المصارف تفقد صوابها وتتحدى القضاء واللبنانيين: الإضراب طويل الأمد!

قرار المصارف بالإضراب جاء في توقيت خبيث (المدن)
قرار المصارف بالإضراب جاء في توقيت خبيث (المدن)


تجاوزت المصارف الخلافات فيما بينها وتوحّدت على قرار مواجهة القضاء والضغط على السلطة السياسية، المتحالفة معها أصلاً، في سبيل الإسراع في إقرار قانون الكابيتال كونترول مشمولاً بحمايتها من قضايا المودعين في الداخل والخارج.

لطالما "تسلّحت" المصارف بمصالح العملاء لفرض إرادتها في مواجهة بعض الأحكام القضائية، وهي المعتادة دعم السلطة القضائية والسياسية لها ولممارساتها منذ ما قبل الأزمة عام 2019 وحتى اللحظة. قلة من القضاة "غير المنبطحين" لإرادة المصارف، أنصفوا المودعين فاستنفروا المصارف، التي عمدت إلى استخدام آخر أسلحتها وهي الإغلاق التام بوجه العملاء.


فقدت صوابها

بدأت المصارف اللبنانية اليوم، الثلاثاء 7 شباط، تنفيذ إضراب عام تحت مظلة مطالب تبدأ بإقرار قانون الكابيتال كونترول (بالصيغة المناسبة لها) وتنتهي بتأمين المعالجة للأزمة النظامية الوجودية. تأخذ المصارف عملائها رهينة للضغط في سبيل إقرار قانون الكابيتال كونترول بعد أربع اعوام على الأزمة، وهي التي كانت قد رفضته ووقفت حجر عثرة في وجه إقراره مباشرة عقب انطلاق الأزمة عام 2019.

وإذا كانت المصارف محمية بآلاف الدعاوى القضائية المرمية في أدراج المحاكم وبعشرات الأحكام "المفصّلة" على قياسها، فإن حكماً واحداً بحق مصرف استنفرها وأفقدها صوابها وهو الحكم الذي صدر عن محكمة التمييز-الغرفة الثانية بحق فرنسبنك لصالح مودعَين، وألزمه بسداد شيكات مسحوبه عليه بالدولار نقداً.

وأتى الحكم القضائي الأخير ليُطلق الشرارة الأولى لاستنفار المصارف، بعد سلسلة أحداث وقعت في الأسابيع والأشهر الأخيرة، منها ملاحقة القضاء الأجنبي لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والأحكام التي أصدرتها المحاكم الأجنبية بحق مصارف لبنانية، وإلزامها سداد ودائع نقداً لأصحابها، والعقوبات الأميركية الأخيرة التي فرضتها وزارة الخزانة على محيطين بسلامة والمصارف.

إقفال المصارف اليوم يرقى إلى مستوى الفضيحة. إذ تبدو واضحة نوايا التهرب من التحقيقات القضائية والتمرّد على القرارات والأحكام القضائية وتالياً التهرّب من رد أموال المودعين. هذا الواقع يبرّر المطالبة بكف يد رؤساء وإعضاء مجالس إدارات المصارف والحجز على كافة أصولها وموجوداتها وممتلكاتها في لبنان والخارج، وتعيين مدراء مؤقتين على غرار مصرفي فيدرال بنك وبنك البركة لدرس اوضاعها وتحديد مصيرها.


إضراب لأجل غير مسمى

بدأت المصارف مجتمعة تنفيذ إضرابها العام اليوم، من دون أن تشهد أي استثناءات، فأقفلت أبوابها في كافة فروعها، وحصرت تعاملاتها الأساسية بالصرافات الآلية ATMs فقط. غير أن تأمين العمل بالصرافات الآلية ليس كافياً للكثير من العملاء الذين تستلزم معاملاتهم الحضور إلى مكاتب الموظفين. هذا الأمر دفع بالكثير من العملاء إلى الحضور اليوم إلى المصارف من دون ان يُسمح لهم بالدخول. وقد شوهدت تجمعات من المواطنين على ابواب أكثر من مصرف من دون ان يتم استقبال أي منهم.

المصارف مفتوحة اليوم أمام موظفيها فقط، يعملون داخل الفروع ويمتنعون عن استقبال المراجعين. يعملون على تسيير عمل القنوات الرقمية، كالصرافات الآلية لتحويل رواتب الموظفين والمودعين من المستفيدين من تعاميم مصرف لبنان، ومراكز الإتصال (call center) للرد على أسئلة العملاء.

أما العملاء الذين لا يمكنهم إتمام عملياتهم المصرفية من خلال الصرافات الآلية، فهؤلاء لا يمكنهم إتمام معاملاتهم إلى حين تراجع المصارف عن الإضراب العام، واستئنافها فتح أبوابها، ومنهم المستفيدون الجدد من التعاميم خصوصاً التعميم 158 والتجار والمستوردون وعموم العملاء باستثناء الموظفين. أما عن أمد الإضراب فلا شيء يشير إلى اقتراب صوغ أي حلول، هذا في حال استثنينا ممارسة الضغوط على القضاء للتراجع عن الحكم بحق فرنسبنك والتعهد بعدم التعرض للمصارف من جديد.

أما جمعية المصارف فتروّج لعدم التراجع عن الإضراب، وأن أمده قد يكون طويلاً ما لم تُتخذ قرارات مصيرية. وقد غاب عن المصارف أن قرارها بالإضراب جاء في توقيت خبيث استغلت فيه قلق وخوف اللبنانيين من عواقب الزلازل التي ضربت تركيا وسوريا وطالت تداعياتها لبنان، فالأنظار لا تزال تتجه إلى تركيا وسوريا وترصد الفاجعة الإنسانية والتطورات الجيولوجية، غير آبهة بإجراءات المصارف. أما في المرحلة المقبلة حين يلتفت اللبنانيون إلى مخاطر إغلاق المصارف أبوابها وتعمّدها ممارسة الضغوط عليهم، فالمواجهة قد تعود ربما من بوابة القضاء أو الشارع أو الإثنين معاً.

تعليقات: