صور الناس وذكرياتهم.. للبيع في سوق الأحد

كيف صارت تلك الصور مشاعاً، مرمية على قارعة الأرصفة ومباحة لكل عين؟ (المدن)
كيف صارت تلك الصور مشاعاً، مرمية على قارعة الأرصفة ومباحة لكل عين؟ (المدن)


في سوق الأحد ذكريات ناس وقصصهم معروضة للبيع. صور أفراد وعائلات تؤرشف لحظات خاصة؛ نظرتهم، وقفتهم، ابتساماتهم للكاميرا، كلها تخفي حكايات لا تعني شيئاً لمعظم رواد السوق، لكنها قد تكون محطة أو لحظة تختصر حياة أصحابها.

فكيف صارت تلك الصور مشاعاً؟ كيف صارت مرمية على قارعة الأرصفة ومباحة لكل عين وتعليق وحتى سخرية؟

يجلس "أبو عدنان" خلف "بسطته" في سوق الأحد عارضاً بضاعته من الصور والعملات القديمة. يقول لـ"المدن" أنه لا يتعامل مع مصدر محدد يبيعه الصور بل "في أغلب الأحيان يحمل عابرو سبيل الصور إلينا. لا نعرف من تخص أو كيف حصلوا عليها. يفترضون أنه يمكن بيعها هنا، فيعرضونها علينا، أنا وشريكي أبو ربيع، إضافة إلى عملات قديمة، يبيعونها ويذهبون. قلة منهم تأتينا بالصور لأكثر من مرّة".

من الصور المعروضة للبيع صورتان لشاب لبناني يقف في أحد شوارع فرنسا بالقرب من سيارة قديمة. على خلفية الصورة عبارة كتبت بالفرنسية “Samedi 21 Août, Dans la rue de Metz à côté de la voiture de tante Alice”.

وصورة أخرى للشاب وعائلته في لبنان، إضافة لعشرات الصور التي تحوّل لونها إلى البرتقالي، لكنها بقيت مع ذلك تحتفظ بلحظة "تاريخية" خاصة لساكنيها، تعرضها على عيون عابرة، لامبالية.

لماذا رميت هذه الصور؟ هل فعل أصحابها ذلك في لحظة ما؟ ترى هل ساقت الظروف هذه الصور إلى أيدٍ غريبة فنزعت عنها حميميتها وحولتها سلعة مقابل حفنة من نقود؟ ما هو مصير صاحب تلك الصور؟ تراه لا يزال حيّا ويود استرجاع صوره؟ أيقيم في لبنان أو في بلاد الـ"تانت أليس"؟


رحلة وضع النّظريات

تلك الأسئلة وغيرها الكثير مما تدفع الحشرية إليها تحرض على التدقيق أكثر والبحث أعمق في ما تقوله تلك الصورة وتكشفه وتخفيه معاً.

فبدأت محاولة وضع النظريات عن صاحب تلك الصور، علّها تكشف بعضاً من قصته.

تخبرنا الصورة أنها التقطت في Metz وهي مدينة تقع في شمال شرق فرنسا، عاصمة منطقة اللورين . وبدأ البحث في التاريخ. في أي سنة صُودف تاريخ "السبت 21 آب"؟ فتوصّلنا إلى 11 عاماً منذ سنة 1948 حتى يومنا هذا.

لكن بعد التدقيق بالصورة، نلاحظ أن سيارة المرأة التي تدعى "أليس" كانت Renault 4 التي تم تصنيعها سنة 1961 وإطلاقها في السوق بالكامل سنة 1966 حتى توقف تصنيعها سنة 1992، مما يلغي من القائمة 8 سنوات أتت قبل تلك الفترة من الزمن وبعدها.

أما لباس الشاب، أي "بنطلون تشارلستون" وسترة الجلد والحذاء ذات الكعب الكوبي، فقد اشتهر في الفترة ما بين الستينيات وأوائل الثمانينيات، حيث بدأت موضته تختفي تدريجياً، مما يلغي التواريخ التي تلت سنة 1993.

والبحث حول ألوان التصوير الفوتوغرافي عبر التاريخ، يشير إلى أن الوصول إلى كاميرات التصوير الملونة لم يكن متاحًا قبل السبعينيات، مما يلغى إمكانية التقاط تلك الصور في أواخر الستينيات، بالرّغم من وجود صورة واحدة مع جدّته بالأبيض والأسود، بدت وكأنها لم تكن مأخوذة بالكاميرا المعتادة، حيث تم العثور على عدد من الصور الملوّنة للشاب في مرحلة طفولته المتأخرة أيضاً. وهذا دليل على أن الشاب قد يكون من مواليد الستينيات، لإمكانية وجود كاميرا تلتقط الصور بالأبيض والأسود أيضاً.

لذلك، يرجّح أن تكون الصورة في فرنسا قد أخذت سنة 1982، بما أنّه وبمعادلة رياضيّة كان في بداية الشباب في تلك الفترة، مما يُرجح أن يكون صاحب هذه الصور يعيش في مكان ما في لبنان أو العالم.


صور وحيوات للبيع

ليست صورهذا الشاب وذكرياته وحدها المعروضة للعموم. عشرات، وأحياناً المئات من هذه الصور، تتواجد على "بسطات" البيع.

هنا صورة لفتى يرتدي الثياب الكشفية إلى جانب صديق له. وتلك صورة لثنائي في أواسط العمر في لقطة هدوء وسعادة، وصور أخرى لعائلات وأفراد تؤرشف ذكريات عبرت، ربما، حتى من الذاكرة.

ترى هل يعرف هؤلاء أن جزءاً من ماضيهم مطروح للبيع على "بسطة" في سوق الأحد في بيروت؟ أم هي ذكرياتهم ضاعت منهم أو سُرقت؟ كيف صارت أحوال من هم في الصور؟ أتراهم يحبون استعادتها؟ ومن الذي يسمح لنفسه بالتجارة في حيوات الناس ولو كانت على صور؟

قد تكون الأسئلة مبالغ بها؛ ولكن الصور المرمية على بسطة في سوق الأحد، تبدو وكأنها تقتحم حيوات أفراد، وتعرضها على الملأ من دون سؤالهم عن رأيهم أو استئذانهم.

من الصور المعروضة للبيع
من الصور المعروضة للبيع


تعليقات: