامها تجيب إسماعيل: "بدايةً، لا بد من ذكر أن المزارعين يستعملون نوعين من الأسمدة: السماد التقليدي الذي يشبه التربة، والذي يتكون من مجموعة معينة من البقايا العضوية ومخلفات الحيوانات الداجنة المخمرة، والذي يعمد المزارعون لخلطه مع التربة لتقويتها قبل زراعة المحصول وبعد جنيه، أو السماد الطبيعي الصلب، والذي يشكل في غالبية الأوقات مشكلة للمزارع من جهة الريّ وعمليته المعقدة في خلطه مع التراب. أما النوع الثاني فهو السماد الكيميائي المسحوق والذي يخلط مع المياه. وهنا حاولنا خلق بديل زراعي عضوي وتوفيري. لذلك اخترنا أن نحول هذا السماد إلى سائل. والذي بإمكانه أن يكون مكملاً أو بديلاً للسماد الكيميائي. مع العلم أن إنتاج هذا السماد صعب جدًا. وفي حين قارورة الليتر الواحد من السماد السائل العضوي والمستورد لا تقل في أحسن الأحوال عن 15 أو 10 دولارات، نحن نبيعها اليوم للمزارع بأقل من ثمانية دولارات". أما عن سوق المنتج المحلي، فتوضح إسماعيل أنهم تمكنوا في العام الماضي من بيع منتجهن لحوالى 500 مزارع، في البقاع وفي الجنوب والشمال. وقد اشترت عدّة صيدليات زراعية من منتجهن. كما وقد زارت المعمل عدّة جمعيات وجهات دولية. أما عن طاقم العمل، فتشير أنهم يعملون ضمن مجموعة كفوءة ومهنية، وغالبيتهم من النسوة البقاعيات اللواتي كرسن وقتهن لهذا المشروع.
لطالما عمل شباب بعلبك -الهرمل على تحسين الصورة النمطية لمنطقتهم. بطاقاتهم ومعارفهم وعلومهم، تمكنوا من اجتراح المعجزات في منطقة حتّى الطبيعي والسهل يستعصي في غالبية الأوقات، وخصوصاً في بريتال التّي اشتهرت بطفارها وتجارها ومافياتها الإجرامية، أو حتّى ذاع صيتها بالمدعين، في حين أن هذه البلدة التّي احتلها حكم العشائر والطفار والأحزاب تضج بالشباب.. وبالشابات الطموحات اللواتي تمكّن بأنفسهن من تحقيق المشاريع المنتجة والمثمرة والجديدة، والتّي تنمي المنطقة على المدى القريب وتشجع الشباب الطامح على المدى البعيد.
تعليقات: