باجتهاد قانوني "مباغت" قوامه أنّ المجلس العدلي هيئة مستقلة موازية للهيئة العامة لمحكمة التمييز، وأي قرار ينصّ على تنحية المحقق العدلي هو إلغاء لموقع تمّ إنشاؤه بموجب مرسوم وزاري. ولا يحتاج المحقق العدلي إلى إذن لملاحقة المدعى عليهم، لكونه أساساً مفوضاً للقيام بهذه المهمة.
هكذا عاد قاضي التحقيق طارق البيطار ليستأنف مهمته.
بدا واضحاً تمسك البيطار بملف تحقيق المرفأ أمام الوفد الفرنسي القضائي، الأسبوع الماضي، معلناً عدم تنازله عن قضية المرفأ تحت أي ضغطٍ. واليوم، عاد المحقق العدلي، طارق البيطار، المكفوفة يده عن الملف منذ كانون الأول 2021، إلى متابعة ملف المرفأ وليستأنف عمله مطلع الأسبوع المقبل.
هذا، وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى، سهيل عبود، قد أحال في تاريخ 4 كانون الثاني طلبات إخلاء سبيل الموقوفين إلى البيطار لمتابعتها ودراستها، وحوّل أيضاً، يوم الجمعة 20 كانون الثاني كتاب النيابة العامة التمييزية حول إخلاءات السبيل إلى البيطار، لدرسها والبت فيها استناداً على المعاهدات الدولية، التي تعتبر أقوى من القوانين الداخلية داخل قصر العدل.
إخلاءات السبيل
ففي خطوة مفاجئة، وبعد دراسة طلبات إخلاءات السبيل، اتخذ البيطار قراراً بإخلاء سبيل 5 موقوفين في ملف المرفأ من أصل 17، من دون كفالة، مع منعهم من السفر وهم: شفيق مرعي، المدير العام السابق للجمارك، سامي حسين، مدير العمليات السابق في المرفأ، ميشال نحّول، مدير المشاريع في المرفأ، سليم شبلي، متعهد أشغال في المرفأ، وأحمد رجب وهو عامل سوري.
وكان الموقوفون قد أعلنوا عن إضرابهم عن الطعام في الأسابيع الماضية داخل السجن، للضغط على القضاء اللبناني للبت بإخلاءات سبيلهم، فيما حاول أهالي الموقوفين اللجوء إلى التحركات الشعبية أمام قصر العدل، لتعيين قاض رديف للبت بإخلاءات السبيل. وقد أعلنوا عن غضبهم أمام قصر العدل خلال تحركهم الأخير منتصف هذا الأسبوع، بعد إعلان البيطار تمسكه بالقضية، داعين إلى تعيين محقق عدلي رديف، ومنع البيطار من متابعة تحقيقاته، على اعتبار أنه "يتعامل مع القضية وفقاً لمصالحه السياسية".
دعاوى جديدة
وحسب مصدر قضائي لـ"المدن"، فإن البيطار سيدّعي على مجموعة من الشخصيات السياسية والأمنية للتحقيق معهم حول تفجير المرفأ، وقد تم إرسال التبليغات إلى النيابة العامة التمييزية، ليتم طلبهم إلى التحقيق الأسبوع المقبل.
ووفق معلومات قضائية لـ"المدن"، فالبيطار عمل في الآونة الأخيرة على إيجاد المخارج القانونية التي تسمح له بمتابعة تحقيقاته والعودة إلى مكتبه. وهي التي تؤكد أن المشرع جعل من المحقق العدلي محققاً خاصاً لا تنطبق عليه أحكام الرد والتنحية، وذلك ليتمكن من متابعة تحقيقاته بالرغم من وجود أكثر من 40 طلب رد. لذا، يبدو أن ملف المرفأ قد خرج من حالة الموت السريري، وسنشهد في الأيام المقبلة مواجهات قضائية جديدة داخل قصر العدل.
التمييزية ووزير العدل
بعد قرار عودته، أنجز البيطار أوراق تبليغ المسؤولين الأمنيين والسياسيين لتنفيذ دعوتهم إلى التحقيق عبر النيابة العامة التمييزية. وفي حال عدم تنفيذ هذه التبليغات، سيتم تنفيذها وفقاً للإجراء الذي يسبق إصدار مذكرة التوقيف الغيابية بحق الذي تقرّر استجوابه، بصفة مدعى عام. أي سيتم تنفيذ التبليغات "لصقاً". ما يعني أنه سيتم إلصاق نسخة من وثيقة التبليغ على باب سكن المدعي عليهم.
وبالفعل، وكما كان متوقعاً، ووفقاً لمرجعيات قضائية، فإن النيابة العامة التمييزيّة اعتبرت قرار البيطار "منعدم الوجود" بسبب دعاوى رده. وعليه، لن تنفذ قرار إخلاءات السبيل، ولن ترسل التبيليغات إلى "المدعى عليهم".
وفي خطوة مفاجأة، قام وزير العدل هنري الخوري، الذي لطالما طالب بتعيين محقق عدلي رديف، بإحالة قرار البيطار إلى مجلس القضاء الأعلى بغية الاطلاع عليه و"ولما يمكن مما تقدم التأثير على مجريات هذا الملف وحسن سير العدالة، وبخاصة لناحية وجوب المحافظة على سرية التحقيق".
تعليقات: