عشوائية في فرض الأسعار (المدن)
مع دخول قانون رفع تسعيرة الدولار الجمركي حيز التنفيذ، بدأ المواطنون يشعرون بانعكاساته، من خلال فوضى الأسعار التي عمت كافة السلع الاستهلاكية، بما فيها الغذائية، والتي قد تكون بعيدة نسبياً عن مفاعيل القرار.
سعت الحكومة إلى رفع سعر الدولار الجمركي من 1500 ليرة إلى 15 ألف ليرة، أي نحو 10 أضعاف، في محاولة منها للحصول على المزيد من الإيرادات الضريبية، وتمويل العجز في الخزينة من جهة، والمساعدة في دعم الصناعة اللبنانية من جهة أخرى، حسب ما كشفته الحكومة نهاية 2022. لكن هذه العناوين ماهي إلا واجهة لتكبد المواطن المزيد من الأعباء، بسبب فشل الحكومات في وقف الانهيار المالي.
الأسعار المخيفة
شهدت أسعار السلع الاستهلاكية -التي تهم شريحة كبيرة من الناس- ارتفاعات غير مدروسة، حسب ما تصفه منى حمزة (ربة أسرة)، تقول لـ"المدن"": منذ نهاية العام الماضي بدأت الأسعار بالارتفاع تدريجياً. وفي كل مرة، يعزو التاجر الزيادة في الأسعار إلى ارتفاع سعر الدولار الجمركي، وكأننا في حلقة لا تنتهي من مسلسل ارتفاع الأسعار". حسب حمزة، في نهاية 2022 ارتفع سعر مرطبان الصلصة المستوردة من 48 ألف ليرة إلى 65 ألف ليرة، فيما وصل سعره في شهر كانون الثاني إلى 90 ألف ليرة، الأمر الذي لم يعد واضحاً عن كيفية احتساب الدولار الجمركي.
وفق معادلة وزارة الاقتصاد، سيتم رفع الدولار الجمركي بمعدل 15 ألف ليرة على السلع المستوردة بدلاً من 1500 ليرة. فعلى سبيل المثال، في حال كان يباع صندوق الصلصة (12 عبوة) بسعر 20 دولاراً أو 900 ألف ليرة تقريبياً (على أساس سعر الصرف 45 ألف ليرة)، ويضاف إليه دولار واحد أي 1500 ليرة، فيصبح 21 دولاراً، ويتم تقسيم المبلغ على عدد عبوات الصلصة. بعد إقرار الدولار الجمركي، يزداد نحو 15 ألف ليرة على صندوق الصلصة، فيصبح السعر على (915 ألف ليرة)، أي العبوة الواحدة 76 ألف ليرة.
في الأسواق، لا يلتزم التجار بهذه المعادلة، ولا يلتزمون بالاتفاقيات التي تم توقيعها بين لبنان وبعض الدول العربية، القائمة على أساس عدم فرض أي جمارك على السلع المستوردة، وتحديداً السلع الغذائية.
فبعد جولة على الأسواق، نلاحظ "عشوائية" في فرض الأسعار. فقد ارتفع سعر "الزبدة" المستوردة بنحو 16 في المئة. أي أعلى من ما كان مفروضاً أن يرتفع بسبب الدولار الجمركي. فمنذ نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي، كان السعر لا يتخطى 120 ألفاً (الحجم الصغير)، ارتفع السعر بمعدل 20 ألف ليرة، ووصل إلى 140 ألف ليرة. فيما ارتفع سعر مرطبان "النوتيلا" (200 غرام) على سبيل المثال منذ نهاية العام الماضي من 170 ألفاً إلى 200 ألف ليرة. أما أسعار مواد التنظيف المستوردة على غرار مساحيق الغسيل، فزاد سعرها بمعدل 10 في المئة.
هيئات ترحب
يستغرب نبيل فهد، عضو مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، ارتفاع الأسعار بهذا الشكل. يقول لـ"المدن": عند دراسة رفع سعر الدولار الجمركي، وجدنا كهيئات اقتصادية، بأن السلع الاستهلاكية لن تتأثر، خصوصاً وأن السلة الغذائية لا تخضع لفرض رسوم جمركية مرتفعة، وهي عند حدها الأقصى تصل إلى 5 في المئة". ويضيف: "حتى أن العديد من السلع المستوردة من الدول العربية تحديداً، بحكم اتفاقيات التجارة الموقعه بين لبنان وهذه الدول، هي معفاة أصلاً من الجمارك، وبالتالي، فإن السلة الغذائية، لن تتأثر، على عكس السلع الفاخرة والتي ستشهد ارتفاعاً في أسعارها".
وفق فهد، فإن دراسة تابعة لوزارة المالية، وجدت أن أسعار السلع الغذائية، وفيما لو رفع الدولار الجمركي إلى 20 ألفاً، لن تصل تأثيراتها لأكثر من 4 في المئة، ما يعني أن رفع الدولار الجمركي إلى 15 ألف ليرة، لن تصل تأثيراته إلى أكثر من 3 في المئة.
يشير فهد، إلى أن أسعار المشروبات الروحية، أو المفروشات والأثاث، وغيرها من السلع الفاخرة، قد يتم رفع أسعارها بشكل لافت، وهو ما يؤثر على المستهلكين.
في وقت يسجل لبنان أعلى مستويات التضخم في أسعار السلع والمواد الغذائية في العالم، وفق تقارير البنك الدولي، فضلاً عن ارتفاعات قياسية في التكاليف المعيشية وأسعار الخدمات، فإن أي زيادة سواء أكانت على شكل ضرائب أو رسوم على كاهل المواطنين، ستؤدي إلى تفاقم المشكلة الاقتصادية، ودفع المزيد من اللبنانيين إلى الفقر المدقع.
تعليقات: