مفاجأة عويدات: الادّعاء على البيطار بجرم اغتصاب السلطة وإطلاق جميع الموقوفين في ملفّ المرفأ

انفجار مرفأ بيروت (أ ف ب)
انفجار مرفأ بيروت (أ ف ب)


في بلد العجائب، الذي كان يطلق على عاصمته سابقاً بأنها أم الشرائع، انقلب السحر على الساحر.

جريمة العصر التي أودت بحياة أكثر من مئتي ضحية وتركت وراءها آلاف الجرحى والمعوقين، وهجرت مئات الآلاف. أخلي جميع الموقوفين في تحقيقها الذي لم يصل الى خواتيمه، وجمدّت القضية وادعيَ على المحقق العدلي، لتذهب أدراج الرياح كما غيرها من الجرائم، وليتشارك رسمياً القضاء مع المنظومة الحاكمة بقتل أي أمل في الوصول الى الحقيقة او العدالة.

هكذا، قرّر النائب العام التمييزي غسان عويدات إطلاق جميع الموقوفين في ملفّ انفجار #مرفأ بيروت ومنعهم من السّفر.

وأفادت مصادر قضائيّة لـ"النهار" أن القاضي عويدات ادعى على المحقق العدلي طارق البيطار بجرم اغتصاب السلطة، ومنعه من السفر. وطلب عويدات من الأمن العام منع البيطار من السفر.

وفي السياق، أرسل عويدات كتاباً الى المديرية العامة للأمن العام طالبها فيه بوضع اشارة منع سفر على القاضي البيطار.

وكذلك، أرسل عويدات ضباطاً من قوى الأمن الداخلي إلى منزل القاضي البيطار وأبلغه للحضور أمامه للاستماع إلى أقواله وإبداء دفاعه. وعندما رفض البيطار الحضور إلى قصر العدل قرّر القاضي عويدات الادعاء عليه.

وقال عويدات: "لا أحد يريد إقالة البيطار، وليكمل كما بدأ وستشهدون في الأيام المقبلة تجاوزات قانونية بحقي من قبل البيطار".

وأشار الى أن "مجلس القضاء لن يطرح غداً تعيين قاض بديل عن البيطار"، نافياً أي علاقة "للعقوبات الأميركية باخلاء الموقوفين". وعن سبب إقدامه على هذه الخطوة اليوم، أجاب أن "الأمر لم يكن مطروحا من قبل".

وبعد قرار عويدات باخلاءات السبيل، كان #بدري ضاهر أول المفرج عنهم، بعد حضور وكيلته الى النيابة العامة التمييزية.

وقد وصلت نسخة طبق الأصل عن قرار تخلية الموقوفين إلى أمن الدولة وقوى الأمن الداخلي والجيش للتنفيذ.

وعلّق البيطار على قرار المدعي العام التمييزي، قائلاً: "أي تجاوب من قبل القوى الأمنية مع قرار النائب العام التمييزي بإخلاء سبيل الموقوفين سيكون بمثابة انقلاب على القانون".

وقال: "لن أتنحّى عن الملف ولا زلت المحقق العدلي، وعويدات متنح عنّه ومدعى عليه ولا صلاحية له للادعاء عليّ أو لإخلاء الموقوفين".

وأطلق عويدات 17 موقوفاً، بمن فيهم الموقوفون الخمسة الذين قرّر القاضي طارق البيطار تخليتهم.

وقد شرح القاضي عويدات في قراره ما استند إليه لإطلاق جميع الموقوفين، مشيراً إلى أنّ القاضي البيطار المكفوفة يده استقى صلاحيّاته وسلطته من الهيئات القضائية جمعاء بما فيها النيابة العامة التميييزية.

وقال عويدات في قراره إنه اتخذه بالاستناد إلى المادّة ٩ من العهد الدولي الخاص الصادر عام ١٩٦٦.

وكان البيطار قد اتخذ قراراً استثنائياً بمتابعة التحقيق في هذه القضية، وأصدر قرارين قضى الأول بتخلية خمسة موقوفين في الملف وتحديد جلسة استدعى إليها ثمانية أشخاص بينهم مسؤولان أمنيان وقضاة لاستجوابهم كمدعى عليهم.

واستند قراره إلى دراسة قانونية اعتبرت أن صلاحية المحقق العدلي حصرية ولا يمكن ردّه أو نقل الدعوى من يده إلى يد قاض آخر كون مركزه لصيقاً به فإذا غاب هو غاب هذا المركز. وأشارت الدراسة إلى أن القاضيين الياس عيد المحقق العدلي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وسلفه القاضي فادي صوان رضخا بقبول ردهما.

ردود أفعال

وعلّق رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل على إطلاق عويدات جميع الموقوفين في قضية انفجار مرفأ بيروت، وقال في تغريدة، "محقٌّ اطلاق الموقوفين ظلماً لكنه لا يكفي، بل يبقى الاساس، كشف حقيقة انفجار المرفأ واحقاق العدالة وبلسمة جراح أهالي الضحايا".

وأضاف: " وكذلك كشف مرتكبي سرقة اموال اللبنانيين ومحاسبتهم. لا بدّ للحقيقة ان تنتصر" .

موقف "حزب الله" جاء على لسان نائبه، عضو كتلة "الوفاء للمقاومة"، ابراهيم الموسوي، الذي رأى أن "قرارات القاضي غسان عويدات خطوة في الطريق الصحيح لاستعادة الثقة بالقضاة والقضاء، بعدما هدمها بعض أبناء البيت القضائي!".

في الإطار نفسه، اعتبر حزب "القوات اللبنانية" كأنّه "لا يكفي الشعب اللبناني كل المآسي التي يواجهها يوميًّا، وكل الأفق السياسي المنسدّ أمامه بفعل الفراغين الرئاسي والحكومي، فيأتي انهيار القضاء والعدالة ليتوّج الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة، وليعمّق جراح اللبنانيين ويكرّس نهائيًّا سقوط دولتهم الحامية والعادلة".

وذكّرت "القوات" أنها "حذّرت منذ وقوع انفجار المرفأ في الرابع من آب 2020 من تسييس التحقيق ومن تدخّل السياسة في مجرياته، ومن المحاولات الحثيثة التي لم تكن خافية يومًا على أحد الهادفة الى طمس الحقيقة وعرقلة التحقيق وتنحية محقّق عدلي لأسباب واهية، ثمّ التهويل على سلفه وتهديده وتكبيل يديه بكمّ غير مألوف من طلبات الردّ كانت تقدّم على الرغم من رفض طلبات سابقة مماثلة وكأنّ المطلوب إبقاء ملفّ التحقيق معلّقًا وحرمان الضحايا من إحقاق الحقّ وتحقيق العدالة لأرواحهم".

ولفتت إلى أن "إيمانًا منها باستقلاليّة القضاء، وهو ما تعمل لأجله داخل المجلس النيابي وخارجه، فإنّه لا يسعها التعليق على قرار المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار الأخير ولا المسببات القانونيّة أو الواقعية التي أملته، غير أنّها لا تزال ثابتة على موقفها الداعم لنتائج هذا التحقيق وعلى ضرورة استمراره حتى النهاية وصولاً الى اصدار القرار الاتهامي عن المحقّق العدلي وإحالته الى المجلس العدلي لكي تنتصر العدالة من خلال صدور الحكم النهائي باسم الشعب اللبناني عن أعلى مرجع قضائي، فيشكّل هذا الحكم انهاءً لحقبة متمادية من الإفلات من العقاب في لبنان وتعويضًا معنويًّا ومادّيًّا لأهالي الضحايا وللجرحى وللمتضرّرين من الانفجار".

كما سجّلت "القوات" في الوقت عينه "استنكارها لهذا الهجوم غير المبرّر على المحقّق العدلي الذي تسوقه الجهات عينها في كلّ مرّة يتخّذ فيها قرارًا أو تدبيرًا، وكأنّ بعضهم يريد أن يكون فوق القانون والمحاسبة، متسلّحًا بموقعٍ أو نفوذٍ أو طائفة"، وناشدت مجلس القضاء الأعلى "تحمّل مسؤوليّته التاريخيّة في الاجتماع المزمع عقده غدًا لإنقاذ القضاء وعدم السماح بانفراط عقده وسقوط هيبته وتشتّت مواقعه وتضارب صلاحيّاته وانكسار صورته في ذهن الرأي العام الى غير رجعة وتبعثر قدرته على توجيه الضابطة العدليّة بقراراتٍ متناقضة".

وختمت مشدّدةً على أن "المطلوب إعادة الدولة من خلال إصلاح القضاء، لا إسقاط الدولة كليًّا من خلال إسقاط القضاء، ودعوا القاضي طارق البيطار يكمل تحقيقاته واخضعوا لسلطة القانون ولا تعبثوا بأمن لبنان ولا بمؤسّساته".

واعتبر النائب مارك ضوّ في تغريدة عبر "تويتر" أنّ "الحسم هو الآن، أو يتم القضاء على التحقيق، يُضرب القاضي ويعيّن رديف يُطلق سراح كل الموقوفين ولا يبقى موقوفاً بالسجن ولا يوقّف أحداً، وبذلك ينتهي تحقيق 4 آب".

وأضاف: "يجب أن ندافع عن المحاسبة، إنها معركة قيام الدولة".


تعليقات: