سيكون العالم أمام مشهد باهر من بطولة الطبيعة، يذكّر البشر بصغر حجمهم في هذا الكون ويشغل رؤوسهم بالأسئلة الوجودية. منذ منتصف الشهر الحاليّ، بدأ مذنّب C/2022 E3 (ZTF) بالظهور في سماء الليل، ويستمرّ حتى بداية الشهر المقبل، حيث سيكون الأوّل من شباط (فبراير) موعد سطوعه الأقوى، ما يعني رؤيته بالعين المجرّدة. المذنّب جسم فضائيّ صغير يدور في النظام الشمسي، يتكوّن من الجليد والغبار، قد يراوح قطره بين مئات الأمتار وعشرات الكيلومترات. كلّما ابتعد عن الشمس تجمّد، ومع اقترابه منها تسخن مادّته المتجمّدة، فتتحرّر الغازات المحبوسة فيه، ما يتسبّب في ظهور «الذنب» الذي اشتُقّت التسمية منه. أشهر تلك الأجرام المثيرة للاهتمام، «مذنّب هالي» الذي ظهر للمرّة الأخيرة عام 1986 ومن المتوقّع أن يظهر مجدّداً عام 2061. قد يبدو أنّ «هالي» يتأخّر كثيراً بين ظهور وآخر، إذ يُسنح للإنسان رؤيته مرّة خلال حياته، أو اثنتَين إن كان محظوظاً بتاريخ ولادته. لكنّ «هالي» يُعتبر مذنّباً قصير المدى، خصوصاً إذا ما قارنّاه بمذنّب اليوم مثلاً. فـ C/2022 E3 يُعتبر مذنّباً طويل المدى، يأتينا من «سحابة أوورت» (تبعد 30 تريليون كيلومتر عن الشمس)، أي من غلاف المجموعة الشمسية بأكملها. لذلك، كان آخر ظهور له قبل خمسين ألف سنة، أي شاهده على الأرجح إنسان «النياندرتال» قبل انقراضه. ومن المتوقّع أن يكون هذا الظهور الأخير على الإطلاق.
في آذار (مارس) الماضي، رصد المذنّب «الأخضر» (بسبب تكوّن رأسه من مادّة C2 أي الكربون ثنائي الذرّة) فلكيّون من مشروع «زويكي» للأجرام العابرة في كاليفورنيا، فتوقّعوا مروره قرب الأرض خلال اتّجاهه نحو الشمس، ما أثار الاهتمام حوله مذّاك. وكان المذنّب وصل إلى نقطة الحضيض (أقرب نقطة له من الشمس) في 12 كانون الثاني (يناير) الحالي، لكنّه لم يكن يقترب كثيراً من الأرض بعد، ما جعل رؤيته صعبة من دون منظار أو تلسكوب (لا يزال ذلك ممكناً حاليّاً). لكنّه لم يصل بعد إلى أقرب نقطة من الأرض، ومن المتوقّع أن يفعل ذلك في أوّل أيّام الشهر المقبل، عندما يصبح على مسافة 42 مليون كيلومتر من الأرض، ما يتيح رؤيته بالعين المجرّدة. للتمكّن من رؤية المذنّب، من المفضّل أن يكون التلوّث الضوئيّ في أدنى مستوياته، وهو أمر يستفيد منه لبنان نظراً لانقطاع الكهرباء! وقد يستفيد أكثر مع التقنين الليليّ للمولّدات الخاصّة. للسبب نفسه، تُفضّل الأوقات الخالية من ضوء القمر، وهي ستكون كذلك حتى نهاية الشهر الحالي نظراً لدخول القمر مرحلة المحاق وما يسبقها ويتبعها. أمّا في شباط 2023، فسيكون القمر قد غاب في ساعات الصباح الأولى ما يخلّف ظلاماً دامساً مثاليّاً لرؤية المذنّب. بالنسبة إلى موقع المذنّب في السماء، فهو لجهة الشمال الشرقي، بين كوكبتَي «الدبّ الكبيرـ» (Big Dipper – Ursa Major) و«الدبّ الصغير» (Little Dipper – Ursa Minor). صحيح أنّه بالإمكان رؤيته بالعين المجرّدة، لكن من الأفضل دائماً استخدام المنظار أو التلسكوب، أو حتى الكاميرا مع تقنية التعريض الطويل (long exposure)، أو ما يسمّى night mode على الهواتف الجوّالة المثبّتة طبعاً.
ويمرّ مذنّب C/2022 E3 في 11 شباط (فبراير) قرب المريخ الذي يضيء باللون الأحمر الواضح في سماء الليل، قبل أن يُنهي رحلته قرب الأرض بمروره بين 13 و15 من الشهر نفسه أمام عنقود نجمي يُدعى «القلائص» (Hyades).
تعليقات: