ساحة جديدة مرجعيون
سجّل التاريخ في مطلع القرن العشرين، نهضة أدبية علمية شهدها جبل عامل، كانت صدى لصوت النهضة العربية التي شهدتها مصر وبلاد الشام في ظلّ الحكم العثماني والانتداب الفرنسي لاحقا، وقد كان لتلك النهضة رجالاتها ايضا الذين نبغوا وتعلّموا ثم علّموا وكتبوا وألّفوا، وبذلوا الغالي والنفيس، وبعضهم تحمل الاضطهاد والسجن، ولم يفتّ كله من أعضادهم، ونجحوا بالنهاية في بعث النهضة وتوريثها للاجيال اللاحقة. وينشر "جنوبية" على حلقات، ملفّا يحاكي هذه الحقبة ويسبر أغوارها، لا سيما منها ابراز شخصيات كان دورها حاسما في بعث تلك النهضة، لم يجر ذكرها مطلقا في كتب التاريخ التربوية، ولو انه جرى المرور على نشاطها السياسي الادبي لماما، في عدد من المؤلفات التي بقيت قاصرة عن إيفاء هؤلاء حقوقهم.
يتفق المؤرخون ان كلية مرجعيون الوطنية التي تأسست عام 1946 وتسلّم ادارتها المرحوم لبيب غلمية، كان لها اليد الطولى في تعميم النهضة العلمية في مرجعيون وحاصبيا . فهي تأسست بنتيجة دمج الكلية الاثرذوكسية ومدارس المرج الانجيلية العالية، فقد تم الاتفاق بين المطران تيودوثيوس ابو رجيلي والقس فضلو حوراني على توحيد العمل التهذيبي، تولى ادارة الكلية في بداية عهدها القس حنا حردان الخوري مدة سنتين، وبعد ذلك تولى ادارتها الاستاذ لبيب غلمية حتى سنة 1975 وكان له فضل كبير في جعل هذه الكلية من ابرز المعاهد التربوية في لبنان، وكنت مدرسة داخلية، و قد تلقى العلم فيها طلاب من شمال لبنان ومن بعض الدول العربية ومن كل القرى الجنوبية، وقد لعبت دورا كبيرا في المنطقة على الصعيدين الثقافي والتربوي وخرجت اجيالا منفتحة فكريا، وقد تمكن غلمية بفضل علاقته الوطيدة بالدكتور قسطنطين زريق رئيس الجامعة الاميركية في بيروت، من تأمين مساعدات مادية ومنح تعليمية للطلاب وخبرات تربوية مهمة ساهمت بتطوير المناهج باستمرار ورفع مستوى الكلية والكوادر التعليمية على مرّ سنين.
رسمت كلية مرجعيون لنفسها نهجا وطنيا علمانيا۔ عرفت الكلية فترة توقف بين سنتي 1976 و1978 بسبب الاحداث، ثم عهد بادارتها الى موريس دبغي مع الغاء القسم الداخلي فيها۔ وهو ظلّ يديرها على افضل وجه حتى وفاته عام 2016، وبلغ عدد تلامذتها 1000 تلميذ يتوزعون على مراحل الروضة حتى الثانوية.
كلية مرجعيون لعبت دورا كبيرا في المنطقة على الصعيدين الثقافي والتربوي وخرجت اجيالا منفتحة فكريا
وفي مقال منقول عن صفحة موقع الخيام تقول كاتبته سعدى علّو: “قبل الاجتياح الإسرائيلي للجنوب في العام 1978، ترك مدير المدرسة الوطنية في مرجعيون لبيب غلمية بلدته ووظيفته تحت وطأة التهديدات الإسرائيلية وغادر مع عائلته إلى بيروت وهو على فراش الموت في العام 1995، أوصى بعدم دفنه في مرجعيون طالما هي تحت الاحتلال الإسرائيلي، ثم عندما تحرّرت مرجعيون في العام 2000، عاد الجنوبيون إلى مدنهم وقراهم، ومعهم عادت رفات لبيب غلمية إلى تراب «الغالية مرجعيون»، كما كان يردّد قبيل الرحيل.
فؤاد جرداق..
فؤاد جرداق، هو الشقيق الأكبر للشاعر والاديب الراحل جورج جرداق. ولد في بلدة جديدة مرجعيون، في 12 ديسمبر 1912 وتوفي عام 1965، لقّب بشاعر المرج. عاش حياة متنوعة من العمل والكفاح والسجن. درس في مدرسة تقع في بلدته، وعندما بلغ، ذهب إلى دير بصيدا من أجل أن يصبح راهبًا، لكنه لم يستطيع أن يتحمل سوى عام وحيد، سافر بعدها إلى سوريا 1935، ودرس الزراعة في المدرسة الزراعية بمدينة السلمية.
عاد إلى لبنان وعمل في وزارة الزراعة، حتى تم تعيينه في الجامعة الوطنية، ثم درّس بعد ذلك بكلية مرجعيون مادة الادب العربي، وهي التي كان يديرها الاديب المربي لبيب غلمية وكانت في اوج عطائهما، وعمل بعض الوقت بالزراعة بمدينة بعلبك وراشيا الوادي، تزوج مرتين لكنه لم يستمر إلى خمس سنوات مع زوجته الأولى وسنتين مع الثانية.
عمل بالصحافة وكان رائدًا من رواد الصحافة اللبنانية والسورية، كما رأس تحرير جريدة تصدر باسم النهضة المرجعيونية، وعمل محررًا في جريدة الغرائب، والمريخ، وأسس جريدة الخازوق الساخرة، والتي أصدرها في أيام الانتداب الفرنسي، يحرض فيها على القتال ضد الفرنسيين، وينتقد أعمالهم ضد بلاده، مما عرضة للاعتقال والتحقيق من قبل سلطة الانتداب مرات عدة.
من مؤلفاته: “المنعشات في مسارح الصهباء”، ديوان قصائده “البواكير” التي اصدرها عام 1933، “الهواجس”، قصائد مختارة من أشعاره جمعها ابنه وسام 1974، كما نشرت له دراسة “أدب العرب” عام 2002.
عمل فؤاد جرداق بالصحافة فترأس تحرير جريدة تصدر باسم النهضة المرجعيونية والمريخ، وأسس جريدة الخازوق الساخرة ضد الانتداب الفرنسي
عام 1938 تعرض فؤاد جرداق للسجن لأنه هاجم الانتداب الفرنسي حين كتب قصيدته الشهيرة “وطن سراحين ذئاب تسوسه” وانتشرت القصيدة في لبنان والعالم العربي. وكل صحيفة عمدت إلى نشر هذه القصيدة أو أجزاء منها تعرضت للإقفال فورا.
والمفجع في هذه القصيدة أن واقع الحال لا يزال مقيما ولو بعد أكثر من ثمانين سنة. يقول:” وطن سراحين ذئاب تسوسه/ ماذا يدر لشعبه تقديسه/ وطن تطير من الأسى أرواحه/ وتثور من جور الطغاة نفوسه/ ماذا أقول بموطن حكامه/ رهبانه وشيوخه وقسوسه / وعلومه أديانه وعميده/ خوانه وزعيمه جاسوسه/ وطن بلا طول ولا عرض ولا/ سمك ولا جرم فكيف أقيسه” .
ورغم ذلك لم يهادن فؤاد جرداق ولم يسكت وكلما سنحت له الفرصة كان يهاجم زعماء الطوائف السالبين خيرات البلاد، فيقول بما يحاكي للواقع اليوم حيث يتربع زعماء الفساد فوق عروشهم المضمخة بدماء الفقراء: ” اللابسين من الزعامة حلة/ حمراء خضبها دماء الناس / والآكلين اللحم من أكتافنا/ والسالبين بقية الأنفاس/ والواضعين ثراءنا بجيوبهم/ والقائدين الشعب بالألماس”.
* المصدر: janoubia.com (تاريخ النهضة في جبل عامل(12))
اقرأ أيضاً:
تاريخ النهضة في جبل عامل(1).. تجديد الحوزات وبروز رجال دين مصلحين
تاريخ النهضة في جبل عامل(2).. رضا الصلح باعث النهضة ومحركها
تاريخ النهضة في جبل عامل(9): رضا التامر خريج السوربون يخترق القضاء ويحوز المناصب
تاريخ النهضة في جبل عامل(12).. لبيب غلمية وفؤاد جرداق ينهضان بمرجعيون وحاصبيا
جديدة مرجعيون
لبيب غلمية
فؤاد جرداق
رسالة بخط يد لبيب غليمة لرئيس الجامعة اللبنانية قسطنطين زريق
تعليقات: