قطع وزير الأمن زيارته إلى واشنطن، وعاد إلى تل أبيب للمشاركة في المشاورات الأمنية (أ ف ب)
فلسطين
بعد أقلّ من 48 ساعة على ارتكاب العدو جريمة مخيّم جنين، عمد مقاوم فلسطيني من سكّان القدس المحتلّة، إلى إطلاق النار من سلاحه الفردي على مستوطِنين إسرائيليين كانوا خارجين لتوّهم من كنيس في حيّ «نيفي يعقوب» الاستيطاني. وأدّت هذه العملية الفدائية غير المسبوقة منذ حوالى 15 عاماً، إلى مقتل 7 إسرائيليين، وجرْح نحو 10 اثنان منهم في حال الخطر، ما يجعل حصيلة القتلى مرشّحة للارتفاع. في المقابل، استُشهد منفّذ العملية بعد وقت قصير، عند اشتباكه مع شرطة العدو. وكانت المقاومة الفلسطينية في غزة أطلقت، في ردّها الأوّلي على مجزرة المخيّم، عدداً من الصواريخ على مستوطنات «الغلاف»، تأكيداً منها أن «معادلة غزة - جنين» لا تزال قائمة، في وقت تصاعدت فيه مطالبات أقطاب الفاشية لجيش الاحتلال وحكومته، بتعزيز توازنات الردع مع القطاع، عبر إطباق الحصار أكثر، والتجويع، والاغتيالات، والمزيد من القتل العبثي
حتى ساعة متأخّرة من ليل أمس، كانت لا تزال وسائل إعلام العدو تنشر أرقاماً متضاربة حول حصيلة عملية إطلاق النار التي نفّذها المقاوم الفلسطيني في حيّ «نفي يعقوب» الاستيطاني في القدس. لكن في المحصّلة، فإن أبلغ تعبير يخلّص المشهد، يكاد يكون هو الذي استعملتْه «القناة 12» العبرية، تعليقاً على الحدث، إذ قالت إن «مذبحة وقعت في القدس». ومن موقع العملية - والذي زاره في وقت لاحق رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في حدث غير معتاد -، وبينما كان وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، محاطاً بعدد كبير من الحرّاس والمستوطنين، وصف الهجوم بأنه «من الأسوأ خلال السنوات الأخيرة»، قبل أن يلتزم الصمت ويبتلع لسانه، في وقت حاولت فيه وسائل الإعلام العبرية استصراحه، وهو المعروف بوصوله دائماً أولاً إلى موقع أيّ ضربة ضدّ إسرائيليين، حيث يشرع في تصريحات مزايِدة على حكومة خصومه السابقة بقيادة نفتالي بينت ثمّ يائير لابيد. لكن أمس، خرس بن غفير أمام هول الحدث ونتائجه، وهو الوزير الأساسي في الحكومة، وتحت سلطته تقع عدّة أجهزة أمنية تعمل في الأراضي المحتلة، وأنصتَ محنيّ الرأس إلى صرخات المستوطِنين، وهم يطالبونه بأن يفي بوعوده الإجرامية، وتصعيد التنكيل بالفلسطينيين، محمّلين إيّاه المسؤولية، كون العملية وقعت خلال ولايته كوزير. وفي آخر المعلومات التي وردت مساء أمس، فإن المقاوم الفلسطيني، منفّذ الضربة، هو الشهيد علقم خيري (21 عاماً) من سكّان شرق القدس. وبحسب مفوض عام الشرطة الإسرائيلية، «كان لوحده، وهو من نفّذ الهجوم كاملاً». من جهته، قطع وزير الأمن، يوآف غالانت، زيارته إلى واشنطن، وعاد إلى تل أبيب للمشاركة في المشاورات الأمنية التي كان يعقدها نتنياهو مع قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية المختلفة، والتي خلصت إلى التوجيه بالاستعداد لتصعيد محتمل. وعلى المستوى الميداني، اقتحمت قوات الاحتلال مخيم شعفاط شمالي القدس، حيث تصدّى لها شبّان المخيم، ووقعت عدّة إصابات في صفوفهم. وأشارت وسائل إعلام العدو إلى أن قوات الأمن الإسرائيلية اقتحمت «شعفاط» لكون منفّذ العملية ينحدر أساساً منه، لكنه يسكن حيّاً آخر في القدس المحتلة.
على صعيد مواز، وقبل ذلك بليلة واحدة، ردّت المقاومة الفلسطينية، مبدئيّاً، على جريمة مخيم جنين، بإطلاقها صواريخ من قطاع غزة، تجاه مدينة عسقلان ومستوطنات «غلاف غزة»، لتؤكد استمرار «معادلة غزة - جنين» التي أراد الاحتلال تحييدها، في الفترة الماضية. وشهدت أجواء القطاع ليلة ساخنة، تخلّلها إطلاق الصواريخ والمضادات الأرضية للطيران من قِبَل المقاومة من جهة، وقصف إسرائيلي وإطلاق صواريخ «القبّة الحديدية» من جهة ثانية. وفي التفاصيل، أطلقت فصائل المقاومة، في ساعة مبكرة من فجر يوم أمس الجمعة، صاروخَين تجاه مدينة عسقلان المحتلّة، وذلك ردّاً على العدوان الذي استهدف مخيم جنين، لم تتمكّن منظومة «القبّة الحديدية» من اعتراضهما، على رغم إطلاقها عشرات الصواريخ لهذا الغرض، ولتدوّي من بعدها صافرات الإنذار في مختلف مناطق «الغلاف». وما هي إلّا ساعات قليلة، حتى شنّت طائرات الاحتلال سلسلة غارات على المواقع العسكرية التابعة لـ»كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، في منطقتَي وسط وجنوب غزة، تصدّت لها المضادات الأرضية التابعة للمقاومة، فيما أَطلقت «وحدات الدفاع الجوي» صاروخَين موجّهَين تجاه الطائرات المغيرة، ما أدّى إلى إبعادها عن سماء القطاع. ولاحقاً، بثّت «كتائب القسام» فيديوهات لعمليات اعتراض الطائرات الإسرائيلية في سماء غزة، ولعمليّات إطلاق صليات من الرصاص المضاد للطائرات والصواريخ الموجّهة. ووفق مصادر محلّية، تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن قوات الاحتلال استهدفت موقع «الكتيبة 13» التابع لـ»القسام»، في مخيم المغازي وسط القطاع، بأكثر من 15 صاروخاً، كما استهدفت غارة من طائرة حربيّة من دون طيار مرصداً للمقاومة شرق بيت حانون، شمال غزة.
حمّل مستوطنون بن غفير المسؤولية وطالبوه بالثأر
وتزامناً مع غارات الاحتلال والتصدّي للطائرات المغيرة، أطلقت المقاومة الفلسطينية خمسة صواريخ من غزة تجاه مستوطنات «الغلاف»، فيما أعلن جيش الاحتلال، من جهته، أنه تمّ إطلاق سبعة صواريخ تجاه المستوطنات، زاعماً أنه تم اعتراض أربعة منها، وثلاثة سقطت في مناطق مفتوحة، وأنه تمّ إطلاق عدّة صواريخ أخرى لكنها لم تعبر السياج. وعلمت «الأخبار» من مصادر في حركتَي «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، أن تفاهماً جرى بينهما على الردّ من قطاع غزة على جريمة الاحتلال في مخيم جنين، تأكيداً منهما على «وحدة الساحات» الفلسطينية، واستمرار «معادلة غزة - جنين»، وعلى عدم السماح للعدو بالتفرّد بالضفة المحتلة. وأعلن عضو المكتب السياسي لـ»الجهاد»، خالد البطش، أن «سرايا القدس»، الجناح العسكري للحركة، هي المسؤولة عن إطلاق الصواريخ، موضحاً أنه «تجسيداً منّا لمعركة وحدة الساحات هنا في غزة، ردّت، الليلة (أمس)، سرايا القدس بالقصف الصاروخي، وكتائب القسام بالدفاع الجوي، في مشهد متكامل يؤكد وحدة الموقف والسلاح»، مشدّداً على أنه «لن نسمح للعدو بتفريق الساحات».
من جهته، قال القيادي في حركة «الجهاد»، درويش الغرابلي، خلال مسيرة جماهيرية حاشدة في خان يونس جنوب غزة، إن «إطلاق صواريخ من القطاع، هي رسالة واضحة للعدو الإسرائيلي بأنّنا لا نخافه ولا نخشى مواجهته»، محذّراً من «توسيع بقعة الزيت»، في حال تكرّرت الاعتداءات الإسرائيلية على القدس وجنين والخان الأحمر وأيّ منطقة من فلسطين، ولفت إلى أن ما حدث من إطلاق صواريخ هو «جزء بسيط من ردّ المقاومة على الجريمة التي ارتكبها الاحتلال في جنين». وفي هذا السياق أيضاً، قال الناطق باسم «حماس»، حازم قاسم، إن «المقاومة الباسلة في قطاع غزة تواصل القيام بواجبها بالدفاع عن الشعب الفلسطيني ومقدّساته، وستبقى درع الشعب وسيفه»، موجّهاً التحية إلى مجاهدي «القسام» الذين «تصدّوا للعدوان الصهيوني بالصواريخ المضادة للطيران والمضادات الأرضية التي أربكت جيش الاحتلال ومستوطنيه». وشدّد قاسم على أن القصف على قطاع غزة يشكّل «امتداداً لجرائم الاحتلال ضدّ الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس والداخل المحتلّ»، وأن من «حقّ الشعب الفلسطيني ومقاومته أن يقاتلا بكل الأساليب رداً على عدوان الاحتلال واستمرار جرائمه».
وللمرّة الأولى منذ عام، أُطلقت من قطاع غزة بالونات تحمل أجساماً رمزية تجاه مستوطنات «الغلاف»، في إشارة إلى أن فلسطينيي القطاع قد يعودون إلى أدوات الضغط الشعبي والميداني مع تصاعد جرائم الاحتلال.
وعلى الجانب الآخر، برزت انتقادات لجيش الاحتلال وحكومة بنيامين نتنياهو، حول تعاملها مع قطاع غزة، إذ وجّه الجنرال احتياط، تسيفكا فوغل، عضو «الكنيست» عن حزب وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، «القوة اليهودية»، انتقاداً لاذعاً إلى وزير الأمن، قائلاً: «غالانت، هل تريد تحقيق الردع؟ حسناً، هكذا يتحقّق الردع: يجب إغلاق المعابر مع غزة، ومنْع مرور البضائع وخروج العمّال حتى عودة الأسرى الإسرائيليين، كما يجب اغتيال كبار المسؤولين في غزة، وعدم إهدار الذخيرة على العقارات، والأهم من ذلك: شنّ هجمات، وليس شرطاً أن تكون ردوداً على حدث ما». من جهتها، قالت الوزيرة السابقة، ميراف ميخائيلي: «نتنياهو عاد - وسياسة تنقيط الصواريخ على الجنوب عادت بعد عام ونصف عام من السلوك الأمني المسؤول خلال فترة حكومة التغيير - نتنياهو يعيدنا إلى الوراء»، بينما رأى معلّق الشؤون العربية في «القناة 13»، تسفي يحزكلي، أن «حركتَي حماس والجهاد تمتلكان السطوة، وقد صنعتا معادلة ردع ضدّنا».
تعليقات: