تحذير: خطر الاستحمام!


لم يكن ينقص اللبنانيين إلا الشكوى من عدم القدرة على الاستحمام. انقطاع كهرباء الدولة، ارتفاع فاتورة الاشتراك في المولّدات، غياب الشمس عن ألواح الطاقة الشمسية.. كلّها أمور تدفع إلى البحث عن حلول بديلة، إذا توفرت قد لا تكون آمنة.

سخّانات الغاز هي «الترند» هذه الأيام، لكنها لا تخلو من مخاطر بسبب عدم خبرة التجار بها، وتسخين المياه على الغاز دونه مخاطر الحرق، أو عدم الحصول على النظافة اللازمة. وبينهما، عودة إلى الحطب الذي قد يكون أفضل الحلول حتى لو أتى على حساب الطبيعة



سخّانات المياه على الغاز: قاتل صامت في بيوتنا؟

فؤاد بزي

سخّانات المياه على الغاز: قاتل صامت في بيوتنا؟

ارتفع استيراد سخّانات الغاز من 47 ألف دولار عام 2021 إلى 4 ملايين دولار عام 2022 (الأخبار)

لم تترك الأزمة الاقتصادية للبنانيين من أسلوب حياة إلّا وتدخّلت فيه، فمع غياب التيّار الكهربائي تغيب المياه السّاخنة الأساسية في فصل الشتاء للنظافة الشخصية، والحلّ الأخير لإعادتها كان بالاعتماد على سخّانات مياه تعمل على الغاز، إلا أن الفوضى أصابت هذا القطاع أيضاً. ومثل حال الطاقة الشمسية، عدد كبير من اللبنانيين أصبح «محترف تركيب سخانات غاز»، ما تسبّب بحوادث أدّت للاختناق وحتى الوفاة، واتُّهمت السّخانات، المستخدمة في معظم دول العالم، بأنّها المسؤولة عن هذه الحوادث لأنّها سيئة!

تدفع الأزمة الاقتصادية، المنعكسة على كلّ أوجه الحياة اليومية، اللبنانيين نحو المزيد من الابتكارات والحلول الفردية لأزمات جماعية، من ألواح الطاقة الشمسية التي أتت لتحلّ مكان الكهرباء، مروراً باستخدام الحطب للتدفئة، وصولاً إلى العودة نحو تركيب سخانات المياه التي تعمل على الغاز لتحلّ مكان السّخانات الكهربائية، إذ استورد اللبنانيون عام 2022 سخانات غاز بحوالي 4 ملايين دولار، فيما لم يتجاوز الرقم عام 2021 الـ47 ألف دولار، بحسب إحصاءات الجمارك. فقد تحوّلت سخانات الكهرباء إلى مجرّد أنابيب ضخمة للمياه، نظراً إلى غياب الكهرباء بشكل شبه تام، وعدم قدرة ألواح الطاقة الشمسية، إن وُجدت، على تلبية شرهها للكهرباء، وخاصة خلال فصل الشتاء.


السخّان القاتل؟

ولكن، الحلول لم تكن مجانية أو سهلةً، فنتيجةً لغياب الدولة التام وانهيار قطاع الكهرباء، تستنزف تجهيزات الطاقة الشمسية اللازمة لتعويض التيار الرّسمي مئات ملايين الدولارات، وفي بداياتها عام 2019، «تعلّم اللبنانيون ببعضهم» بحسب أحد المهندسين. وإذا استثنينا الحرائق والمشاكل التقنية المرافقة، فـ«نسبة كبيرة من المشاريع كانت إما غير ناجحة أبداً، أو تُستعمل فيها تجهيزات أكثر من الحاجة، فتصبح التكاليف مضاعفة».

إلا أنّ الطاقة الشمسية لم تتسبّب في مقتل أحد حتى الآن، على عكس سخانات المياه العاملة على الغاز، التي أدّت حتى اللحظة إلى أكثر من 20 إصابة بالاختناق. وقد توفي من المصابين 4 أشخاص قضوا اختناقاً أثناء الاستحمام نتيجة استنشاقهم غاز «أحادي أوكسيد الكربون». تروي ملاك إحدى الذين أصيبوا بالاختناق تجربتها، واصفةً الأمر بـ«انقطاع النفس، وفقدان القدرة على الوقوف»، وتفيد بأنّ «آخر ما شعرت به هو وقوعها على أرضية الحمام، قبل أن تستيقظ في المستشفى مكمّمةً بقناع الأوكسيجين».


تفسير علمي

ما جرى مع ملاك متوقّع، خاصةً بعد تركيب سخان غاز داخل الحمام، فهذه السّخانات تعمل على حرق الغاز لرفع حرارة المياه بفعالية عالية، ومصروف قليل، إذ تقوم بتسخين أنابيب نحاسية دقيقة، تمر داخلها المياه قبل خروجها من الصنابير (حنفيات)، بالتالي تعطي ماءً ساخناً خلال ثوانٍ فقط، من دون أن نحتاج إلى تسخين كميّة كبيرة من المياه. تقنية سخانات الغاز قديمة جداً في السّوق اللبناني، إذ يعود استعمالها في البيوت إلى ستينيات القرن الماضي، وبعضها لا يزال موجوداً، ولكن معظم اللبنانيين استغنوا عنها منذ نهاية التسعينيات، وتوجّهوا نحو السّخانات الكهربائية، ما أدّى إلى غياب اليد العاملة الماهرة القادرة على تركيب هذه الأدوات باحترافية وفعّالية.

وعليه، «الحق مش على السّخان» بحسب أحد الفنّيين، إذ تُركّب سخانات المياه العاملة على الغاز اليوم من دون احترام أدنى معايير السّلامة، داخل الحمامات الضيّقة، وتكون غير موصولة بمداخن لإخراج الغازات الناتجة عن عملية الاحتراق. وفي غياب تهوئة مناسبة، تتسبّب هذه السخانات في وقوع مشكلة الاختناق الناتجة عن عملية احتراق غير كاملة للغاز بسبب نقص الأوكسيجين، ما يؤدي بالتالي إلى انبعاث غاز أحادي أوكسيد الكربون، المعروف بـ«القاتل الصامت»، فهو دون رائحة أو لون أو طعم. وبعد تنفّس كميّة كبيرة من هذا الغاز يفقد الإنسان الوعي ويسقط أرضاً لتزداد المشكلة سوءاً، فأحادي أوكسيد الكربون أثقل من الهواء، يتراكم على الأرض، ما يؤدّي إلى تنفس كميّة أكبر منه، بالتالي الدخول في غيبوبة والوفاة.


الحلول الهندسية

«لا مشكلة في التركيب داخل الحمامات، ولكن يجب تركيب مداخن للسّخان لإخراج الغازات، كما أنّ وجود فتحة التهوئة ضروري مع شفّاط لإدخال كميات من الهواء الغني بالأوكسيجين»، بحسب هادي تقي، المهندس المتخصص في أنظمة الأمان ومكافحة الحرائق. يتخوّف تقي من خطرين «التسمّم بأحادي أوكسيد الكربون، وتسرّب الغاز وانفجاره»، ويفضّل «إبقاء هذه السّخانات خارج الغرف المغلقة، وتركيبها على الشّرفات، فهذا أضمن لناحية السّلامة». وعن الحلول الممكنة لمن ركّب هذه السّخانات في الحمامات، يشير تقي إلى «التكلفة العالية لهذه الحلول التي تستلزم تركيب حسّاسات خاصة بالغازات، مع التشكيك في فعاليتها داخل بيئة مغلقة ذات بخار كثيف كالحمام». في المقابل، ينصح بـ«قضاء وقت أقلّ خلال الاستحمام والسخان شغال».

توافق رندة سليمان مهندسة الميكانيك والطاقة على كلام تقي، وتذهب أبعد في تحديد المشكلة بـ«نوعية السّخانات الرخيصة المستخدمة، التي لا تحتوي على أنظمة أمان، بالإضافة إلى غياب الخبرة لدى اليد العاملة الفنيّة». وتؤكّد «إمكانية تركيب هذه الأجهزة داخل البيوت في حال كانت تحتوي على مداخن لإخراج الغازات المنبعثة، وحسّاسات إلكترونية تقطع الغاز مباشرة عند التسرّب». وتذكر سليمان قيام بعض الشركات المستوردة للسخانات بـ«تدريب الفنيّين على كيفية تركيبها وتشغيلها»، مع الإشارة إلى «وجود أشخاص ذوي خبرة كبيرة في هذا المجال الذي يعود لأكثر من ثلاثين سنة».


تحرّك بلدي

تدفع حوادث الاختناق البلديات وبعض محالّ بيع هذه القطع إلى إعلان ما يشبه حالة طوارئ. في برج البراجنة، أصدرت البلدية تعميماً إرشادياً يحذّر من مخاطر هذه الأجهزة. وفي اتصال مع «الأخبار» يفيد عاطف منصور رئيس البلدية بـ«ضرورة التعامل باحترافية وحذر مع هذه الأجهزة، فتركيبها ليس مقتصراً على براغٍ أربعة في حائط حمام». ويشير منصور إلى «طلب البلدية من السّكان وضع السّخانات التي يركّبونها على الشرفات»، ويؤكّد «تحذير البلدية المحالّ التجارية التي تبيع السّخانات في نطاقها، إلى ضرورة إرشاد المواطنين إلى الطريقة الأفضل في التركيب».


4 ضحايا قضوا أثناء الاستحمام اختناقاً نتيجة استنشاقهم الغاز


وفي جولة على محالّ الأدوات الصحيّة، تُظهر كميّة السّخانات المكدّسة تهافت المواطنين على شرائها، وبعد النظرة الأولى إليها، يأتي صوت صاحبة المحل بـ«ضرورة تركيبها على الشرفة، أو في حمام غير مستخدم»، وتضيف أنّها «لا تتحمّل مسؤولية التركيب السيّئ» في إشارة إلى حوادث الاختناق التي وقعت سابقاً، وتعرض «استخدام أحد الفنّيين المتخصّصين في تركيب هذه القطع المعتمد من قبلهم». أمّا أسعارها فتُراوح بين 120 دولاراً و350 دولاراً بحسب النوعية، وبلد المنشأ، والميّزات.

وآخر قضائي

على المستوى القانوني، لم تمرّ الإصابات مرور الكرام، إذ يشير المحامي حسن بزي إلى «تقديم دعوى في محكمة النبطية ضد إحدى الشركات المروّجة لسخانات الغاز، لأنّ الإعلان المستخدم لا يحتوي على أيّ تحذير من المخاطر، بالتالي يخدع المواطن بوضعه أمام منتج آمن». ويضيف بزي أنّ النتيجة المأمولة من القضية هي «وقف البيع أولاً لمدّة 15 يوماً، ومن ثمّ تعيين خبير للكشف على السّلع وتحديد العيوب»، وفي حال وُجدت «سنطلب قراراً نهائياً يمنع بيعها، وتكليف الجمارك بمنع إدخالها إلى لبنان».

ويشير بزي إلى قضية أهم، وهي «استهتار النيابات العامة، التي تكلّف المخفر بتحديد سبب الوفاة وكتابته فقط، من دون استكمال التحقيقات والتوسّع في التحقيق»، ويشبّه الأمر بـ«تسليم جثة في المخفر، ونحن نقوم بدور النيابات العامة، وخاصة مع عدم استدعاء الوكلاء للتحقيق، من تعيين خبير وغيره».



الأزمة تصل إلى النظافة الشخصية

زينب حمود

خلال الحروب والأزمات، تتفشّى الأمراض المعدية الناجمة عن تراجع النظافة الشخصية والعامة، مثل أمراض الكوليرا والتيفوئيد واليرقان وأمراض التسمّم الغذائي… كذلك عدوى القمل والجرب… وما يمرّ به لبنان من عجز عن تأمين أبسط احتياجات الناس كالكهرباء والمياه النظيفة يجعل نظافة كلّ من يقيم على الأراضي اللبنانية على المحكّ… وقد انعكس ذلك أصلاً في سلسلة إصابات بالكوليرا واليرقان والتسمّم الغذائي، فهل ينتظر القمل والجرب دوره عند الباب؟ أم أنه دخل سرّاً منذ أن بدأ اللبنانيون يقنّنون أيام الاستحمام أو يستحمّون على عجلة وبالـ«كيلة»؟ أو يبدّلون العلامات التجارية للصابون مفضّلين التوفير على الجودة؟


الاستحمام بـ«الكيلة»

ثلاثة أيام من دون استحمام. هذا هو حال عائلة مؤلفة من خمسة أفراد، انتفضت صيفاً على صاحب الاشتراك الذي تجاوزت فاتورته العشرة ملايين، فقطعته ولجأت إلى تركيب الطاقة الشمسية معتمدة على القرض. منذ بدء العاصفة الأخيرة، وغياب الشمس، كما اختفاء كهرباء الدولة، غابت المياه الساخنة. لا حلّ أمام العائلة إلا بالعودة إلى صاحب المولّد وطلب مدّ اشتراك كهرباء من جديد، أو الاستحمام بـ«الكَيلة»... كما يفعل حتى من هم مشتركون في المولّدات لكن تقلقهم قيمة الفاتورة.

يعود اللبنانيون بالذاكرة عقوداً إلى الوراء، إلى ويلات الحرب الأهلية عندما كانوا يسخّنون مياه الاستحمام على الغاز، ويجرّونها إلى الحمّامات في طناجر، ثم يستخدمون ركوة القهوة والإبريق البلاستيكي لسكبها. عادت «أمجاد» هذه الأيام عندما حلّ الشتاء من دون أن تُحلّ أزمة الكهرباء بما يسمح بتشغيل سخان المياه الكهربائي. تشغيله على كهرباء اشتراك المولّد ليس أمراً ممكناً بالنسبة إلى الكثيرين بسبب ارتفاع الفاتورة. وسخانات المياه على الغاز كادت تكون حلاً بديلاً عن سخانات الكهرباء، حتى اصطدم الناس بحالات اختناق تسببت بها، فعدلوا عن الفكرة.

صيفاً، كانت مشكلة الاستحمام تتوقف عند فقدان المياه والاضطرار إلى شراء نقلات مياه بأسعار عالية، ما دفع كثيرين إلى التقنين والاستعجال في الاستحمام لتوفير المياه. منذ أشهر، حُلّت أزمة المياه في عديد من الأماكن، لكن، عدا عن أن سحبها إلى الأسطح يتطلّب كهرباء، أدخل الطقس البارد تحدياً ثانياً وهو: كيف أؤمن مياهاً ساخنة؟ فـ«كهرباء الدولة» إن أتت يوماً بعد يوم تكون لساعة واحدة لا تكفي ليحمى السخان. سارة، اعتادت على الاستحمام بالإبريق لأنه «ليس هناك حلّ آخر إلا أن نتعفن». منذ فترة، «جاءت كهرباء الدولة لساعتين متتاليتين، فشغّلت السخان وعندما دخلت لأستحمّ بالدوش الساخن استغربت وكأنها المرة الأولى».


شرّ لا بد منه

الاستحمام بـ«الكيلة» شرّ لا بدّ منه. فهو من ناحية يصعب عليه تحقيق نظافة تامة خاصة للنساء ذوات الشعر الكثيف، ومن ناحية ثانية يزيد الشعور بالبرد خلال ملء «الحلّة». تغريد مثلاً، تنزل من الجنوب إلى منزل أختها في بيروت عندما تريد أن تصبغ شعرها، فـ«الصبغة تحتاج إلى مياه ساخنة كثيرة، وأنا أستحم على عجلة بالإبريق ولا أستطيع تشغيل السخان على كهرباء المولد». إلى ذلك، قد تتسبب تعبئة المياه الساخنة وتفريغها بحوادث الاحتراق. تروي سماح كيف «احترقت منذ أيام بينما كنت أحمل طنجرة المياه الساخنة إلى غرفة الاستحمام، تعلّمت بعدها أن أمشي على مهل وألا أملأها كاملة».


يعود لبنانيّون بذاكرتهم إلى أيام الحرب وتسخين المياه على الغاز


الاستحمام شتاء سيف ذو حدين. إما يعكس مشاعر التضحية والتفاني بين أفراد العائلة، كما يفعل حسين الذي يترك مياه السخان لزوجته الحامل ويستحم هو بالركوة، أو صلاح وزينب اللذين «يضحيان» بمياه السخان لابنتهما المولودة حديثاً «حتى لا تبرد». من جهة ثانية، قد يتسبّب بنزاعات بين الأخوة على مياه السخان التي تتفوّق على المياه التي تسخّن على الغاز.


خطر القمل

إذا قرّرت عائلة أن تشغّل السخان على كهرباء الاشتراك، تحسب حساب كلّ دقيقة لأنها تترجمها دولارات تقتطع على الفاتورة. لذلك، يشغله البعض لوقت قصير فيكون الاستحمام على عجلة، أو يقنّنون في أيام الاستحمام بغية التوفير خاصة عندما تكون العائلة كبيرة. ما يعني أنه مهما كانت الحلول المجترحة، فإنها تقود إلى خطر قلة النظافة: القمل والجرب. وهذا الخطر لم يعد بعيداً…

بعد استمرار الحكة الشديدة، بحثت سيدة في شعر ابنتها و«صعقت» عندما وجدت حشرات سوداء. لم يكن الاعتراف أنها قمل سهلاً خاصة أنها تعيش التجربة لأول مرة، وتخجل أن تطلب من الصيدلي دواء للقمل. تراجع نفسها وتدرك أنها «أخطأت عندما تقشفت في استحمام ابنتها ظناً منها أنه لا يوجد تعرّق في هذا الطقس». ثم تتذكر أن الصابون الذي تشتريه «لا ينتج رغوة كافية لكنني طنّشت ذلك لأنه توفيري».

لا يمكن الحديث عن موجة قمل بعد، علماً أنه يصعب إحصاء الحالات المصابة بالقمل لأن الصورة النمطية ترتبط بالوسخ وقلة النظافة، علماً أن «رأساً مقملاً» واحداً قد ينشر العدوى إلى رؤوس صف بكامله. تقول معلمة في طرابلس إن «الناس تخجل أن تعترف بإصابتها بالقمل، لكننا نلاحظ ذلك في المدارس ولا سيما في صفوف الأولاد».



الحطب بقاعاً: للتدفئة ولتسخين المياه

رامح حمية

لأسابيع خلت، لم يعلُ صوت على صوت مناشير الحطب بين المنازل والأحياء في قرى بعلبك الهرمل وبلداتها، وفي السفوح الشرقية لسلسلة جبال لبنان الغربية، إذ لم يعد هناك سبيل للتدفئة عند آلاف العائلات البقاعية إلا بالحطب، وحتى إن كان أخضرَ صعب الاشتعال. وبعيداً عن عمليات «الحلاقة ع الناشف» للثروة الحرجية وتداعيات ذلك على بيئة المنطقة، ثمّة أمر ثابت أنّ غالبية العائلات اعتمدت الحطب كخيار لا بديل عنه مع ارتفاع سعر مازوت التدفئة، فحجزت دوراً لها عند تجار الحطب وعند الأقارب الذين يملكون مشاعات حرجية، وسارعت إلى تحويل وجاقاتها من المازوت إلى الحطب.

في الحقيقة، لا يمكن الحديث عن فارق كبير في السعر بين طن حطب السنديان وبرميل المازوت. فبعد رفع الدعم عن المازوت وارتفاع سعر البرميل (سعة 200 ليتر) إلى 210 دولارات، ويباع في غالبية محطات المنطقة بسعر 230 دولاراً كسوق سوداء (في ظل غياب الرقابة والمحاسبة)، سجّل سعر طن الحطب في المقابل ارتفاعاً لافتاً من 70 دولاراً إلى 200 دولار للطن الواحد المقطع، وهو سعر قابل للارتفاع كلّما زادت المسافة بين المصدر والمستهلك. على الرغم من ذلك، تفضل العائلات البقاعية الحطب لأنّ «الفترة الزمنية التي يوفرها من ناحية الدفء، يعجز المازوت عنها. فبرميل المازوت يكفي لمدة شهر تقريباً (بمعدل صفيحة واحدة 20 ليتراً كل يومين)، في حين يمكن لـ4 أطنان من الحطب توفير الدفء طيلة خمسة أشهر» بحسب ما يوضح أحمد حمزة لـ«الأخبار».


وجاقات الحطب

ساهم ارتفاع سعر الحطب، مع ازدياد الطلب عليه منذ الصيف الفائت، في ارتفاع أسعار وجاقات الحطب، ما دفع بالعديد من العائلات إلى تحويل وجاقات المازوت إلى حطب، كما يؤكد محمد حمية صاحب محل حدادة إفرنجية. ويلفت إلى أنّ كلفة هذا التغيير «تُراوح بين 10 و30 دولاراً، فيما يكلّف شراء صوبيا جديدة ما لا يقل عن 150 دولاراً».

الأمر لم يقتصر على صوبيا التدفئة، بل امتدّ ليشمل قازان تسخين المياه حيث لجأ عدد كبير من الأهالي إلى اعتماد قازان بصوبيا حطب، بدلاً من المازوت، رغم عدم تقبّل بعض النسوة اعتماد الحطب كمادة للتدفئة «إلا أن الواقع فرض علينا هذا الخيار والوضع الاقتصادي التعيس ودبّرنا الحطبات من شهر أيلول» تقول زينب الضيقة.


قطع جائر

مع بداية عمليات قطع الحطب في المناطق الجردية المتدنية في سفوح السلسلة الغربية، والقريبة من المنازل، وبيعه بسعر لم يتعدَّ الأربعة ملايين ليرة للطن الواحد، كرّت سبحة التجاوزات في أعمال القطع العشوائي في أحراج المنطقة بأكملها وسط إهمال لافت من قبل الدولة والأجهزة الأمنية و«قلة حيلة» في حراك مراكز الأحراج، لجهة عدم توفر الآليات، والتي إن توفرت فلا محروقات لها.

وما يلفت الانتباه أكثر من غيره، أنّ القطع الجائر تسارعت وتيرته مع عدم اقتصاره على أصحاب الشُّعَب والمشاعات (أراض جمهورية وأميرية)، بل وصل إلى حدّ التعديات والسرقات. القطع انتقل إلى المناطق العالية من الجرود، وهي أماكن وعرة جداً، لا يمكن للسيارات والجرارات الزراعية الوصول إليها، فتمّت الاستعانة بالحمير والبغال لنقل الجذوع المقطوعة من التلال العالية إلى الوديان أو الطرقات.

يؤكد أحد تجار الحطب أن أعمال القطع التي يقوم بها «ليست إلا تشحيلاً منظّماً ومدروساً» للحرج الذي يملكه وعائلته، وأن تجارة الحطب في مثل هذه الأماكن العالية ما هي إلا «أشغال شاقة بكلّ ما للكلمة من معنى، مع كلفة كبيرة أدّت الى رفع السعر حتى 8 ملايين ليرة». يشرح الرجل أن معظم تجار الحطب «يعتمدون في الجرود العالية على العنصر البشري في أعمال القطع بمناشير البنزين وتشحيل الجذوع المقطوعة من الأغصان الصغيرة (شحالة) ودحرجتها ونقلها من تلة إلى أخرى وصولاً إلى أماكن يمكن للبغال والحمير أن تصل إليها، لتُنقل مجدداً إلى حيث يمكن للسيارات الرباعية الدفع والجرارات الزراعية الوصول».

أحمد. م. أحد الأشخاص الذين يعملون في نقل جذوع الحطب من التلال العالية مقابل أجر يومي قيمته 500 ألف ليرة. يعترف الرجل الستيني، المتقاعد من قوى الأمن الداخلي، أن العمل متعب جداً «ولكنني مضطر لكي أحقق الدفء لعائلتي. عرض عليّ ابن عمي العمل معه في نقل جذوع الشجر من التلال مقابل 500 ألف يومياً وحصلت على ثلاثة أطنان نتيجة عملي معه مدة 45 يوماً».

ارتفع استيراد سخّانات الغاز من 47 ألف دولار عام 2021 إلى 4 ملايين دولار عام 2022 (الأخبار)
ارتفع استيراد سخّانات الغاز من 47 ألف دولار عام 2021 إلى 4 ملايين دولار عام 2022 (الأخبار)


الحطب بقاعاً للتدفئة ولتسخين المياه
الحطب بقاعاً للتدفئة ولتسخين المياه


تعليقات: