كيف أقنع أمي، التي تشكو من السكّري ومن الضغط والتى تقدّمت بالعمر، أنها لن تستطيع النوم لساعات طويلة كما من قبل.. وأنها تغفو لدقائق وتصحو دون أن تعي أن تلك الدقائق كافية لها؟
كيف لي أن اخبر جميلتي، التى كانت لا تهدأ منذ الصباح حتى المساء وهي تتحرك وتعمل في أرجاء البيت، أن للعمر حقّ وللأمراض التى داهمتها النصيب الأكبر من صحتها؟
كيف لي أن أهمس لعكازتها أن تكون لطيفة على يديها اللتان ترتجفان كى تبقى صامدة؟
أمي التى كانت تحملنا ونحن صغار؟ الآن تجر كيس دواءها الذى يحوى الكثير من العلب والمقوّيات وكأنه صندوق إنعاشها!
أمي القوية حملت على رأسها الكثير من جاطات الألمنيوم
الممتلئة بالمياه حين كنا في بلدتنا بالخيام قبل أن تغزو التكنولوجيا العالم!
أمي التى تجمدت يداها وهي تغسل ملابسنا تحت الثلج والمطر أصبحت يداها مجعدتان يرسم الماضي عليهما الكثير من خطوط التعب والتضحية.. لكنها لا زالت جميلة!
كانت تقول لي أمي "بيقولوا يا ماما البابونج بينعّس وبيخليني نام ببتسم وبقلها تقبريني صح مزبوط، وانا بقلبي بعرف ليش ما عم تنام وبجبلها بابونج وما بتنام، بترجع بتقلي اللبن يا ماما عم ينيمني وبعد فترة بتقلي بطّل يعمل مفعول!"
أمي اللي بتفهم كتير وذكية وعلمتنا نصبر ونكون قوايا ساعات بتوعى لحالها وبتواسي نفسها لما تقلي "يا ماما يمكن الكبير بيصير معو هيك بيبطل ينام"..
بقلها "ع مهل لتفيقي يا إمي شو وراكي"..
آخ يا إمي يا ريت فيي ضمك بعيوني لتنامي وما تقلقي!
إمي إللي بس تحكي بيعتم السكوت ومن صوتا الحياة ع كتف الضو بتتكي..
إمي أسمها فاطمة علي عواضة وإلها لبق (رابحة) بقلها يا (بحبح) يلا جهزي القهوة جايي لعندك نقعد ع البرندا بها الغربة بنحكي عن سليمان داوود وأشعاره وعلي الشطوط وأم محسن اللي كانت تخبز بالبيوت..
إمي متل الخيام بتضل سهرانة وما بتغفي..
إمي إللي تراب إجريها بتوضى منو وبصلي!
* الشاعرة هدى صادق
إقرأ أيضاً:
هدى صادق: كلما اطفأتني الغربة.. اشعلني عشق الخيام ليدفئني
ديمة العبدالله: روايتي حوار بين حبيبين لا يُحسنان التواصل
السيدة فاطمة علي عواضة (رابحة)
تعليقات: