إرجاء محاكمة المتهمين بانفجار التليل: أهالي عكار يصرخون ألماً

تزامنت الجلسة مع وقفة احتجاجية لأهالي الضحايا والجرحى (الأرشيف، المدن)
تزامنت الجلسة مع وقفة احتجاجية لأهالي الضحايا والجرحى (الأرشيف، المدن)


تتجول السيدة نجمة القنطار داخل قاعات قصر العدل، حاملةً صورة ابنها الشاب علي شريتح، الذي توفي متأثراً بحروقه بعد عدة أيام من انفجار صهريج المحروقات في بلدة التليل العكارية، في منتصف آب عام 2021. تدخل نجمة إلى قاعة محكمة التمييز منتظرةً بدء جلسة محاكمة المتهمين المقررة اليوم، 10 شباط، والتي أرجئت إلى 31 آذار الجاري.


الجلسة الثانية

تحمل صورة ابنها، الرقيب الأول في الجيش اللبناني، مرتدياً بزته العسكرية بابتسامة خجولة، فتضعها على صدرها، وترفعها قليلاً ليتمكن القضاة من رؤية ابنها بوضوحٍ، ثم تثبتها على المقعد الخشبي إلى جانبها. وترفعها مرة أخرى لتخبر الحاضرين بصوتها المرتجف: "علي مات محروقاً، تألم كثيراً قبل الموت، احترق جسده وذاب واحترق قلبي أنا، أريد العدالة، أريد العدالة".

وفي جانبها، يجلس أهالي الضحايا والجرحى، الذين وصلوا إلى بيروت عند التاسعة صباحاً، مستعينين بحافلة كبيرة نقلت 33 عائلة من عكار إلى قصر العدل لحضور جلسة المحاكمة.

العاشرة والنصف صباحاً، بدأت جلسة المحاكمة الثانية، وفكت أصفاد الحديد عن أيدي المتهمين بعد دخولهم إلى القاعة، وهم ريتشارد ابراهيم، جرجي ابراهيم، جورج ابراهيم وعلي الفرج، المحكوم على بعضهم بالإعدام. وهم متهمون بإشعال مادة البنزين المخزنة بطرق غير آمنة أمام المتجمهرين، الذين حضروا للحصول على البنزين بعد أن قام الجيش بضبطها عام 2021 خلال أزمة المحروقات.

التأم المجلس العدلي، وترأس القاضي سهيل عبود الجلسة، بحضور القضاة جمال الحجار، عفيف الحكيم، جان مارك عويس ومايا ماجد، والقاضي عماد قبلان ممثل النيابة العامة. وحضر عن جهة الإدعاء والدفاع مجموعة من المحامين وبعض المدعين بصفتهم الشخصية.


إرجاء الجلسة

هذا وكان المحقق العدلي في هذه القضية، علي عراجي قد أصدر القرار الاتهامي بعد ثمانية أشهر على حادثة التفجير، التي أدت إلى مقتل 32 شخصاً وجرح أكثر من 100 شخص، وأحيل في القرار الاتهامي ثمانية من المتهمين والأظناء إلى المجلس العدلي. وبدأت الجلسة الأولى في 13 كانون الثاني 2023، فيما حددت الجلسة الثانية صباح اليوم وأرجئت إلى 31 آذار، حيث تعتبر هذه الجلسات شكلية على أن يتم بدء المحاكمة الفعلية واستجواب المتهمين والاستماع إليهم في الجلسة المقبلة، قبل صدور الحكم النهائي.

داخل قاعة المحكمة، حضر أفراد من عائلة ريتشارد وجرجي ابراهيم لدعم وتهدئة ومساندة المتهمين، مؤكدين لهم أن الأمور كلها ستكون على ما يرام. وطالب وكلاء الدفاع من القاضي عبود أن يبرز وكلاء الادعاء عن الجرحى جميع تقاريرهم الطبية التي تثبت أن إصابتهم ناجمة عن تفجير البنزين. من جهتهم اعتبر وكلاء الادعاء أن جميع التقارير الطبية تؤكد وتثبت أن الحريق المفتعل أدى إلى إصابة الجرحى بحروق بالغة وبندوب دائمة.

كما طالب القاضي عبود من المدعين بصفتهم الشخصية ضرورة تكليف محام لمتابعة قضيتهم، وسجل في الجلسة الثانية عدد من الاسقاطات عن المتهمين، هذا عدا عن أن حوالى 7 مدعين قاموا بعزل نقيب المحامين في طرابلس السابق، محمد مراد، وذلك بسبب خلافات شخصية.

وفي حديث "المدن" مع المحامي مراد أوضح: "أن هذه القضية هي قضية إنسانية تستوجب تحقيق العدالة ومحاسبة الفاعلين". وفيما خص الأهالي الذين قرروا عزله وتعيين محام آخر، أجاب: "في الفترة السابقة أظهر أهالي المتهمين رغبتهم بعقد اتفاق مع أهالي المدعي عليهم، للتنازل عن الدعاوى وتعويضهم مادياً، اجتمعت بالمدعين وأخبرتهم بهذا الأمر. أسقط البعض منهم دعاويهم وتقاضوا مبالغ تعويضية. آخرون اعتبروا أنني أدافع عن أهالي المتهمين، وهذا الأمر غير صحيح".


وقفة احتجاجية

وتزامنت هذه الجلسة مع وقفة احتجاجية لأهالي الضحايا والجرحى أمام قصر العدل ببيروت، حاملين شعارات تدين الدولة اللبنانية التي تتساهل في رقابتها الأمنية على المعابر غير الشرعية، ما ساهم في زيادة جشع التجار لتهريب المحروقات إلى سوريا، ومنها: "سلطة التهريب قتلتنا، بدنا نحاسب مين فجرنا، ولادنا محروقين".

وفي نهاية الجلسة، حاولت الأجهزة الأمنية تهدئة رضوان أسعد، والد الضحية محمد أسعد، الذي بدأ بالصراخ خارج قاعة المحكمة، اعتراضاً على إرجاء الجلسة وعدم محاسبة جميع المتهمين في هذه القضية، حيث أن القرار الاتهامي لم يدن الضباط الأمنيين وعناصر الجيش الذين كانوا مولجين حماية هذا الصهريج المصادر، في حين توعد أسعد أنه لن يتنازل عن حق ابنه أبداً، وأن حضور الأهالي من عكار إلى بيروت في ظل هذه الأزمة الصعبة من دون تحقيق العدالة هو أمر غير مقبول، فكيف ستتحقق العدالة إن كانت الجلسة تؤجل شهرياً؟"

انتهى يوم أهالي الضحايا الطويل، وتوجهوا إلى عكار، مؤكدين عودتهم للاعتصام أمام قصر العدل في نهاية شهر آذار الجاري حتى تحقيق العدالة لضحاياهم.

تعليقات: