فساد وإهمال ومناكفات سياسية: «تلفزيون لبنان» ما زال يبحث عن قبطان


كأنّ لعنةً تلاحق منصب مجلس إدارة «تلفزيون لبنان». لا تكاد تمرّ أشهر على تعيين رئيس مجلس إدارة جديد، حتى يُطاح لاحقاً، إلى درجة أنّ تلك الخطوة باتت متوقّعة عند أيّ تعيينات جديدة في هذا الملفّ. «قصة إبريق الزيت» هو التشبيه الأقرب إلى وصف «تلفزيون لبنان» حالياً بعدما أصبح مركز مجلس إدارته خالياً، على إثر قرار وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري تسلّم إدارة «تلفزيون لبنان» من المديرة المؤقتة فيفيان لبّس. في تغريدة له على صفحته على تويتر، كشف مكاري قبل أسبوع عن خطوته الجديدة، قائلاً «تسلّمت المنصب بناءً على قرار قضائي أعفاها من مهامها»! وأوضح وزير الإعلام في التغريدة «اجتمعت مع مديري الأقسام في التلفزيون واستمعت إلى مطالبهم، متمنّياً عليهم الاستمرار في تسيير الأعمال. كما طمأنتهم إلى أنّ جهوداً ستبذل لوضع التلفزيون الأمّ على سكّة النهوض، رغم الأوضاع المالية الصعبة».

هذا التصريح أعاد إلى الأذهان الفترات التي قضاها التلفزيون من دون مجلس إدارة وتخبّط موظّفيه، وسط مشاكل متراكمة أدّت إلى تشبيهه بـ«مغارة علي بابا». فقد توالى على منصب مجلس إدارة «تلفزيون لبنان» قرابة ثماني شخصيات، أبرزها طلال المقدسي الذي صدر قرار قضائي يقضي بعزله من منصبه عام 2017 بعد سنوات قليلة على تعيينه. لم يكن خروج المقدسي من أبواب التلفزيون هادئاً، بل تبعه «نبش» ملفات وقضايا وتهم فساد وجّهتها بعض الأطراف السياسية ضدّ المقدسي.

بعدما أغلق المقدسي الأبواب وراءه، بقي منصب مجلس إدارة التلفزيون شاغراً لسنوات، وسط مشاكل كثيرة واجهته وأرهقت العاملين فيه، مع العلم أن تعيين مجلس إدارة لـ«تلفزيون لبنان» يحتاج إلى انعقاد جلسة مجلس وزراء ويسبقها إجماع سياسي على الاسم الذي يقترَح، وهو عادةً من حصّة رئيس الجمهورية.

من هذا المنطلق، دخل المنصب دوّامة الصراعات السياسية والحزبية، وطغت عليه الكيديات، إلى درجة أنّ تعيين مجلس الإدارة كان يستغرق سنوات، للاتفاق على اسم يُرضي جميع الأطراف السياسية. وهنا كانت الطامة الكبرى!

في صيف 2021، استبشر العاملون في القناة الرسمية خيراً على إثر تعيين توفيق طرابلسي رئيساً لمجلس الإدارة بقرار صدر عن قاضي العجلة بعد انتظارٍ دام قرابة أربع سنوات على شغور المنصب، وخصوصاً أنّ طرابلسي ليس بعيداً عن عالم التلفزيون، بل هو قادم من مجال الإنتاج. يومها، سلّمت وزيرة الإعلام السابقة منال عبد الصمد، طرابلسي مهامه الجديدة عملاً بحكم قضاء العجلة الذي قضى بتعيين إدارة مؤقتة مؤلفة من طرابلسي مديراً عاماً ومن عضوَي مجلس إدارة، هما: فيفيان لبّس ومصباح المجذوب.

عندها، حمل طرابلسي على كتفه ملفات عدّة لدفع التلفزيون نحو الأمام من ناحية البرمجة والتقنيات المستخدمة، وكذلك النظر إلى وضع الموظفين الذين يدفعون الثمن دائماً.

لكنّ رحلة طرابلسي مع «تلفزيون لبنان» لم تكن طويلة، إذ قدّم استقالته فجأة بعد عام على تولّيه منصبه، لتعيَّن لاحقاً فيفيان لبّس في الإدارة العامة للتلفزيون بموجب قرار قضائي مستعجل قبل أشهر. عام واحد قضته لبّس في منصبها أيضاً، قبل كفّ يدها بقرار قضائي أيضاً. فما هي أسباب قرار مكاري الأخيرة؟ وما هي انعكاساته على «تلفزيون لبنان» وموظفيه؟ ومن يتولّى اليوم ملف الشاشة المحلية؟

في هذا الإطار، كشف وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري لنا أنّه اتخذ شخصياً قرار إقالة لبّس، موضحاً: «تمّ تعيين لبّس بقرار قضائي، وكانت تقوم بمهامها. لكن قبل أشهر قليلة، طلبت منها تقديم جداول موظفي «تلفزيون لبنان» لإرسالها إلى وزارة المالية كي يحصلوا على المساعدة الاجتماعية. عندها فوجئت بأنها أرسلت لي ستّ نسخ من الجداول مخالفة، أيّ أنها غير مكتملة بالشكل المطلوب، هذا عدا عن بعض التراكمات. أمر أدّى الى تعقيد الأمور بيني وبينها، فقدّمتُ طلباً إلى القضاء واسترددت المهام منها».

من يتولّى اليوم المهام الموكلة إلى مجلس إدارة «تلفزيون لبنان»؟ يجيب مكاري «أقوم شخصياً بهذه المهام، أحاول ترتيب الأمور لتسيير أمور الموظفين. أداوم يومين في التلفزيون. أحاول البحث في كيفية تخفيف النفقات في التلفزيون وحلّ مشاكل الموظفين المالية في ظلّ الظروف الصعبة التي يمر بها البلد».

تسلّم وزير الإعلام زياد مكاري الملف شخصياً

هل سيتم تعيين مجلس إدارة «تلفزيون لبنان» جديد قريباً؟ يجيب مكاري: «قبل فترة، عرضنا مجموعة أسماء على مجلس الإدارة لدرسها، لكن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اقترح عدم التعيين، وبالفعل لم تتم تلك الخطوة». يختتم مكاري كلامه معلناً أنّه سيعقد قريباً مؤتمراً صحافياً لإطلاع المتابعين على كل التفاصيل المتعلّقة بالتلفزيون.

على الضفة نفسها، صحيح أنّ هذه المرحلة في «تلفزيون لبنان» ليست جديدة، إلا أنّها تتزامن مع ظروف اقتصادية ومعيشية ومالية صعبة جداً، وخصوصاً مع فقدان موظفي التلفزيون قيمة رواتبهم نتيجة ارتفاع سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية، فضلاً عن حرمانهم من المساعدات المالية لأشهر طويلة، وغضّ الطرف عن أوضاعهم المتأزمة. أمر أدى إلى تغيّبهم عن الدوام وقيامهم بما يشبه «الإضراب» إلى حين إيجاد حلول لمشاكلهم.

بالعودة إلى ملفّ فيفيان لبّس، ارتفعت قبل أشهر الأصوات داخل «تلفزيون لبنان» حول بعض الخطوات التي قامت بها وعُدّت بمثابة «خرق» لقوانين التلفزيون، في ظلّ استغلال بعض الأطراف السياسية الفوضى السائدة داخل التلفزيون من أجل إمرار رسائل سياسية لمصلحة فريق ضدّ آخر. تمثّلت تلك الخطوة في انضمام أسماء جديدة إلى التلفزيون محسوبة على «حزب القوات اللبنانية» مثل وليد عبود الذي يقدّم البرنامج السياسي «مع وليد عبود». لكن تلك التهم نفتها لبّس في تصريح معنا. في المقابل، غابت لبّس كلياً عن السمع أمس، بعدما حاولنا مراراً الاتصال بها للتوقف عند موضوع خلافها مع وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري.

باختصار، يبدو أنّ «تلفزيون لبنان» يشبه مركباً يميل شراعه على هدي الرياح السياسية والاقتصادية التي تأخذه يميناً ويساراً. تُرجم ذلك في تخبّط الشاشة وفقدانها هويّتها وحيرتها في تغطية بعض المفاصل السياسية التي مرّ بها البلد في ظلّ غياب قبطان يدرك أهمية هذا المنبر الذي خرّج أهم الإعلاميين ويضمّ في جنباته أضخم أرشيف فني وثقافي وجزءاً كبيراً من ذاكرة اللبنانيين.

تعليقات: