معظم القضاة سيتابعون ملفاتهم القضائية في قصر العدل ليوم واحد فقط (فرح منصور)


فكّ القضاة إضرابهم أو "اعتكافهم"، اليوم الإثنين 9 كانون الثاني، بعد خمسة أشهر من الاعتكاف الأطول في تاريخ السلك القضائي، تلبيةً لدعوة مجلس القضاء الأعلى بعودتهم ضمن الإمكانيات المتاحة.

في داخل قصر العدل ببيروت، بدا واضحاً صباح اليوم بأن المحامين وأصحاب الدعاوى القضائية في حالة ترقب وانتظار منذ صدور بيان مجلس القضاء الأعلى الأخير، معتبرين أن قرار انتهاء الاعتكاف غير واضح، وربما لن يشمل جميع القضاة. فحضروا باكراً للتأكد بأنفسهم.

في الثامنة والنصف صباحاً، شرّعت أبواب قصور العدل أمام المحامين والقضاة، فيما توزعت عدسات المصورين أمام مداخل قصور العدل في بعبدا والعدلية ببيروت منتظرةً المشهد المناسب. كُسرت حالة الرتابة التي سيطرت على محيط قصور العدل لأشهر طويلة، فازدحمت مواقف السيارات التابعة لقصر العدل بالمحامين وبعض القضاة.

كان المشهد مختلفاً اليوم. جال المحامون لساعات داخل أروقة قصور العدل، وتوزعوا في أقلام المحاكم للاستفسار عن عودة القضاة، وللتأكد من صحة هذا الخبر، فألقوا التحية على بعضهم البعض بحماسة وفرحٍ واضحين على وجوههم، وترددت على مسامع موظفي قصور العدل "مبروك العودة".


حلة جديد

اختفت حالة القلق داخل الأروقة، وبدأت القاعدة القضائية تستعيد نشاطها، أما قصور العدل التي لطالما أعلنّا انهيارها والتي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، ظهرت اليوم بحلّة مختلفة جداً. وعلى ما يبدو، فإن أهمية زيارة الوفد الأوروبي، والذي سيصل مساء اليوم إلى بيروت، انعكست إيجاباً في أروقة العدلية: نُظفّت ولمّعت أرضيات الطوابق، والملفات التي لطالما فُقدت وتُلفت في خزائن قصور العدل بسبب تراكمها بشكل عشوائي، وُضعت اليوم بتنسيق وترتيب. أُزيلت جميع الأوراق عن الجدران، ونظفت هي والمراحيض، واختفت رائحة الرطوبة. أما سلات المهملات فكانت خالية تماماً من القمامة، حتى من الأوراق.

والمفاجأة الكبرى كانت في التيار الكهربائي، حيث أضيء قصر العدل بأكمله، وتحولت خرائب العدل إلى قصور نظيفة، وتوزع التيار الكهربائي على جميع زوايا الغرف من دون استثناء، حتى الغرف التي لا تستعمل ولا حاجة لإضاءتها. وأخيراً اشتغلت المصاعد، فتزاحم المواطنون والمحامون على أبوابها لاستعمالها. والأروقة التي لطالما التقطنا صوراً لها وهي مظلمة بسبب انقطاع التيار الكهربائي فيها أو بسبب احتراق الإضاءة، أُضيئت اليوم. ورُتبت قاعات المحاكم، ووضعت المقاعد بشكل متناسق. وفي زوايا القاعات بدا واضحاً بأن عمال النظافة يعملون بشكل متواصل منذ أيام، فالمياه متوزعة في بعض الأقسام نتيجة تنظيم وتلميع بلاط الأرضيات.


تأكيد العودة

ويمكن القول بأن جميع القضاة عادوا إلى العمل، وأعلنوا متابعة الملفات في جميع المحاكم، ومنها محكمة جزاء بيروت الأولى، المحاكم المدنية، ومحكمة السير والمحاكم الجزائية. أما آلية متابعة الجلسات فلم توضح بعد، فالقضاة أبلغوا أقلام المحاكم بعودتهم إلى العمل هاتفياً، وآخرون حضروا إلى مكاتبهم. في حين لم تشهد اليوم قاعات قصر العدل أي جلسات محاكمة إلا لبعض الموقوفين، وهي جلسات سابقة في محكمة التمييز التي تابعت ملفات الموقوفين خلال الاعتكاف.


الخطوة المقبلة

وخلاصة اليوم، اكتفى المحامون بالتأكد من عودة القضاة إلى العمل، على أن يقوموا بتجهيز ملفات موكليهم في الأيام المقبلة ليعين القضاة مواعيد الجلسات. واستناداً لبيان مجلس القضاء الأعلى الذي طالب القضاة بعودتهم ضمن الإمكانيات المتاحة، فإن معظم القضاة سيتابعون ملفاتهم القضائية في قصر العدل ليوم واحد فقط في الأسبوع.

لا شك أن عودة القضاة إلى العمل ستؤدي إلى حلحلة بعض الملفات المتراكمة، ولكن إشكاليات عدة ستواجه أصحاب الدعاوى في الأسابيع المقبلة، وسيتحملون فيها أعباء مادية إضافية. فمعظم أقسام قصور العدل خالية من الأقلام والأوراق المطلوبة، وبالتالي سيطلب من كل موكل تأمين وطباعة جميع أوراق الملفات المطلوبة للحصول على موعد للمحاكمة، أو لتقديم دعوى. ويبقى السؤال: هل سنشهد مساراً جديداً للقضاء اللبناني بعد وصول وفد من القضاء الأوروبي؟

تعليقات: