تعرفة المياه بـ4 مليون ليرة: افتحوا الحسابات واكشفوا الغموض

اللبنانيون يشترون المياه من مصادر خاصة (المدن)
اللبنانيون يشترون المياه من مصادر خاصة (المدن)


قرّرت بعض مؤسسات المياه، كمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، ومؤسسة مياه لبنان الجنوبي، رفع بدل الاشتراك السنوي إلى نحو 4 مليون ليرة، فيما المواطنون يشترون المياه من مصادر خاصّة. علماً أن قانون تنظيم قطاع المياه، يشترط لَحظَ الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمشتركين عند اتخاذ قرار رفع التعرفة.


زيادة الأكلاف

ممّا لا شكّ فيه أن انهيار سعر صرف الليرة أفقَدَ المؤسسات العامة قدرتها على تغطية كلفة نفقاتها التشغيلية أو قلّصها إلى الحدّ الأدنى، في أحسن الأحوال. وزاد الانقطاع شبه التام للكهرباء، معدّل الاعتماد على المولّدات الخاصة، ما يعني زيادة كلفة المازوت. بالإضافة إلى الحاجة للصيانة وقطع الغيار للمولّدات والمعدّات، وهي أكلاف مدولرة.

وتحت وطأة هذا الواقع، يبرّر المدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، جان جبران، رفع التعرفة، ويضيف بُعداً آخر من الضغوط على مؤسسات المياه، وهو "عدم قدرة الموظفين على الحضور إلى العمل بفعل تكاليف النقل". وفي حديث لـ"المدن"، يكشف جبران أن التعرفة التي تقارب الـ4 مليون ليرة "مبنية على سعر صرف للدولار أقل مما هو معتمد حالياً في السوق. وباعتماد السعر الراهن، لن تقلّ التعرفة عن 9.5 مليون ليرة سنوياً".

تختلف قرارات مؤسسات المياه في هذا المجال. فبعضها رفع تعرفة الاشتراك، والبعض الآخر حافظ عليها كما كانت سابقاً. والتفاوت بنظر جبران يعود إلى "حجم الأكلاف التي تدفعها كل مؤسسة وعدد مشتركيها وموظفيها.. واعتبارات أخرى. فلكل مؤسسة خصوصيتها".


غياب الرقابة

اتخاذ قرار رفع قيمة بدلات الاشتراك السنوي "لم يُبنَ على دراسة علمية صحيحة ولم يأخذ بواقع المكلَّفين"، تقول مصادر في إحدى مؤسسات المياه في لبنان، خلال حديث لـ"المدن". وبذلك، وَضَعَت مؤسسات المياه التي رفعت بدل الاشتراك السنوي، نفسها، في المقدّمة على حساب المواطنين الذين لا قدرة لدى معظمهم على دفع بدل الاشتراك الجديد. فالأكلاف التي تدفعها المؤسسات، يدفعها المواطنون أيضاً. ولذلك، لم تراعِ المؤسسات "الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمنتفعين"، وهو ما نصّ عليه القانون بشكل حرفي. فالمادة 45 منه، تورِد أن البَدَلات تُحَدَّد "بعد الأخذ بالاعتبار التوازن المالي اللازم لكل خدمة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمنتفعين، وتأخذ هذه البدلات منحاً تصاعدياً بالاستناد إلى كمية الاستهلاك".

أما الإصرار على أحقية رفع التعرفة رفداً لمالية المؤسسات "فيستدعي فتح تحقيق في حسابات كافة مؤسسات المياه لمعرفة حقيقة وضعها المالي وكيف تُصرَف إيراداتها وكيف وأين صُرِفَت في السابق. إلى جانب حقيقة أكلافها التشغيلية وعدد موظفيها ورواتبهم.. وما إلى ذلك". تضيف المصادر. وهذا كلّه يستند إلى المادة 48 من قانون المياه، والتي تقول بأنه "تبين بشكل مفصل في موازنة وحسابات كل مؤسسة من المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه كيفية توزيع عمليات التشغيل والاستثمار والصيانة بالنسبة لكل من مياه الشرب والصرف الصحي والري الزراعي. على أن تستعمل البدلات العائدة لكل من هذه الاستعمالات لتمويل أعبائها".

ويؤدّي التدقيق في حال حصوله، إلى كشف عملية توزيع المياه "ويفضح المؤسسات الخاصة التي تستفيد من المياه على حساب الكثير من المواطنين. وبعض المستفيدين يملكون مسابح خاصة وآخرون مسابح عامة ومؤسسات سياحية. وغيرهم يروي مزروعاته وحدائقه. وبعضهم يملك شركات صناعية.. فهل دفع هؤلاء التعرفة بشكل رسمي طيلة سنوات؟ ومَن يضمن ذلك وسط غياب الرقابة؟".


الأولوية للناس

يرفض اللبنانيون رفع بدلات الاشتراك قبل تحسين رواتبهم وتأمين المياه. فلا بَدَلَ يُدفَع إلا لقاء خدمة. وهذا ما عبَّرَ عنه تجمع المؤسسات الأهلية في صيدا والجوار، الذي رَفَضَ في بيان له يوم الجمعة "سياسة تحميل المواطنين نتائج الانهيار المالي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان". ودعا التجمع "إدارة مؤسسة المياه إلى التراجع عن قرارها، والعمل على وضع خطة تؤمّن المياه بشكل دائم للمواطنين وعندها تتحدد كلفة إيصال المياه إليهم، لأن حصولهم على مياه الشرب هو حق من حقوق الإنسان الأساسية".

الحصول على المياه بعد رفع التعرفة، غير مضمون. فما سيُجمَع لن يؤمِّن المازوت لتشغيل المضخّات إلاّ مؤقتاً. ومع ذلك، تتكفّل شبكة المياه المهترئة بهدر جزء كبير من المياه وتلويث جزء آخر، نظراً لتداخل أنابيب جر المياه مع انابيب جر الصرف الحي، في الكثير من المناطق. مع عدم نسيان حجم التعديات على شبكات المياه. وباعتراف منظّمة اليونيسف، فإن شبكات المياه في لبنان مهترئة ويعود عمر بعضها إلى أكثر من خمسين عاماً. وهذا الحال، يعني أن مؤسسات المياه لم تلتزم بالمادة 4 من القانون، والتي تنص على "أولوية تزويد المواطنين بمياه الشفة، تحقيق الصرف الصحي للمياه المبتذلة... وغيرها".

مع تفاوت أحوال مؤسسات المياه، تتفاوت أسباب زيادة البدلات. ومن البديهي أنه "كلّما زاد عدد المشتركين، انخفضت التعرفة المطلوبة من كلّ فرد، لأن الأكلاف تُقَسَّم على عدد أكبر من الأشخاص". وفق ما يقوله المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه، غسان بيضون، الذي يستغرب في حديث لـ"المدن"، المسارعة لرفع التعرفة قبل تأمين الخدمة. ويصف القرار بـ"العشوائي، أسوة بقرار رفع تعرفة الكهرباء". وعن الوضع المالي لمؤسسات المياه، يؤكّد بيضون أنه "واقع غامض. وفي ظل الضبابية والغموض، يمكن تمرير أي شيء".

وبالحديث عن الغموض، وبغياب التدقيق في حسابات مؤسسات المياه، لا تستبعد المصادر "تحويل الإيرادات المفترض جمعها، نحو تمويل أحد مشاريع السدود التي ما زالت عالقة".

مؤسسات المياه اتخذت قراراها. والمواطنون سيتّخذون قرارهم الذي سيغلب عليه طابع الرفض. فتُحال الفواتير إلى المتأخّرات، ثم إلى الغرامات، وتصدر لاحقاً قرارات بتخفيض الغرامات لمن يسارع للدفع... ويبقى الحال على فوضاه، وتبقى المياه مقطوعة إلى أجل غير مسمّى.

إقرأ أيضاً:

مياه الجنوبي ترفع الاشتراك السنوي من 800 ألف الى ثلاثة ملايين و600 مئة ألف ل.ل

تعليقات: