لا تسوية قبل الاستحواذ على أملاك الدولة وبيع أصولها؟

خلق نظام اقتصادي جديد قائم على استثمارات خارجية تستحوذ على المرافق الكبرى (Getty)
خلق نظام اقتصادي جديد قائم على استثمارات خارجية تستحوذ على المرافق الكبرى (Getty)


لم يعد لبنان يمتلك ترف الوقت. كل آليات الالتفاف على الأزمة أو تأجيلها تتناقص. حتى أن العناصر التي كانت متكاملة في إيجاد صيغ الالتفاف بدأت تصطدم بعضها ببعض. وهذا لا ينسحب فقط على الصراع السياسي المفتوح، والمتضمن خلفيات متناقضة حول الوجهة الاقتصادية والمالية للدولة.


صراعات ومصارف

خلال الأسابيع الثلاثة الماضية شهد لبنان تسارعاً في الاقتراب من الانهيار الشامل على وقع الانحلال شبه الكامل للدولة. ولذلك، لا بد من التقاط بعض الإشارات حول بعض الإجراءات التي تبدو كمحاولة لتأجيل الارتطام. وهي إجراءات مؤقتة كما هو الحال بالنسبة إلى ملاحقة الصرافين وتوقيفهم، وذلك بهدف منع التفلت الشامل. وما ينجم عن ذلك هو صراع داخل بنية السلطة، يؤدي إلى ارتباك تستمر محاولات الالتفاف عليه.

من بين محاولات تأجيل الانفجار أو الارتطام، تأتي الحملة الأمنية على صرّافي السوق السوداء. التهدئة والتراجع خطوة إلى الوراء في ملف التحقيقات بتفجير المرفأ. وسعي الحكومة إلى البحث عن أساليب لتقديم المزيد من المساعدات المالية للموظفين. لكن هذه الآليات كلها تبدو غير ناجعة. خصوصاً أن مقومات الصراع أكبر بكثير. كما هو الحال بين المصرف المركزي من جهة ومؤسسات الدولة المتعددة الأخرى، حول المطالب بالتحويلات المالية. أو بين المصرف المركزي والمصارف، وبين الدولة والمصارف التي اندفعت إلى إعلان الإضراب العام.


الاستحواذ على أملاك الدولة

يحصل ذلك، في لحظة ينشأ في لبنان نظام مالي كامل خارج النظام المصرفي، وهذه النقطة تحاول المصارف منعها، لأن استمرارها سيؤدي إلى القضاء على دورها، وهو ما دفعها إلى إجراء الإضراب كاعتراض على تهديد القطاع المصرفي بالمعنى الاستراتيجي، ولمكافحة "الاقتصاد النقدي" أو القائم على "الكاش". لا تدل هذه المؤشرات إلا على مسار مفتوح في البحث عن وجهة جديدة لبنية هذا الكيان، سياسياً واقتصادياً ومالياً. وهو أكثر ما تهتم به الدول أساساً. ويبدو أوضح بالنسبة إلى المساعي الفرنسية المستمرة، من المرفأ إلى المطار وما بينهما من استثمارات نفطية وغازية أو مصرفية مستقبلاً.

يأتي ذلك في ظل تخوف لبناني من أن يقود الانهيار في كل القطاعات إلى عدم ضبط الوضع المعيشي، والاضطرار إلى بيع أصول الدولة. وهو أخطر ما سيكون. لا سيما أن هناك أطرافاً عديدة تضع هكذا اقتراح على جدول أعمالها، أهمهم مكتنزو القدرات المالية النقدية والقائم نشاطهم حالياً على "اقتصاد الكاش" واستثماره في عقارات خاصة، إلا أن التطور في هذا المسار سيقود إلى استثمارات داخلية أو خارجية في أملاك الدولة بقطاعاتها المختلفة، والاستحواذ عليها.


الحسابات والمضاربات

هناك من يعتقد أنه قبيل الوصول إلى مثل هذه التفاهمات الاستراتيجية على "المقاصة" المالية والاستثمارية، لن يكون الذهاب إلى تسوية سياسية مسألة متاحة. وربما ما يتوجب عليه التسريع في ذلك، هو تسارع وتيرة الانهيار، وارتفاع منسوب التوتر السياسي والاجتماعي، والذي قد تنجم عنه توترات أمنية أو عسكرية تضع اللبنانيين أمام واقع لا بد من مواجهته، وهو فرض ظروف انعقاد التسوية من الخارج، بعدما تكون ظروف الداخل قد نضجت بفعل التعب وانعدام القدرة على التحمل.

على وقع كل هذه الحسابات والمضاربات الداخلية والخارجية، عُقد اجتماع باريس، والذي بحث في إمكانية وضع مسار سياسي لحل الأزمة اللبنانية، تحت عنوان أساسي أن الحلّ لا يتم فقط بمجرد انتخاب رئيس، إنما لا بد من وضع تصور عام يوافق اللبنانيون على تطبيقه، ويتعلق بكيفية خلق نظام اقتصادي جديد قائم على استثمارات خارجية، كانت ملامحها قد بدأت بالظهور في ملفين أساسيين، الأول ما بعد تفجير مرفأ بيروت، وطموحات ودوافع المستثمرين الذين يستعجلون الوصول إلى صيغة لبدء العمل فيه. والثاني في مجال النفط والغاز. فيما تبقى مجالات أخرى تنتظر دورها، كالقطاع المصرفي، وقطاعات إنتاج الطاقة الكهربائية والاتصالات، وما بينها من مشاريع في البنى التحتية، قبل الوصول إلى "البنى السياسية".

تعليقات: