مصنع للاحذية مقفل في وسط البلدة
لا تزال مركزاً تجارياً للمنطقة الحدودية رغم تخليها مرغمة عن صناعة الأحذية..
يردد أهالي بنت جبيل ان بلدتهم "عنوان بلاد بشارة" وهي لم تخضع لحكم الميجر نيجر الفرنسي عام 1920، رغم استخدامه الاسلحة الثقيلة في حملته على البلدة الحدودية. البلدة بسكانها الـ50 الفاً تنفض عنها غبار عدوان تموز عام 2006، الا ان ابناءها يتذكرون بحسرة ايام العز في المدينة، عندما كانت ملتقى التجار في بلاد الشام وفلسطين. وهي، الى ذلك، فقدت صناعة اشتهرت بها على مر العقود، هي صناعة الاحذية.
ينظر عدنان بحسرة الى معمله المدمر في وسط بنت جبيل. المعمل كان ينتج مئات الازواج من الاحذية النسائية والرجالية على مدار العقود المنصرمة، وعرف مرحلة ذهبية في الستينات والسبعينات من القرن الفائت.
مدينة بنت جبيل كانت تنعم بخيرات هذه المعامل، وكان يفوق عددها الـ120 معملا مما يعني ان اكثر من 2000 عامل كانوا يعملون في هذه المهنة. ويروي غسان بزي انه في وسط بنت جبيل كان هناك اكثر من 30 معملا تنتج على الاقل 15000 حذاء اسبوعيا، تصدّر الى دول الخليج واوروبا. الا ان عدد هذه المعامل تراجع بسبب الاعتداءات الاسرائيلية والظروف الصعبة التي مرت بها بنت جبيل والمنطقة الحدودية. وجاء عدوان تموز 2006 ليزيد من معاناة اصحاب المعامل، او بالاصح من تبقى منهم في لبنان، لان معظم هؤلاء كان ترك مهنته التي توارثها عن اجداده قبل اكثر من قرن من الزمن.
الهجرة الى الولايات المتحدة
عرف ابناء بنت جبيل الطريق الى بلاد العم سام منذ فترة طويلة. واليوم يقيم زهاء نصف سكان المدينة اي ما يقارب الـ28 الف نسمة في الولايات المتحدة الاميركية، وتحديدا في ولاية ميشغن مما اثر سلبا على صناعة الاحذية.
ويعتقد محمد بيضون ان اسباب تراجع صناعة الاحذية تعود الى منتصف الثمانينات بعدما ضيقت القوات الاسرائيلية الخناق على بنت جبيل. ويضيف: “طبعا ثمة اسباب اخرى تكمن في اغراق السوق المحلية بالاحذية الآسيوية وخصوصا الصينية. ومنذ 5 اعوام بدأ العد العكسي التراجعي للمهنة، وكذلك عدم اقدام الحكومة على وضع رسم اربعة آلاف ليرة على كل حذاء مستورد الى ضريبة العشرة في المئة".
اما جاره شوقي سعد، الذي هجر البلدة الى الضاحية الجنوبية لبيروت، فيرى ان هناك "مجموعة من التجار الذين يغرقون السوق المحلية بالبضائع الصينية، وفي الوقت عينه لبعض التجار طرق احتيال على الجمارك مما يزيد من ارباحهم ويساهم في القضاء على صناعة الاحذية في لبنان، ما يضع مصير 40 الف عائلة تعتاش من هذه المهنة في مهب الريح".
ويشير النقابي رضا سعد الى ان اقفال معامل الاحذية متواصل، ولم تنفع الاجتماعات بوزراء الاقتصاد المتعاقبين في ايجاد حل عادل للعاملين في مهنة صناعة الاحذية، مما ارغم معظمهم على الهجرة.
من جهته يشدد رئيس "الحركة الثقافية" في لبنان بلال شرارة على ضرورة ايلاء بنت جبيل الاهتمام اللازم، وخصوصا ان المدينة اصيبت بنكبة خلال العدوان الاسرائيلي الاخير ويوضح: "لقد سطّرت بنت جبيل ملحمة حقيقية في 26 تموز 2006، عندما منعت قوات العدو الاسرائيلي من تدنيس ترابها، وسقط خيرة شبان البلدة والجوار في مواجهة جحافل العدو الصهيوني. وعلينا تكريم هؤلاء الشهداء والتأريخ للمدينة التي لم تبخل منذ احتلال فلسطين عام 1948 في تقديم الشهداء دفاعا عن لبنان وفلسطين"، وينتقد شرارة اقتصار تكريم شهداء بنت جبيل على بعض الاحتفالات واقامة مجالس العزاء التي لا تكفي وحدها، حسب تعبيره.
ويضيف: "مدينة بنت جبيل هي شريان حيوي وملتقى للقرى والبلدات المجاورة وشهدت عبر التاريخ حركة تجارية غير عادية وخصوصا بين الشام وفلسطين، وحالت المتغيرات المتعاقبة دون مواصلة هذه الحركة، لكن البلدة لا تزال سوقا مركزية لبلدات وقرى جنوبية عدة، ولا تزال سوقها كل يوم خميس خير دليل على حيوية ابنائها. ورغم الدمار الكبير الذي حل بالمدينة خلال عدوان تموز الا ان ارادة اهالي بنت جبيل اقوى من قذائف الغدر الاسرائيلية. مع ذلك ثمة ثغر عدة لا تزال قائمة منذ عقود، وتتمثل في الاهمال الرسمي للمدينة، وخصوصا ان منازلها التراثية دمرت بالكامل، ولم نلمس اي تحرك جدي للمسؤولين اللبنانيين للحفاظ على الطابع التراثي لهذه المدينة.
ومع اننا نقدر عاليا جهود المكتب القطري لاعادة اعمار لبنان بعدما تبنت دولة قطر مشكورة اعادة اعمار البلدة وكذلك اعادة اعمار سوقها القديمة، الا ان ذلك لا يعفي الحكومات السابقة والحالية من واجباتها تجاه الجنوب والمنطقة الحدودية، وندعو المسؤولين الى ايلاء هذه المدينة الاهتمام اللازم، كذلك نحث البلدية على العمل بشكل افضل لما فيه مصلحة بنت جبيل".
وسط المدينة: الاعمار باموال قطرية
زائر بنت جبيل تلفته ضخامة ورشة اعادة الاعمار المتواصلة منذ زهاء عامين. ونظرا الى الدمار الكبير الذي لحق بالمدينة، وخصوصا وسطها القديم، فان مكاتب هندسية عدة شاركت في رفع آثار العدوان وعملت على اعادة فرز الملكيات في الوسط وتحديد العقارات وذلك بإشراف البلدية. وبعد عمل استمر اشهرا عدة سلمت هذه المكاتب كل الجداول والبيانات الى بلدية بنت جبيل التي وضعتها في تصرف المكتب القطري، كي يصار الى التعويض على المنازل المهددة والمتضررة وفقا لآلية وضعها المكتب، تقضي بدفع مبلغ 40 الف دولار اميركي عن كل وحدة سكنية. وفي الاسابيع المنصرمة قبض معظم اصحاب المنازل المهدمة الدفعتين الاولى والثانية (30 الف دولار عن كل وحدة سكنية) وذلك كتعويض عن منازلهم، على ان يصار قريبا الى دفع الدفعة الاخيرة، علما ان زهاء 55 في المئة من اصحاب الحقوق تسلموا مستحقاتهم من المكتب القطري لاعادة اعمار لبنان.
السوق: عنوان بنت جبيل
ذكر سوق الخميس يعلن ذكر بنت جبيل. كما لا يكمن الحديث عن بنت جبيل واغفال سوقها التاريخية التي تعود الى عشرات العقود. ويرجع بعض المؤرخين تاريخ بدء العمل في سوق بنت جبيل الى القرن التاسع عشر، والسوق تمتد على طول الشارع العام في المدينة وتحوي عشرات المحال والمؤسسات التجارية، واضافة الى "البسطات" في وسط الشارع التي تعرض بضائعها فجر يوم الخميس، ويقصدها ابناء قرى مرجعيون وصور وبنت جبيل.
ورغم المتغيرات والظروف الصعبة التي مرت بها بنت جبيل، فان السوق حافظت على مكانتها المتقدمة وغدت عنوان لمدينة. وفي هذه السوق تجد البضائع المنوعة تبعا للعرض والطلب وتغيير نمط الحياة. هنا بسطات تبيع الحبوب، واخرى الالبسة والاحذية والادوات الكهربائية، علما ان الكهرباء وصلت الى بنت جبيل في مطلع العام 1966.
وفي السوق أصناف الحلويات التي تشتهر بنت جبيل بصناعتها، وخصوصا "المشبك".
وفي العدوان الاسرائيلي الاخير دمرت معظم المحال والمؤسسات التجارية، ولم يتم التعويض على اصحابها حتى اليوم. علما ان خسائر التجار تقدر بمئات الوف الدولارات، كذلك دمرت الصيدلية الرئيسية في المدينة وايضا العيادات والمستوصفات ولا يزال اصحابها ينتظرون التعويضات من الهيئة العليا للاغاثة، التي لم تضع حتى اليوم اي آلية للتعويض على اصحاب المؤسسات، علما ان "حزب الله" قدم بعض التعويضات لهؤلاء كمساعدات رمزية في انتظار أن تؤدي الحكومة واجباتها.
المياه والكهرباء: معاناة دائمة
لم يعد اهالي بنت جبيل يصنفون انقطاع الكهرباء في اطار المعاناة او الازمة، لان الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي اضحى امرا طبيعيا، ليس فقط في بنت جبيل وانما في لبنان باستثناء بيروت الادارية. اما ازمة المياه فهي التي تلقي بثقلها على كاهل اهالي بنت جبيل، الذين يفوق عددهم الـ 5000 مع استثناء فصل الصيف حيث يعود المهاجرون من الولايات المتحدة الاميركية وبقية دول العالم. وكذلك يقصد سكان بيروت والضاحية الجنوبية مدينتهم لتمضية فصل الصيف، الا ان عدم توافر المياه يشكل ازمة حقيقية للبلدة. واذا كانت مولدات الكهرباء تعوض انقطاع التيار، فالامر مختلف مع المياه في ظل عدم وجود مصادر للتعويض، مع التذكير بأن مياه جبل عامل التي كانت تصل الى البلدة، من محطة صديقين اصبحت في خبر كان منذ اعوام. ورغم المراجعات المتكررة التي قام بها الاهالي فان المياه لا تصل الى البلدة. ويردد بعض الاهالي ان اصحاب البساتين في منطقة صور يستهلكون كميات كبيرة من المياه. ويتحدث هؤلاء عن تواطؤ بين اصحاب البساتين وبعض الموظفين في مصلحة المياه، وبالتالي تحرم منطقة بنت جبيل المياه في ظل تنعم اصحاب البساتين بهذه المياه.
حاولنا الاتصال بالنائب علي بزي لكن هاتفه الخليوي كان مع مرافقه.
مدينة في سطور
حسب بعض المؤرخين فان بنت جبيل تعني مكان صناعة الخزف. فبنت هي بيت او مكان، وجبيل هي مصنع الخزف باللغة الفينيقية. ويذكر آخرون ان بنت جبيل كانت تسمى سابقا بيت الشمس، وهي ايضا احتضنت حكومة آل الصغير.
ترتفع المدينة 800 متر عن سطح البحر، وتحدها عيناتا وعيترون ومارون ويارون والطيري وكونين ورميش وتصل أراضيها الى محاذاة الحدود مع الاراضي الفلسطينية.
سكان المدينة حسب احصاء العام 1932 3425 نسمة، وارتفع الى زهاء 13 الف نسمة في الستينات، ويصل اليوم الى زهاء 50 الفا. في المدينة محاكم عدة ودائرة النفوس والامن العام ومدارس رسمية وخاصة، اضافة الى مهنية ومستشفى حكومي وآخر خاص وعدد لا بأس به من العيادات الطبية والمستوصفات والمختبرات.
أبرز عائلاتها: بزي وبيضون وسعد وشرارة وجمعة، ومثلها النائبان علي بزي وعبد اللطيف بيضون في مجلس النواب، قبل الحرب، واليوم نوابها علي بزي وحسن فضل الله وأيوب حميد. وتوزر من أبنائها نزيه بيضون. تشهد بلدة بنت جبيل حراكا سياسيا لافتا، كما عرفت حضورا حزبيا يساريا لافتا قبل الاحتلال، وكذلك نشطت فيها أحزاب القومي والبعث والطليعة. وبعد التحرير أضحى "حزب الله" الحزب الاكبر في المدينة، تليه أحزاب أخرى مثل "أمل" والشيوعي والقومي... الخ. ويحظى المرجع السيد محمد حسين فضل الله بحضور قوي في المدينة. ويطلق "حزب الله" على المدينة تسمية عاصمة الانتصارين، في اشارة الى التحرير عام 2000 والمهرجان الشهير للسيد حسن نصرالله ومعركة 26 تموز 2006.
الشارع الرئيسي في التسعينات.
تعليقات: