شهدت نهاية الأسبوع الماضي سجالاً بين المستأجرين القدامى والمالكين على خلفية قرب انتهاء مدة التسع سنوات التي أتاحها قانون الإيجارات الصادر عام 2014، للمستأجرين لكي يرتبوا أوضاعهم بعد إنشاء صندوق لدعمهم. وبينما تبقى هذه القضية قيد التجاذب، في ظلّ وجود 12 ألف طلب مقدّم إلى الصندوق للبتّ في أمرها قضائياً، لا يبدو أن قانون العقود الحرّة، القائم على تجديد العقد كل ثلاث سنوات، أكثر إنصافاً في ظلّ الأزمة الحالية
تعيش الكثير من الأسر تحت وطأة تأمين مبلغ الأجرة للبقاء في المنزل، لأن البحث عن خيارات أخرى لا يقلّ سوءاً، بما أنّ العثور على شقة للإيجار بسعر مقبول بات أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش. فاقم هذا الواقع أن الكثير من عقود الإيجارات الحرّة، التي حُرّرت سنة 2020، لمدة ثلاث سنوات انتهت مدتها، وبات تجديد العقد عند الكثيرين يعني الدفع بالدولار، أو ما يوازيه بحسب دولار السوق الموازية أو تغيير المستأجرين. فقد عمد الملاك إلى ضبط سعر التأجير بالدولار، فيما لا تزال غالبية اللبنانيين من الموظفين تتقاضى رواتبها بالليرة اللبنانية المنهارة، وصارت أجرة بيت صغير بقيمة 100 دولار (إذا وُجد) تتجاوز راتب موظف فئة أولى في الدولة.
سيف ذو حدّين
«السمسرة ماشية والفلتان سيد الموقف» يقول رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين كاسترو عبدالله واصفاً واقع الإيجارات اليوم. يرى أن هناك من يتدبر أمره، «لكن غالباً ما يكون المستأجرون أكثر الناس فقراً، إما عمالاً أو موظفين في القطاع العام وحتى الخاص، أو جاؤوا بالهجرة الداخلية أو في السلك العسكري ومنهم الكثيرون يعانون من البطالة».
ورغم أن لجنة المؤشر «أقرّت أخيراً زيادات على الأجور والتقديمات الاجتماعية في القطاع الخاص، ليصبح المبلغ المصرّح عنه للضمان الاجتماعي 4 ملايين ونصف مليون، إلا أنه لا يكفي لتسديد بدل الإيجار، خصوصاً أن المواطن لم يدفع بعد اشتراك الكهرباء ولا المواصلات ولا الطبابة ولا حتى الطعام». واصفاً ما يحصل بـ«الأزمة الوطنية التي تغيب فيها الدولة ويغيب فيها القضاء، ولا تُسجل الشكاوى لدى النيابة العامة. وكل ذلك له انعكاساته الكارثية على الزواج والعنف الأسري ورفع معدلات الطلاق...».
عبدالله لا ينكر أن أصحاب الملك يعانون أيضاً «فهم أيضاً يعتاشون من تأجير أملاكهم، ما يجعل المسألة سيفاً ذا حدين»، لكنه يلفت إلى «كارتيل عقاري مافيوي يشترك مع المصارف ويضغط في موضوع الإيجارات بالاتجاه الذي يعمّق الأزمة». يشرح الأمر بالإشارة إلى «سياسة رفع أسعار الشقق لتظلّ فارغة، أو الاستفادة من اللاجئين السوريين في الضواحي باعتبار أنهم يقبضون بالدولار، ما ينسحب غلاء في الإيجارات».
تحرير الإيجارات القديمة؟
ومن هذا الباب يدخل عبدالله إلى وجه آخر للأزمة يتعلق بالتعديل الذي طرأ على قانون الإيجارات القديمة 160/92 نهاية عام 2014. بموجب هذا القانون على المستأجر القديم أن يدفع القيمة التأجيرية التي حُدّدت بـ 4% من قيمة المأجور سنوياً، بما يجعل الإيجار الجديد (العقود الحرّة) «أقلّ وطأة من الإيجار القديم في هذه الظروف» بحسب ما يقوله عبدالله لافتاً إلى ما يحصل اليوم حيث «يعمد أصحاب الريوع العقارية إلى تهديد المستأجرين القدامى بإفراغ المنازل في أيار المقبل إيذاناً بإنتهاء مدة الـ9 سنوات التي أقرّها القانون لهذه الغاية».
ينفي رئيس نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجّرة في لبنان باتريك رزق الله صحة «ما يروّج له المستأجرون، من أن القانون يحدّد إفراغ البيوت في شهر أيار، إنما في نهاية العام تتحوّل إلى عقود حرة في حال لم يكونوا مستفيدين من الصندوق الذي أنشئ لدعم المستأجرين». أما المستأجر الذي تقدّم بطلب إلى الصندوق «وينتظر أن تبتّ اللجان القضائية بطلبه (نحو 12 ألف طلب مقدّم إلى الصندوق تنتظر البت)، فلا يزال أمامه بموجب القانون 4 سنوات أي حتى نهاية 2026 ولو لم تغطّ وزارة المال عنه فارق الزيادة على بدلات الإيجار، مستفيداً من فترة 12 سنة تبدأ من فترة 28/ 12/ 2014 علماً أن موازنة 2022 رصدت 25 مليار ليرة لهذا الحساب».
الدولة لا تسدّد
وكانت مراسيم إنشاء حساب دعم المستأجرين، وتشكيل اللجان القضائية، صدرت عام 2019 وبموجبها تدفع وزارة المالية مباشرة إلى المالك فارق الزيادة على بدلات الإيجار لذوي الدخل المحدود أي العائلة التي لا يتخطى دخلها الشهري 3 أضعاف الحد الأدنى للأجور.
نسأل رزق الله أنه حتى من كان راتبه يتخطى الحد الأدنى للأجور عام 2019 ولا يستفيد من الصندوق، فإن راتبه اليوم لا يساوي شيئاً؟
نهاية العام تتحرّر عقود الإيجارات القديمة لغير المستفيدين من صندوق دعم المستأجرين
يجيب «كل الناس لحقتهم زودة إلا المالك، فكيف يعيش؟». برأيه السؤال الأساسي «طالما أن الدولة لا تدفع فارق الزيادة على بدلات الإيجار لمن يستفيد من هذا الحساب، فكيف يعيش المالك؟» متحدّثاً عن بدلات شهرية تساوي 5000 ليرة و1000 ليرة «أليس المالك إنساناً يعيش في هذا البلد؟ هل تشتري له الـ20 ألف ليرة حبة دواء؟ ألا تشكل هذه البدلات خطراً على المالكين ولقمة عيشهم؟ المشكلة اليوم هي في رمي المالكين في الطرقات لأن المالك غير قادر على العيش وتأمين الدواء، علماً أن أغلبهم هم من كبار السن وليس هناك خطر على المستأجرين الذين يحميهم القانون من بداية 2015 لمدة 12 سنة. والذين يدفعون كل الغلاء في البلد واشتراك المولد إلا الإيجار».
وطالب رزق الله القضاء بالبت في الطلبات المقدّمة للاستفادة من حساب دعم المستأجرين «لمعرفة من لا تحقّ له الاستفادة حتى يدفع متوجباته».
فيما يسأل عبدالله عن دور وزارة الاقتصاد والبلديات والأوقاف الإسلامية والمسيحية والمؤسسة الوطنية للإسكان. برأيه كلّها مسؤولة عن تأمين سياسات فاعلة تحفّز المالكين على تأجير الشقق الفارغة مع غياب الضرائب عليها، أو تبني مشروع مساكن اجتماعية. «لكن ما تفعله أنّ الدولة تترك الفقراء بمواجهة الفقراء أو الفقراء بمواجهة حيتان المقاولات والعقارات». وعليه القطبة الخَفية بحسب عبدالله «هي إفراغ المدن من الفقراء». أما العودة إلى الضيعة فتبقى إلى اليوم بدون مقوّمات وهذا موضوع آخر!
تعليقات: