وجد القتيل في منزله مذبوحًا، مع طعنات في كل من منطقة الصدر والبطن
ما أن التقط سكان الضاحية الجنوبية، المأزومون بغالبيتهم، أنفاسهم من مسلسل التفلت الأمني الطويل، حتّى تربصهم ظلّه الثقيل مجددًا. وإن كانت الضاحية الجنوبية من أكثر الفضاءات العمومية المغمورة بالروتين التشويقي نفسه، والمنطوي على تطويقات مستمرة لأحيائها، وضوضاء الشرطة والأدلة الجنائية ونفير سيارات الإسعاف، فإن هذا الواقع بات مصدر تبرم وهلع عام. فبعد أسبوعين من التوتر الأمني الذي نجم عن الاشتباكات المسلحة بين المدعو نجيب عواد ومحمد حسين الخليل في منطقة برج البراجنة، والذي راح ضحيتها ثلاثة مدنين بإصابات خطرة، الأمر الذي استدعى تواجداً أمنياً كثيفاً وتدخلاً من مخابرات الجيش.. وُجدت اليوم في محيط برج البراجنة، وتحديدًا في منطقة الرويس- الرادوف مقابل مسجد الحسن، جثة المدعو أحمد بنجفيك من التابعية السورية، في ظروف غامضة.
ملابسات الحادث
صباح اليوم الإثنين 30 كانون الثاني، وعند الساعة العاشرة صباحًا تبلغت فصيلة برج البراجنة، عن جريمة قتل في منطقة الرادوف للمدعو أحمد بنجفيك (58 سنة، سوري)، إذ وجد القتيل في منزله مذبوحًا، مع طعنات في كل من منطقة الصدر والبطن. وقد أشارت المعطيات الأولية أن الجريمة التّي حصلت اليوم، تشوبها التباسات عدّة.
فمن جهة، القتيل هو مُعقب معاملات في السفارة السورية، وعند حضور الأدلة الجنائية والشرطة القضائية ووحدة من القوى الأمنية من فصيلة برج البراجنة، تبين أن محتويات المنزل مبعثرة، بما فيها المستندات التّي بحوزته، والتّي هي بغالبيتها تعود لمعاملات رسمية لمواطنين سوريين في لبنان. ولدى تواصل "المدن" مع السفارة السورية، نفت أن يكون القتيل موظفًا بل مُعقب معاملات، ولا وظيفة رسمية له.
ومن جهة أخرى، أفادت مصادر "المدن" الأمنية، عند حضورها إلى مسرح الجريمة، ظهرت أدلة أخرى تشير إلى دوافع جرمية مختلفة، كالشرف. إذ وجد على جثة القتيل النازفة، ألبسة حريرية نسائية، الأمر الذي جعل القتيل مشتبهًا بتورطه بقضية أخلاقية. خصوصاً بعدما معرفة القوى الأمنية أن للقتيل زوجتين في سوريا، ويجري الآن التحقيق مع أحداهن. وفي المعطيات، وجدت جثة القتيل وسط إحدى غرف بيته، ولوحظت محاولة القتيل للمقاومة، إذ يظهر من حوله أثاث محطم ومعدات مطبخ. في حين لم تعثر الأدلة الجنائية على أداة الجريمة للآن. والقتيل المستأجر في إحدى العمارات، يقطن وحده، وقد لاحظت العناصر اختفاء بعض الحاجيات، ما طرح احتمال القتل بدافع السرقة. إلا أن ترجيحات الدوافع للقتل تقع في غالبيتها كتصفية حسابات تتعلق بطبيعة عمله مع السفارة السورية.
مسلسل الجرائم الأمنية
وفي سياق المسلسل الأمني في تلك المنطقة، يُذكر أنّه وبتاريخ 16 كانون الثاني الجاري، أقدم المدعو محمد حسين الخليل في منطقة برج البراجنة على إطلاق النار بواسطة بندقية ومسدس حربي على المدعو نجيب عواد، بسبب خلاف قديم يعود إلى زمن أزمة البنزين وتعبئة الغالونات. وقد أصيب على إثرها نجيب عواد بإصابات خطيرة بالإضافة إلى ثلاثة من المدنيين أثناء مرورهم، منهم المدعو علي الحريري صاحب حلويات الحريري وحسين العنان. الأمر الذي استدعى تدخل الجيش بكثافة وتطويقه لجميع المنافذ. فيما لا تزال المنطقة بسكانها لليوم تعيش توترًا حادًا وتوجساً عاماً.
قتل علنيّ، سرقة ونشل، رصاص عشوائي، اغتصاب، خطف، تهريب سلاح وإتجار بالبشر، معامل تصنيع مخدرات، وعصابات ترويج مخدرات، سوق سوداء لكافة السّلع، لا سيما الدولار، مئات الجنح والجرائم اليومية وعلى مدار السّاعة.. تطفو في بحر من الانفلات الأمني في الضاحية الجنوبية. وهذا في ظل نمو متسارع لأزمة اجتماعية، يرزح تحت وطأتها السّكان الذين يقاسون عبء الأزمة الاقتصادية والمالية، رغم كل الحملات الأمنية المتوالية منذ شهور، إزاء هذا الوضع الأمني المأزم. هذه العمليات التّي لا تعدو كونها محاولات جزئية وعابرة، في حين لا يزال معدل الجرائم يتصاعد طرديًا. والملام الأول فيها هي الدولة اللبنانية التّي رضخت لسطوة واستحكام قوى أمر الواقع، وفرضها العلنيّ لواقع عزل الضاحية الجنوبية عن سلطة الدولة ومؤسساتها. كما يقع على عاتق القضاء، الذي تخاذل مرارًا عن أداء واجباته مقابل تفشي آفة الفساد والتسويف والتحامل والتسويات السياسية.
تعليقات: