بصمات فريق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومصرف لبنان على مشروع قانون «إعادة التوازن إلى القطاع المالي» لا تهدف إلا لطمس المسؤوليات والخسائر مقابل تحميل الدولة وزر الموبقات. هو مشروع غير قابل للتطبيق إذ يفتقر إلى الآليات التنظيمية، بالتالي فإن الهدف منه تثبيت تصنيف «الودائع المؤهلة وغير المؤهلة» وإخضاع القرارات المتعلقة بإعادة هيكلة المصارف إلى الهيئة المصرفية العليا التي يرأسها حاكم مصرف لبنان
تقف حكومة نجيب ميقاتي، بما تمثّله، خلف قوانين تحمل ظاهراً عناوين لحماية الودائع والحفاظ على أصول الدولة، إلا أنها لا تخدم في مضمونها سوى مصلحة مصرف لبنان وأصحاب المصارف. ليس مشروع قانون وضع ضوابط استثنائية على التحويلات والسحوبات آخر الغيث، إذ تناقش لجنة المال والموازنة النيابية اليوم اقتراح قانون إطار لإعادة التوازن للانتظام المالي في لبنان مقدّماً من النائبين جورج بوشكيان وأحمد رستم، علماً بأن المشروع أعدّه مستشارو ميقاتي ومدير الشؤون القانونية في مصرف لبنان بيار كنعان بالتعاون مع خبراء صندوق النقد الدولي، وتكفّل النائبان بتقديمه لعدم قدرة الحكومة على إرسال مشاريع إلى مجلس النواب في فترة تصريف الأعمال.
في أسبابه الموجبة، يسعى الاقتراح فقط إلى «تحديد الخسائر»، ويشير إلى مسببها من دون تحميله المسؤولية. إذ يقرّ بأنها الخسائر التي «تكبّدها مصرف لبنان جراء تدهور مراكز النقد الأجنبي لديه ووضع الإطار القانوني لمعالجة تلك الخسائر (…) وبشكل يعيد الثقة بالنظام المصرفي، ويحدّد خسائر القطاع المالي بما يسمح بإعادة هيكلة القطاع المصرفي مع ما يوجبه ذلك من إعادة رسملة مصرف لبنان وإغلاق الفجوة». خلافاً للأسباب الموجبة، لا يذكر مشروع القانون حجم الخسائر بل يشير إلى وجوب «إجراء تدقيق محاسبي لميزانية مصرف لبنان بشكل يراعي المعايير الدولية ويصار بنتيجته إلى معالجة الفجوة المالية من خلال خفض قيمة توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان بالعملة الأجنبية» من دون تحديد الجهة التي ستقوم بهذا التدقيق أو مدته.
وفي مادته الثانية، يجري تحميل الدولة عبء المشاركة في استعادة الملاءة المالية لمصرف لبنان بالعملة الصعبة عبر إعادة رسملته بمليارين ونصف مليار دولار أميركي «من خلال سندات مالية أو أي وسيلة أخرى يتم تحديدها بموجب مراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المال». ويلقي المشروع أرقاماً عشوائية من دون أن يوضح آلية احتساب هذه الأرقام أو مصدرها لتحديد قيمة إعادة الرسملة المطلوبة، على رغم أن الخسائر تبلغ 72 مليار دولار.
استناداً إلى ذلك، يقول المحامي كريم ضاهر، إن هذا المشروع «مبهم وغير منطقي ولا يمكن أن يُدرس بمعزل عن مشروع قانون إعادة الهيكلة، بل يجب أن يكون موازياً له في الوقت نفسه». وفي تقديره أن الحكومة تطمح إلى إعادة الرسملة من المبالغ المتوقع أن تأتي إلى لبنان على شكل مساعدات بعد إتمام الاتفاق مع صندوق النقد، وربما يجري التعويل على اكتتاب المانحين في سندات مالية صادرة عن الدولة. أما النقطة الثالثة من المادة نفسها التي تتحدث عن معالجة قسم من التزامات مصرف لبنان للمصارف وتغطية هذه الديون فلا تذكر أي خطة لإنجاز الأمر.
يلاقي مشروع القانون هذا، مشروعاً آخر هو قانون الكابيتال كونترول، في تصنيف الودائع بين «غير مؤهلة» تم تحويلها إلى عملات أجنبية بعد 17 تشرين الأول 2019 وما تشمله من تحويلات مصرفية وشيكات وغيرها، وبين ودائع «مؤهلة» تشمل بقية الودائع بالعملة الأجنبية. وبحسب النائب فريد البستاني، فإن جلسة اليوم ستشهد مشادة حول هذا الموضوع خصوصاً أن «الاقتراح يرتكز على إذلال المودعين الصالحين الذين أبقوا أموالهم في المصارف، في حين ليست هناك مشكلة مع من هرّب أمواله إلى الخارج، وهو ما ينسف مبدأ العدالة».
كل ما سبق، وكل القرارات المفصلية يضعها الاقتراح بتصرف الهيئة المصرفية العليا بصفتها الهيئة المختصّة بإعادة هيكلة المصارف في لبنان، ويوكل إليها وضع آلية ومعايير موحّدة لتحويل كامل أو جزء من رصيد الودائع المؤهّلة إلى الليرة اللبنانية على أساس سعر منصة صيرفة. وبالمناسبة يرأس هذه الهيئة حاكم مصرف لبنان، ويتكوّن أعضاؤها من أحد نواب الحاكم ومدير المالية العام وقاض وعضو معين من جمعية المصارف في لجنة الرقابة على المصارف، أي أن من تسبب بالأزمة وتكتم عليها وساهم في اختلاس أموال المودعين هو المكلّف حصراً بإعادتها وفقاً لما يراه مناسباً. لا بل ثمة تشريع لمصطلح «ليلرة» وإصرار على السير بالهيركات على الودائع عبر احتسابها وفق منصة صيرفة لا سعر الدولار الحقيقي. أما الودائع غير المؤهلة لدى المصارف القابلة للاستمرار فسيتم تحويلها إلى الليرة اللبنانية على أساس سعر صرف أقل من صيرفة وفقاً لآلية تحددها الهيئة.
تحميل الدولة عبء المشاركة في استعادة الملاءة المالية لمصرف لبنان بالعملة الصعبة
ويفصل مشروع القانون بين المصارف القابلة للاستمرار وغير القابلة للاستمرار. فالودائع المؤهلة وغير المؤهلة في المصارف غير القابلة للاستمرار أي التي يفترض تصفيتها، ستخضع لأحكام قانون إعادة هيكلة المصارف وسيحصلون على حدّ أقصى يناهز الـ 75 مليون ليرة حتى لو كان حجم الوديعة يتخطى هذا المبلغ. وبغية تحديد الودائع المشروعة وغير المشروعة، على كل مصرف أن يعمد إلى تحديث نموذج «اعرف عميلك KYC» لكل مودع تتخطى وديعته المؤهلة المليون دولار أو ما يوازيه خلال مدّة شهر من نشر القانون. علماً بأن استرجاع الودائع ليس أكيداً بل يرتبط وفق المادة العاشرة بوضعية كل مصرف وملاءته وسيولته، ما يعني أن عدم توافر الملاءة والسيولة لدى أي مصرف سيحول دون تسديده أموال المودعين.
أما القسم الثالث من الاقتراح فيأتي بعنوان «إنشاء صندوق استرجاع الودائع» وغايته استرداد رصيد الودائع المؤهلة (تلك التي تتجاوز 100 ألف دولار) بموجب آلية يحددها مجلس الوزراء. وبحسب ضاهر، ثمة شروط تعجيزية تحكم صندوق استرداد الودائع في حين تذكر أمور كالمساهمات المالية من المصارف من دون تحديد نسبتها أو قيمتها، كما التعويل على إيرادات الأموال المسروقة والمهربّة. باختصار، يقول ضاهر، يتم تمرير هذا القانون تمهيداً لإقرار قانون إعادة هيكلة المصارف الذي هو أشبه «بعملية نصب واحتيال بصلاحيات واسعة للهيئة المصرفية العليا ومن دون أي إمكانية لإجراء أي مراجعة قضائية أو إدارية على قراراتها. فالهيئة تقرر المصارف الراغبة بإعادة هيكلتها ورسملتها وتصفّي أخرى كما يحلو لها، والأخطر أن المصارف التي ستخضع للهيكلة لن تحاسب على موبقات مدرائها ومجالس إدارتها، وتلك التي ستذهب إلى التصفية لن تخضع لأي ملاحقة مهنية».
تعليقات: