حقّق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا أرباحاً وصلت إلى أكثر من نصف مليار دولار (مع احتساب الفوائد)، عبر شركة تقاضت عمولة على أعمال لم تقم بها، وتعاملت مع زبائن لم يعلموا بوجودها، ومن المؤكد - تبعاً لذلك - أنهم لم يكونوا مصدر أرباحها. هذا ما تؤكده محاضر تحقيق، اطّلعت عليها «الأخبار»، مع رؤساء ثلاثة من أكبر المصارف في لبنان، قالوا إنهم لم يتعاملوا يوماً مع هذه الشركة - الشبح، ولم يعتمدوا يوماً أي «كومسيونجية» في معاملاتهم مع مصرف لبنان. وعليه، إن لم يكن من المال العام وأموال المودعين، من أين أتى مبلغ الـ 326 مليون دولار التي حُوّلت إلى حسابات الشركة في سويسرا عبر معاملات مصرفية مصدرها مصرف لبنان؟
متاهة «الكومسيونجي» رياض سلامة
وفيق قانصوه
«الأخبار» تنشر محاضر استجواب رؤساء مصارف
330 مليون دولار من أموال المودعين على أعمال لم تُنفّذ
أموال شركة «فوري» لم تأت من عمولات المصارف
حقّق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا أرباحاً وصلت إلى أكثر من نصف مليار دولار (مع احتساب الفوائد)، عبر شركة تقاضت عمولة على أعمال لم تقم بها، وتعاملت مع زبائن لم يعلموا بوجودها، ومن المؤكد - تبعاً لذلك - أنهم لم يكونوا مصدر أرباحها. هذا ما تؤكده محاضر تحقيق، اطّلعت عليها «الأخبار»، مع رؤساء ثلاثة من أكبر المصارف في لبنان، قالوا إنهم لم يتعاملوا يوماً مع هذه الشركة - الشبح، ولم يعتمدوا يوماً أي «كومسيونجية» في معاملاتهم مع مصرف لبنان. وعليه، إن لم يكن من المال العام وأموال المودعين، من أين أتى مبلغ الـ 326 مليون دولار التي حُوّلت إلى حسابات الشركة في سويسرا عبر معاملات مصرفية مصدرها مصرف لبنان؟
يتمحور التحقيق الذي تجريه الوفود القضائية الأوروبية في لبنان حالياً، كما التحقيقات التي أجراها القضاء اللبناني، حول شركة «فوري» (Forry associates Ltd) التي أطلقت شرارة الاشتباه في ضلوع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا في عمليات اختلاس وتبييض أموال وإثراء غير مشروع. في إفادته أمام المحامي العام المالي جان طنوس في الخامس من آب 2021، أقرّ الحاكم بأنه وقّع عام 2002 عقداً مع الشركة لتقديم خدمات مالية متصلة بإدارة سندات الدين اللبنانية بالعملات الأجنبية، مقابل عمولة.
بعيداً عن الشبهات التي تحيط بتأسيس «فوري» لجهة عدم حيازتها رخصة من مصرف لبنان للقيام بأعمال الوساطة المالية، ما يعدّ مخالفة قانونية، ولجهة وجود نسختين مختلفتين من العقد الموقع معها، حاجج محامو سلامة، أمام الادعاءات الأوروبية عليه بتهمة الاختلاس، بأن عمل «فوري» كان ينحصر، ببساطة، في الإتيان بـ«زبون» لشراء سندات الخزينة من مصرف لبنان، على أن تتقاضى عمولتها من «الزبون» لا من المصرف المركزي. فأين الاختلاس؟ أكثر من ذلك، نفى سلامة في التحقيق معه «أن يكون على اطلاع على أي تفاصيل حول كلفة العمولة بين المصارف والوسطاء لأن هذا الأمر شأن خاص بينهم».
«الوسطاء»، هنا، هم الشركة المسؤولة عن خروج أكثر من 326 مليون دولار من مصرف لبنان إلى حسابات الأخوين سلامة. لكن المفارقة أن كل «الزبائن» المعنيين بعملها يدّعون أنهم لم يعلموا بوجودها من أساسه. ففي الاستجواب الذي أجراه طنوس في 2/11/2021 لثلاثة من رؤساء مجالس إدارات المصارف الكبرى في لبنان، والتي يُفترض أنها معنية بعمل الشركة وتملك حسابات لرجا سلامة، زعم هؤلاء أنهم لم يعملوا يوماً مع «فوري»، وبعضهم لم يسمع بها حتى، ولا يعرف رجا سلامة! تماماً كما سبق أن أكّد أعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان أمام القضاء أنهم «لم يسمعوا» بهذه الشركة.
رئيسة مجلس إدارة «بنك ميد» ريا الحسن شدّدت أمام طنوس على أن بنك البحر المتوسط «لم يتعامل يوماً مع شركة فوري لإجراء أي عملية على أوراق مالية حسب علمي»، بل أكثر من ذلك، «لم يتعاقد البنك يوماً مع أي وسيط». وأكّدت أنها منذ أن تولت مهامها في المصرف «لم أجتمع يوماً برجا سلامة لإجراء عمليات مالية بين المصرف ومصرف لبنان». وفي السياق نفسه أيضاً، صبّت أقوال رئيس مجلس إدارة بنك الاعتماد اللبناني جوزف طربيه. إذ أكد أنه «لم أتعامل يوماً مع شركة فوري، ولم يسبق أن سمعت بها قبل بروز اسمها في الإعلام»، مشيراً إلى أن «بنك الاعتماد اللبناني يتعامل مباشرة مع مصرف لبنان، ولا علم لديّ بأن هناك وسيطاً خارجياً بين الاعتماد ومصرف لبنان». فيما كان رئيس مجلس إدارة بنك عوده سمير حنا حاسماً بأن البنك «لا يتعامل مع كومسيونجية»، و«لا يتعامل مع مصرف لبنان عبر وسطاء»، و«سمعت بشركة فوري للمرة الأولى عند ظهور قضية التحويلات السويسرية في الإعلام».
كيف تمكنت الشركة - الشبح، إذاً، من تقاضي 326 مليون دولار عمولة على أعمال نفّذتها لمصلحة زبائن لم يسمعوا بها؟ وهل كان الحاكم ومساعدوه ومحاموه يلعبون «مونوبولي» وينفّذون أعمال الشركة «على الورق» ويتقاضون العمولة من دون معرفة «الزبائن»، وهو ما يتساوق مع ادعاءات الادعاء العام السويسري بأن «فوري» شركة وهمية استغلها سلامة للحصول على أموال مصرف لبنان؟
قد يكون هذا صحيحاً، لكن ليس من الضروري أن يكون كل ما أدلى به المصرفيون الثلاثة صحيحاً. هل يمكن تصديق، مثلاً، أن طربيه، الرئيس السابق لجمعية المصارف، تجمعه بشقيق حاكم مصرف لبنان «معرفة اجتماعية لا علاقة لها أبداً بالأعمال المصرفية»، إلى درجة «أنني لم أكن أعلم أنه أحد زبائن بنك الاعتماد اللبناني»، و«لم أعرف يوماً بالتحقيق معه حول أي تحويلات مالية وصلت الى حسابه من سويسرا». وبالمثل، قالت الحسن إنها لا تعرف رجا سلامة الذي التقت به «صدفة في أحد المؤتمرات... ولا أعرف القطاع الذي يعمل فيه». فيما تعود معرفة حنا به إلى «أربع سنوات مضت... ولم يسبق أن أثار معي أي مسألة تتعلق بسندات خزينة أو بسندات يوروبوندز أو بإيداعات لدى مصرف لبنان».
المصرفيون الثلاثة أجمعوا على أن مصارفهم تلتزم أعلى معايير الشفافية والأمان ومبدأ «اعرف عميلك» (KYC). وأكدت الحسن أن «بنك ميد يلزم جميع عملائه تعبئة استمارة اعرف عميلك ومعرفة مصادر دخله». وقال طربيه إن بنك الاعتماد «أول المصارف» التي اعتمدت هذه الاستمارة التي «يجب على جميع الزبائن تعبئتها بكاملها بما فيها مصادر الدخل». رغم ذلك، لا يعرف أحد «عميلاً»، هو شقيق للحاكم ويتعامل بعشرات ملايين الدولارات. فيقول أحد الثلاثة إنه لم يعرف أنه من زبائن مصرفه، وتقول أخرى إنها لم تكن تعرف مجال عمله، في زمن كانت فيه المصارف تبعث برسائل معايدة لزبائنها في أعياد ميلادهم، قبل أن تحوّلهم متسوّلين على أبوابها.
الشركة - الشبح
في 20 أيلول 2001 أسس رجا سلامة شركة «فوري» التي يُعتقد إلى حد كبير أنها واجهة لأعمال الأخوين سلامة. تاريخ التأسيس، هنا، له دلالته. إذ «صادف» بعد شهور قليلة على انعقاد مؤتمر «باريس 1» في العاصمة الفرنسية. ما العلاقة بين الأمرين؟
كان الاقتصاد اللبناني قد دخل عام 2000 مرحلة انكماش. زاد العجز المالي وارتفع الدين العام إلى 151% من حجم الناتج المحلي. في تشرين الثاني من ذلك العام، شكّل رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري حكومته الرابعة، ووضع برنامجاً «إصلاحياً» لوضع حد لتزايد الدين العام. لجأ الحريري إلى صديقه الرئيس جاك شيراك لعقد اجتماع دولي للهيئات المانحة لدعم لبنان. وبالفعل، عُقد مؤتمر «باريس 1»، في 27 شباط 2001 في قصر الإليزيه، في حضور رئيس البنك الدولي ورئيس المفوضية الأوروبية ونائب رئيس البنك الأوروبي للاستثمار، لمناقشة «الاستراتيجية الاقتصادية الجديدة للحكومة اللبنانية». انتهى المؤتمر بتعهد المجتمع الدولي بتقديم 500 مليون يورو للبنان على شكل مساعدات وقروض ميسرة كمساعدة أولية، واتفق على تنظيم مؤتمر موسّع في 23 تشرين الثاني 2002 بمشاركة عدد من الدول المانحة، وبدأ تحضير جدول أعمال المؤتمر وفقاً لشروط مالية واقتصادية ومصرفية طلبها المانحون المفترضون.
اقترح سلامة على الحريري وشيراك طرح سندات خزينة وأسس شركة لتقاضي عمولات مقابل بيع السندات
كان واضحاً أن «استراتيجية الحكومة» لم تلق قبولاً، وأن على لبنان أن يبذل جهداً أكبر قبل موعد «باريس 2». مارس الأميركيون والفرنسيون ضغوطاً كبيرة، واستضاف الإليزيه اجتماعات عدة للبحث في ما يمكن للبنان أن يقدّمه. واحد من هذه الاجتماعات ساده جو من التوتر هدّد بعدم انعقاد النسخة الثانية من المؤتمر. عن هذا الاجتماع تحديداً، يروي رياض سلامة في وثائقي «الحاكم بأمر الليرة» (أعدّه الصحافي جورج غانم) الآتي: «كان السؤال: لماذا نعطي لبنان قروضاً بفوائد مخففة من دون أن يبذل اللبنانيون أي جهد؟ توتر الجو في قصر الإليزيه بشكل كبير إلى حد التلويح بعدم عقد باريس 2. هنا، اقترحت على الموجودين خطة تقوم على اكتتاب المصارف في سندات الخزينة بأربعة مليارات دولار، ما يساوي 10 في المئة من ودائعها، لمدة سنتين بفائدة صفر في المئة، الأمر الذي يوفّر خدمة دين على لبنان. إذ كانت الفائدة آنذاك 13%».
لقيت «خطة» سلامة قبولاً من مختلف الأطراف. انعقد «باريس 2»، وحصل لبنان على وعود مالية بقيمة 4.4 مليارات دولار؛ منها 1.3 مليار دولار لتنفيذ مشروعات إنمائية و3.1 مليارات دولار قروضاً وتسهيلات بفائدة 5% استخدمت في استبدال دين مرتفع الكلفة (13%). وفي كانون الأول 2002، أبلغت جمعية المصارف برئاسة جوزف طربيه الحاكم موافقتها على الاكتتاب بسندات الخزينة بنسبة 10% من الودائع.
أين «فوري» من كل هذا؟
بين باريس 1 و2، وهي الفترة التي كانت خطة الاكتتاب في سندات الخزينة تختمر في رأس الحاكم، أسّس رجا سلامة «فوري» (20 أيلول 2001) التي وقّعت مع مصرف لبنان (6 نيسان 2002)، بشخص حاكمه، عقداً نصّ على تقاضيها عمولة قدرها 0.375% عن العمليات المالية التي تجريها لمصلحة المصارف، بما فيها بيع سندات الخزينة، أي تلك التي اقترح سلامة نفسه الاكتتاب فيها! وفتحت الشركة عام 2001 حساباً في مصرف HSBC في سويسرا صاحب الحق الاقتصادي فيه رجا سلامة. تم تبرير الأموال المحوّلة إلى هذا الحساب بأنها «عمولة وسيط لطرح سندات خزينة لمصلحة مصرف لبنان الوطني» (Broker commission for placing treasury bills for the Lebanese National Bank). بين 2002 و2014، تلقى هذا الحساب أكثر من 326 مليون دولار في 310 معاملات مصرفية مصدرها مصرف لبنان. وحوّلت منه 207 ملايين دولار الى حسابات في لبنان لدى بنك مصر وبنك سارادار... وكل من بنك البحر المتوسط والاعتماد اللبناني وعوده.
أكّد رؤساء المصارف أنهم لم يتعاملوا مع مصرف لبنان عبر أي وسيط و«لم نسمع يوماً بشركة فوري»
هذه المصارف الثلاثة قال رؤساء مجالس إدارتها، أمام القاضي طنوس، إن كل التحويلات فيها تتم عبر مستندات وفقاً للأصول. الحسن، مثلاً، أكدت أن بنك البحر المتوسط «يقوم بالتأكد من هوية مصدر التحويل المالي لأيّ زبون لديه، ويطلب مستنداً خطياً عن سبب التحويل، ولا يتم إجراء التحويل إلا بعد ورود هذا المستند. والأمر عينه بالنسبة إلى التحويلات الصادرة من حسابات الزبائن». فيما قال طربيه إنه «في حال أراد أي زبون في بنك الاعتماد اللبناني إجراء تحويل مصرفي غير اعتيادي، يُطلب منه ذكر سبب التمويل والمستندات التي تثبت هذا السبب». اللافت في أقوال طربيه هو اندفاعه الزائد عندما أشار إلى أنه عندما ترأس جمعية المصارف «جعل من الشفافية في المصرف معركتي الخاصة»، وهو «إنجاز» يلمس كل المودعين نتائجه اليوم. أضف إلى ذلك اعتزازه بأنه قاد «بنجاح إدخال القطاع المصرفي ضمن النظم التي أقرّتها الولايات المتحدة الأميركية لمكافحة تبييض الأموال والتهرب الضريبي وتمويل الإرهاب»، وهو «إنجاز» آخر كشف داتا حسابات اللبنانيين أمام الأميركيين وأدى إلى إقفال مصارف بأمر من واشنطن!
السؤال: هل تعدّ المبالغ الضخمة التي حُوّلت من HSBC في سويسرا إلى المصارف اللبنانية «تحويلات غير اعتيادية» بما يسترعي الانتباه ويثير الريبة ويخدش الشفافية؟ السؤال الأهم: ألا ينبغي على مصارف تتبجّح باعتمادها الشفافية والمعايير الدولية، إذا ما وقع شك في حدوث «تحويلات غير اعتيادية» أو عمليات تبييض أموال وإثراء غير مشروع، أن تكشف للقضاء حسابات المشتبه في قيامهم بذلك بدل التسلح بالسرية المصرفية؟
كل ما سبق يمكن إيجازه بالآتي: وضع سلامة خطة اكتتاب المصارف في سندات الخزينة بأربعة مليارات دولار، وأسس شقيقه شركة تعاقدت مع مصرف لبنان لتقاضي عمولة على بيع هذه السندات للمصارف.
باختصار أكثر: كلما كانت الدولة تستدين كانت أرقام ثروة الأخوين سلامة تزداد أصفاراً.
هل يشمل التحقيق الهندسات المالية؟
مع بدء الوفود القضائية الأوروبية تحقيقاتها في بيروت، في ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في شأن تحويلات مالية تحوم حولها شبهات الفساد وتبييض الأموال. ويفترض أن تستمر التحقيقات أسبوعين، من دون حسم الأمر الأهم في شأن ما إذا كان سلامة سيمثل أمام هؤلاء، وسط معلومات روّجتها أوساط قريبة منه بأنه «ليس مضطراً للحضور لأنه سبق له أن أجاب على أسئلة المحققين في لبنان وراسل الجهات القضائية في أوروبا».
بحسب معلومات «الأخبار»، سبق أن تلقى لبنان معطيات من القضاء الأوروبي لم يجر اعتمادها كعناصر حاسمة في مسار التحقيقات التي توقفت في أيار الماضي بعد إحالة القاضي جان طنوس الملف إلى المدعي العام التمييزي غسان عويدات الذي لم يجد قاضياً يدّعي على سلامة. لذلك، يصر الجانب الأوروبي على الحصول على نسخة عن معطيات التحقيق اللبناني، وعلى التدقيق في هذه المعطيات مباشرة في بيروت، وعلى إجراء تحقيقات موازية من دون مناقشة العناصر الجرمية أو الأدلة مع الجانب اللبناني. كذلك يطالب الوفد القضائي الألماني تحديداً بالحصول على نسخة كاملة من كشوفات حسابات رجا سلامة التي سلمتها المصارف إلى النيابة العامة بواسطة مصرف لبنان، وهي عبارة عن ملف من آلاف الأوراق لم يتضح أن الأوروبيين حصلوا عليه بعد، رغم تأكيد جهات أمنية رفيعة بأن الملف سُرّب بطريقة غير رسمية.
الوفد الفرنسي، من جهته، يبدي اهتمامه بإجراء تحقيقات مباشرة مع عدد من الشهود والمشتبه فيهم خصوصاً في ما يتعلق بعمل شركة «فوري». وفي هذا السياق، كشفت مصادر مطلعة أن حاكم مصرف لبنان أرسل إلى قاضية التحقيق الفرنسية أود بورسي ملفاً ضمّنه «مستندات» تنفي عنه شبهة الاختلاس، ويبرر الزيادة التي طرأت على ثروته الشخصية. فأشار إلى عمله السابق في شركة «ميريل لينش» للأوراق المالية قبل تسلّمه منصبه، وأشار إلى أنه نظّم عام 1987 عقد عمل مع أديب ج.، بواسطة المحامي اللبناني ج. ش. أ، يؤمن أديب ج. بموجبه زبائن لسلامة مقابل 15% من العمولة التي كان الأخير يحصل عليها من العمليات التي كان ينفّذها لمصلحة «ميريل لينش». وأضاف أنه فتح لهذه الغاية ثلاثة حسابات في بنك الموارد أُقفلت عام 2019. وبحسب الرواية، قدّم سلامة تفاصيل حول ارتفاع قيمة عمولات العمليات المالية، وأرفق ذلك بكشف حساب من بنك الموارد نفسه (تلقى التحقيق اللبناني نسخة منه) يفيد بحركة الحسابات ويشرح كيفية نمو الرصيد إلى نحو 150 مليون دولار خلال أقل من 15 سنة.
المصادر أشارت إلى أن الجانب الأوروبي تعامل مع رسائل سلامة بكثير من الحذر، قبل أن يتثبّت من أن الحاكم يعمد إلى تضليل التحقيق، خصوصاً بعدما تبيّن وجود حسابات لسلامة وشركاه في مصارف عالمية في عدة دول أوروبية، وأن هناك حركة أموال من لبنان وإليه لم يُعرف أين انتهى مصيرها.
وفي ما يتعلق بطلب الاستماع إلى ممثلين عن 13 مصرفاً لبنانياً، أشارت المصادر إلى أن الجانب الفرنسي يريد التثبت مباشرة مما أدلى به هؤلاء في التحقيقات اللبنانية، مع إشارة إلى أن التحقيقات الأوروبية قد توجب العودة إلى عملية الهندسات المالية التي جرت في العام 2016، حيث توجد شكوك لدى القضاء الأوروبي بأن سلامة ومقربين منه حصلوا على نحو نصف مليار دولار عبر هذه الهندسات.
وقد استهلت الوفود الأوروبية مهمتها باجتماع عقدته مع النائب العام التمييزي غسان عويدات، بحضور المحاميين العامين التمييزيين القاضيين عماد قبلان وميرنا كلاس، قبل أن تنتقل إلى القاعة العامة لمحكمة التمييز وتباشر الاستجواب داخلها، وسط إجراءات أمنية مشددة فرضتها قوى الأمن الداخلي في أرجاء قصر العدل، خصوصاً في الطابق الرابع وأمام القاعة العامة لمحكمة التمييز.
خير الدين وجشّي أمام المحققين
واستمعت الوفود الأوروبية أمس إلى إفادة النائب السابق لحاكم مصرف لبنان سعد العنداري بصفة شاهد لمدة ساعتين ونصف ساعة، فيما تغيب الشاهد الثاني الموظف السابق في هيئة الرقابة على المصارف خليل آصاف وقدّم عذراً طبياً. ويتوقع الاستماع اليوم إلى رئيس مجلس إدارة بنك الموارد مروان خير الدين ونائب الحاكم السابق أحمد جشي فيما اعتذر شاهد ثالث لوفاة قريب، وذلك من لائحة شهود تضم ١٢ اسماً يُفترض الانتهاء من الاستماع إلى إفاداتهم في 20 الجاري، ليعقد اجتماعٌ تقييمي وتحديد موعد المرحلة الثانية.
شكوك لدى القضاء الأوروبي بأن سلامة ومقربين منه حصلوا على نحو نصف مليار دولار من الهندسات
وينقسم الملف إلى قسمين: الاول للاستماع لإفادات الشهود تتولاه القاضية ميرنا كلّاس بحضور قضاة لبنانيين بينهم القاضي عماد قبلان الذي يتولى مهمة الترجمة إن استلزم الأمر. والثاني للاطلاع على ملف رياض سلامة الذي يضم أكثر من 10 آلاف ورقة وُضعت في أربعة صناديق من الكرتون. وفي هذا القسم يعمل مدعيان عامان ألمانيان يرافقهما محققان مساعدان، انقسما إلى فريقين يحضر أحدهما إلى مكتب المحامي العام الاستئنافي في بيروت رجا حاموش للاطلاع على الأوراق ويمكثان من الثامنة صباحاً حتى الثالثة بعد الظهر لتدوين ملاحظات حول المستندات التي ينوون التقدم بطلب الحصول عليها، فيما يستمع الفريق الثاني إلى إفادات الشهود. وعلمت «الأخبار» أنّ اسم رياض سلامة وشقيقه ليسا من ضمن الأسماء التي سيُستمع اليها. وكشفت مصادر قضائية أنّه تبعاً لمعاهدة مكافحة الفساد لعام ٢٠٠٣ والتي صدّق عليها لبنان عام ٢٠٠٨ ، لا يوجد ما يمنع الوفد القضائي الأوروبي من الحصول على المستندات التي يُريدها، لكنّ المعاهدة تتضمن أنه يحق للبنان تحديد المستندات التي يمكنهم استخدامها. وعن سبب اشتراط حاموش الاطلاع على المستندات في مكتبه وبحضوره، تشير المصادر القضائية إلى أنه «قرار معنوي مرتبط بالحفاظ على ما تبقى من سيادة». وبناء على ذلك، تؤكد المصادر أنّ القضاء اللبناني سيوافق على طلب الوفد الأوروبي الحصول على نسخ لقسم من المستندات الخاصة بملف سلامة وشقيقه رجا وكشوف الحسابات المصرفية العائدة للأخير.
مسار «غسل الأموال» من الحمرا إلى سويسرا
نشرت صحيفة «ذي ناشيونال» الإماراتية الصادرة بالإنكليزية، أمس، خريطة تحدّد «المسار المتشابك» للتدفقات المالية من حساب في مصرف لبنان المركزي إلى حسابات شركة «فوري»، استناداً إلى «ملفات قضائية أوروبية» تمكنت من الاطّلاع عليها.
وتحت عنوان «تتبّع عملية غسل الأموال في حسابات رياض سلامة السويسرية»، كتبت الصحيفة أن المدّعين الأوروبيين في بلجيكا وفرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وليختنشتاين وسويسرا، يحققون في تحويلات تزيد على 330 مليون دولار يُزعم اختلاسها من مصرف لبنان، من خلال عقد مُنح إلى شركة «فوري» المملوكة من رجا سلامة.
وبموجب عقد وساطة جرى توقيعه بين «فوري» ومصرف لبنان عام 2002، دفعت المصارف والمؤسسات المالية عمولات للشركة «عن غير قصد» في كل مرة كانت تشتري أو تبيع أدوات استثمار من مصرف لبنان، بما في ذلك شهادات الإيداع وسندات اليوروبوند وسندات الخزينة.
ويعتقد المحققون الأوروبيون أن «فوري»، المسجّلة في جزر العذراء، شركة صورية استخدمت في تحويل الأموال المختلسة من لبنان إلى أوروبا.
وجاء في قرار الحجز على ممتلكات سلامة الذي أصدرته قاضية التحقيق الفرنسية أود بورسي واطلعت عليه الصحيفة أن العمولات التي تقاضتها الشركة «لا تترافق مع أي خدمة حقيقية أدّتها فوري»، وقد «انتفع منها رياض سلامة وأقاربه من دون علم ربّ عمله، مصرف لبنان». وأشار إلى أن الأموال مرت بـ«عمليات تكديس متتالية» عبر أشخاص مختلفين ودول متعددة، «لإخفاء مصدر الأموال»، ما يعدّ بمثابة «عملية غسل».
وأشار «مخطط تتبّع الأموال» الذي وضعه المحققون إلى أن الأموال حُوّلت من حساب في مصرف لبنان حيث يُفترض أنه تم دفع العمولات إلى حساب «فوري» في سويسرا. من هناك، اتّبعت الأموال مساراً معقداً من خلال حسابات مصرفية في عدد من البلدان، بما فيها لبنان وسويسرا ولوكسمبورغ وقبرص، لتنتهي أخيراً في حوزة رجا أو رياض سلامة وأدواتهما الاستثمارية في لوكسمبورغ. وبحسب قرار الحجز الفرنسي، «كان رجا سلامة المستفيد الرئيسي من هذه العمليات، إذ تلقّى حسابه الشخصي في سويسرا أكثر من 204 ملايين دولار بين عامَي 2002 و2016».
المستفيد الرئيسي الآخر هو رياض سلامة وشركات «أوفشور» مسجّلة باسمه في الخارج، تلقت حوالي 26.2 مليون دولار و9.2 ملايين يورو و5.3 ملايين فرنك سويسري. وتم تحويل الأموال مباشرة من حساب «فوري»، أو بشكل غير مباشر من الحساب الشخصي لرجا سلامة في سويسرا.
ومن بين المستفيدين المهمين الآخرين آنا كوزاكوفا، شريكة رياض سلامة ووالدة ابنته، والتي اتهمتها القاضية الفرنسية في تموز الماضي بارتكاب جرائم مالية في القضية، وبأن شركتها التي تحمل اسماً مشابهاً هو «فوري» (Forri)، تلقّت 1.3 مليون دولار و183 ألف يورو مباشرة من «فوري» (Forry) المملوكة من رجا سلامة «من دون مبرر اقتصادي».
ونقلت «ذي ناشيونال» عن قرار الحجز الفرنسي أن الجزء الأكبر من العمولات، أي أكثر من 220 مليون دولار، حُوّلت من «فوري» إلى حساب رجا سلامة في سويسرا، ثم إلى حساباته في لبنان. وبمجرد وصول الأموال إلى لبنان، أصبح من الصعب تتبعها. إذ لم يتمكن المحققون الأوروبيون من الوصول إلى البيانات بسبب قوانين السرية المصرفية التي لا يمكن رفعها إلا من قبل لجنة التحقيق الخاصة التي يرأسها رياض سلامة نفسه.
وكتبت القاضية الفرنسية في الوثيقة «يبدو من الصعب، بل من المستحيل، الحصول من المصارف اللبنانية على معلومات حول حسابات رياض ورجا سلامة».
قاضية التحقيق الفرنسية: انتفع رياض سلامة وأقاربه من عمولات «فوري» عبر «مسار متشابك» لإخفاء مصدر الأموال
مع ذلك، تمكن المحققون الأوروبيون من تتبع جزء من التدفق المالي من لبنان إلى العقارات في أوروبا، بناءً على معلومات قدمها القضاء في لوكسمبورغ.
وكتبت بورسي في قرار الحجز أنه بينما كان رجا سلامة ينقل عمولات «فوري» إلى حساباته اللبنانية، «كان رياض سلامة يحوّل بشكل متزامن الأموال... من حساباته اللبنانية إلى حسابات شخصية في لوكسمبورغ وحسابات شركات كان أو لا يزال هو المالك المستفيد منها».
ومن هناك، حُوّلت الأموال إلى عدد من شركات الاستثمار العقاري في دول أوروبية مختلفة، واستخدمت لشراء عقارات فخمة في فرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة وألمانيا. وتضمّن قرار القاضية الفرنسية أنه «خلال فترة عمل فوري، تملّك رياض سلامة أصولاً عقارية كبيرة، ولا سيما في فرنسا والمملكة المتحدة وبلجيكا وألمانيا، تم تمويلها من خلال شركات كان أو لا يزال المستفيد الفعلي منها».
وكتبت الصحيفة أنه رغم أن الجزء الأكبر من أموال الشركة حُوّل عبر لبنان، حيث يصعب تعقبها بسبب السرية المصرفية وعدم تعاون السلطات المحلية، تمكن المحققون الأوروبيون من العثور على تحويلات مالية من حسابات «فوري» مباشرة، لم تمرّ عبر لبنان، إلى شركات عقارية وشركات سيارات يملكها رياض سلامة في لوكسمبورغ. وقد تم تجميد معظم هذه الممتلكات والحسابات، كجزء من التحقيق المشترك الذي تجريه السلطات القضائية في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ.
«مخطط تتبّع الأموال» الذي وضعه المحققون
تعليقات: