مأتم الضابط الطيار سامر حنا
سيدتي الفاضلة...
لم يسبق لي ان عرفتك من قبل. لكنني أشعر انني أعرفك من زمن طويل. فهذا الحزن الدافق الذي يغمرك ويفيض عن طاقة التحمل لديك، عرفته في أمهات كثيرات فقدن فلذات الأكباد، هكذا في غفلة من الزمن، وخارج المعركة التي يفترض ان يكون فيها كجندي نذر حياته للوطن.
كان يمكن يا سيدتي العظيمة، ان تهوي طوافة الضابط الطيار سامر حنا به كما حصل مع آخرين من قبل، ويلعب القدر لعبته القاسية، فيسقط شهيدا، لكن ان تكون الفاجعة على النحو الذي استشهد فيه، فان ذلك والله ليبعث على حجم من الألم والأسى والحزن أكبر من أن تمحوه الذاكرة. وأين؟ في الجنوب الذي أعطى للشهادة معنى تجاوز كل المعاني. وبرصاص من؟ بنار الذين يحملون الجمر برموش عيونهم لحماية هذا الوطن من عدو غاشم أذل أهله طويلا.
اليوم يا سيدتي، تختصرين كل حزن الامهات، مثلما تختصرين كل المشهد السياسي اللبناني بكل تناقضاته: بعظمته وصغره وصغاره، بحبه وحقده وحاقديه، بحاملي أمانته وبصيادي الفرص فيه، بالجاهدين وراء وطن عزيز كريم واللاهثين وراء موقع او منصب او انتخابات زائلة لا يدوم فيها فائز او راسب.
كان يمكن يا سيدتي ان يكبر الصغار امام شهادة سامر، فيترفعوا عن استغلال الحزن والألم الذي يعصرك مثلما يعصر غالبية شعبنا بدءا من الجنوب وانتهاء بآخر ضيعة في الشمال. لكن قنّاصي المناسبات اصغر من ان يكبروا. لقد اعتادوا دوما ان يكابروا.
أنا أعرف يا سيدتي أن لا شيء يعزيك الآن أو يخفف من آلامك. لكنني أعرف ايضا ان المقاومة التي استشهد ولدك برصاصها نتيجة خطأ أكيد، ربما لسوء التصرف أو سوء التنسيق في لحظة من التخلي، هذه المقاومة حزينة جدا لما حصل. فمن قال ان المقاومين ايضا لا يخطئون. ولعل كبيرها وسيدها وقائدها أول الحزانى وأكثرهم غصة وحرقة، فهو والد شهيد ويعرف ربما أكثر بكثير من الآخرين، ألم هذه اللحظة التي انقضّ فيها نواطير السياسة والاعلام، لاستغلال حزنك وغضبك وآلامك وجرحك الفاغر.
لقد سارعت المقاومة الى وضع القضية في يد القضاء وأكدت تعاونها الكامل معه وسلمت مطلق النار للسلطات الرسمية، مع ما يعني ذلك للمقاومين من حدث كبير ربما يحصل للمرة الاولى. ولكن ثمة من يريد أكثر وأبعد من ذلك. ثمة من يحلم برؤية الأغلال في يدي حسن نصر الله. بل ثمة من يتمنى ان يراه في قفص اسرائيلي في حيفا او تل ابيب او القدس المحتلة. تدلل على ذلك فورة من التصاريح والكتابات الغنية عن الوصف.
قد يكون مفيدا يا سيدتي الفاضلة الا تستمعي لفحيح الافاعي في هذه المرحلة الدقيقة من حياتك وحياة الوطن. لا أظنك تحلمين بالانتقام. عظمتك اليوم ان تنتصري على الحزن، وان تملكي قلوب الناس الطيبين الذين سترين في عيون كل منهم وجه سامر الشهيد.
لا شيء يعزيك يا سيدتي في هذه اللحظة. ان الفاجعة أكبر من ان يحملها عقلك او يتحملها فؤادك. ونحن يا سيدتي لا نملك الا الدعاء لك بأن يلهمك الله جميل الصبر والسلوان. ان الله مع الصابرين اذا صبروا.
تعليقات: