"فإن طالت الأيادي السوداء مركزًا دينيًّا ومحجًّا يقصده الجميع دون استثناء للصلاة وطلب الشفاعة، فكم من الأمور الأخرى التي تجري وراء الستار وتحت الطاولات، وما من مجيبٍ لصرخات ضحاياها"...
اختصرت الراهبة راغدة يونس بهذه الجملة الحالة المأسوية التي وصل إليها لبنان، "ال#سرقة من دير صلاة"، لتغيب الضمائر، ويجول الأنذال في المناطق اللبنانية ويسرقون.
سيناريو سرقة أسلاك كهربائية من دير مار يوسف - ضريح القديسة رفقا في جربتا يُضاف إلى مسلسل الفلتان الأمني الذي يجتاح لبنان، في حين استهلّ الدير بداية هذا العام بانقطاع الكهرباء وسرقة أسلاك مرتبطة بمأوى عجزة.
وعلّقت رئيسة الدير الراهبة راغدة يونس لـ "النهار" عن الحادثة معتبرةً أنّها "ليست المرّة الأولى التي تُسرق فيها أسلاك كهربائية، لكن هذه المرّة "كمّلوا على الباقي"، مضيفةً: "تهتّم حالياً جهات المنطقة بالتحقيق في ملابسات هذه الحادثة على أمل أن يتمّ إصلاح الأسلاك المسروقة في أسرع وقت، لتزويد "بيت رفقا" بالكهرباء، لأنّ تأمينها مسألة جوهرية للدير، حيث نعتمد بشكل أساسيّ على كهرباء الدولة، بغية توفير القليل من المازوت".
وتتساءل الراهبة: "شو بدها تلحّق الجهات الأمنية لتلحّق"، مستطردة بأنّ "المشاكل الاقتصادية والأمنية في البلد هي وليدة هذه السرقات، وذلك يؤثر على الأجهزة الأمنية، فكيف سيتمكّن العسكريّ من إتمام مهامه في حين معاشه لا يساوي "تنكة بنزين"، لافتةً إلى أنّه "قُبيل عيدَي الميلاد ورأس السنة طلبت الأجهزة الأمنية تحديد مواعيد القداديس لتأمين حماية أمنية في تلك الأوقات، وبالفعل كانت الدوريات حاضرة".
وأضافت يونس: "لطالما كان دير مار يوسف بيتاً الجميع، واذا كان سارقو الأسلاك في حاجة إلى مساعدة، كان من الأسهل أن يطرقوا بابنا، لأنّ رسالتنا في هذه الحياة هي مساعدة بعضنا بعضًا، وكان هذا الحلّ أفضل من أن يعرّضوا أنفسهم للخطيئة."
وكشف رئيس بلدية جربتا إيف ضاهر لـ "النهار" عن تفاصيل الحادثة، مشيراً إلى أنّها ليست المرّة الأولى التي تحدث سرقة مماثلة في المنطقة، وقال: "ليلة رأس السنة قُطعت أسلاك التوتر العالي، وبدأت نقطة السرقة من دار القديسة رفقا وصولاً إلى 500 متر، هذه الحادثة تكرّرت عدّة مرات وهي المرّة الخامسة خلال سنتين، ومشكلة "الفلتان الأمني" تكمن في الغياب التام للدوريات الأمنية في هذه المناطق الجبلية الموجودة بين جبيل وال#بترون، ومن السهل للسارق الهروب في الأحراش الخالية من الرقابة، بالتالي تواصلنا مع الجهات الأمنية، وسيُفتح تحقيق للكشف عن ملابسات هذه الحادثة، وهذه الأسلاك تعود لمؤسسة "كهرباء لبنان"، ومن المفترض أن تتحرّك النيابة العامة".
كما لفت ضاهر إلى أنّ بلدية جربتا ناشدت عدّة مرات القوى الأمنية لتكثيف الدوريات الأمنية في هذه المنطقة، "عم نجرب نعمل قد ما فينا"، ناهيك عن الاجتماعات مع نائب المنطقة، ورئيس الاتحاد والمخاتير والقائمقام بحضور القوى الأمنية، لكن "للأسف لم نلمس أيّ مبادرة حقيقة."
فما سبب تكاثر هذه الظاهرة في المنطقة ومن المسؤول؟
من جهته، اعتبر النائب في كتلة "الجمهورية القوية" غياث يزبك مسألة تكاثر السرقات في البترون "همًّا" على الأكتاف، مشيراً إلى أنّه دعا سابقاً إلى اجتماع مشترك لاتّحاد بلديات البترون واتّحاد رابطة المخاتير، وتمّ استعراض كيفية إيجاد وسيلة لمساعدة القوى الأمنية في حراسة القرى والضيع في المنطقة، مضيفاً" لقد أخذنا في عين الاعتبار أنّ القرى الموجودة في قضاء البترون، تصبح شبه فارغة خلال اليوم، باستثناء الضيع الكبيرة مثل تنورين، وذلك يسهّل عمليات السرقة والاختباء في الأحراش التي تُحيط بالقرى البعيدة عن بعضها".
وأكّد يزبك أنّ "العملية تجري ببطء جراء غياب الإمكانيات المادية، فضلاً عن أننا لا نريد أخذ أيّ طابع أو صفة من صفات الأمن الذاتي، نريد أن نكون عين القوى الأمنية بغية مساعدتها، علماً أنّ وضعها اللوجستيّ أصبح في حالة يُرثى لها، ففي مخافر المنطقة التي تشمل فصيلة درك تنورين ودوما والبترون لا يتعدّى عدد العسكر العشرين، "كيف بدن يحموا منطقة طويلة عريضة مترامية الأطراف؟"، فضلاً عن أنها لا تحمل ضغطاً سكّانياً، لعلّه يُشكل وهجاً يبعد السارقين، وبالتالي جميع هذه العوامل تلعب دوراً مساهماً في زيادة نسب السرقات في المنطقة".
وأضاف:" تواصلت مع وزير الداخلية والبلديات، للبحث في كيفية تعزيز سرايا البترون بعدد أكبر من القوى الأمنية، لتكثيف الحواجز وانتشار الأمن، لكن لا تزال المحاولات جارية ولا شيء مبلوراً حتى الآن، في المقابل طلبنا من السكان أن يكونوا "العين الساهرة" وأن يتواصلوا على "غروبات الواتساب" في حال حصول حدث ما والتبليغ عنه إلى القوى الأمنية، وبالفعل تمكنّا من تحسين الوضع بنسبة تقارب الــ10 في المئة، لكن ذلك غير كافٍ."
وفصل غياث بين مسألة سرقات المنازل في البترون ومسألة سرقة الأسلاك الكهربائية، مشيراً إلى أنّ سرقة المنازل ناتج عن الفراغ السكّاني وعدم وجود رقابة أمنية، لكنّ مسألة سرقة الأسلاك الكهربائية أكبر بكثير.
وقال: "نتفهّم أنّ القوى الأمنية ليس بمقدورها حماية جميع نقاط الأسلاك الكهربائية، الأمر الذي لا يتوقّف على منطقة البترون فحسب، لكن في المقابل تُطرح تساؤلات عدّة منها "كيف يتمكّن هؤلاء من سرقة أسلاك وزنها أطنان والتجوّل بطريقة آمنة دون كشفهم؟
السارق بحاجة إلى أدوات عدّة، فضلاً عن أنّه يتحرك بطريقة آمنة محمّلاً أطنانًا من الأسلاك، والأخطر أنّه يتوجّه إلى مناطق محصورة ومعروفة يتمّ تذويب النحاس لتحويلها إلى بلوكات وبيعها في السوق."
واعتبر يزبك أنّ "عملية فكّ الأسلاك ونقلها تثير الشكوك، وانطلاقاً من هنا يجب أن تتحرّك القوى الأمنية، "إذا منعناهن من البيع من خلال كشف البائع ببطلوا يسرقوا".
وأشار غياث إلى احتمال آخر وهو "بيعها عبر الحدود"، مضيفاً: "هنا نكون قد دخلنا في مشكلة لبنان الكبرى، وهي سرقة ثروات لبنان التي تبدأ بالنحاس وتنتهي بالبنزين والأدوية، لكنّني أضع هذا الاحتمال في خانة الشكوك، اليوم وفي ظلّ تعسّر الوضع الصناعيّ في لبنان، من الوارد بيع هذه المواد عبر الحدود إلى الخارج."
وفي سياق مختلف، أشار يزبك إلى فكرة تواطؤ جهات لتسهيل مسار السرقة، قائلاً "حين يقوم السارق بفكّ الأسلاك، من الممكن أن يقتله التيار الكهربائيّ في حال عاد، بالتالي أرى أنّ هذا الأمر يحدث بتواطؤ بحسب بعض التحقيقات بين الأشخاص الذين يوزّعون الكهرباء في مؤسسة كهرباء لبنان والسارقين، ومن هنا يمكن البحث عمّن يؤمّن لهؤلاء سرقة آمنة، وهذه أسئلة توجّه إلى الأجهزة الأمنية في انتظار الجواب."
تعليقات: