تعجز مؤسسات الرعاية أيضاً عن قبول كل الطلبات المتزايدة للإهتمام بالأطفال(Getty)
لم يكن من السهل على عائلة مصطفى شكور في شمالي لبنان، وضع أولاده الثلاثة في دار للأيتام. لكن، كما العديد من المواطنين في قرى الشمال أو البقاع والجنوب تعيش هذه العائلة في حالة من البؤس والفقر، وهو ما صار شبه معمم على آلاف العائلات في تلك المناطق بسبب الأزمة الإقتصادية الخانقة.
يقول شكور لـ "المدن": لا أملك ثمن الحطب للتدفئة، أو حتى شراء المازوت. في العام الماضي تعرض بيت العائلة إلى تشققات بسبب العواصف، وبات غير صالح للإقامة، ولذا فضلت إرسال الأولاد إلى دار الأيتام لينعموا على الأقل بالتدفئة".
يزور الأبناء العائلة خلال عطلة نهاية الأسبوع. يتلقون تعليمهم داخل دار الرعاية، ويمارسون مهارات جديدة، كما يتناولون وجبات غذائية مفيدة ومغذية، وهو ما يجعل العائلة قادرة على تحمل فكرة تخليها عن الأولاد والعيش بعيداً عنهم.
يعمل شكور في بيع الخضار والفاكهة، وراتبه لا يكفي حتى لشراء الخبز، فيما تسعى زوجته إلى العمل في البيوت، ليتمكنا من شراء الأساسيات.
حتى تتمكن أي عائلة في لبنان من توفير أساسيات الطعام من "خضار وخبز فقط"، تحتاج ما لايقل عن 6 ملايين ليرة (100 دولار تقريباً) ، وهو مبلغ لا يمكن للكثير من العائلات توفيره. لا تتجاوزالمستحقات التي يتقاضها شكور وزوجته المليون ليرة (18 دولاراً)، وبالكاد تكفي لشراء الخبز والماء.
شكور ليس الوحيد في القرية الذي لجأ إلى دار الأيتام، هناك العشرات من العائلات التي تسعى يومياً إلى إدخال أبنائها إلى دور الأيتام، بعدما انهارت قيمة العملة، وتآكلت القدرة الشرائية للبنانيين.
لطالما كانت المناطق الحدودية والنائية غائبة عن خريطة التنمية الحكومية، ولذا، فهي الأكثر تأثراً بالظروف الحالية. أجبرت العائلات التخلي عن أولادها، وإرسالهم إلى دور الأيتام ومؤسسات الرعاية، على الأقل حتى يتمكنوا من الحصول على الطعام الأساسي.
الجوع كافر
في جنوب لبنان، الوضع لا يختلف كثيراً، اضطرت عائلات عديدة إلى إرسال أطفالهم لدور الرعاية. تشير السيدة فاطمة حرقوص، إلى أنها اضطرت إلى ارسال إبنتها إلى دار الأيتام، بنظام جزئي- من الصباح حتى المساء وتعود إلى المبيت في بيتها- لأنها لا تمتلك المقدرة المالية لا لإطعامها أو لإرسالها إلى المدارس. تقول لـ "المدن" عانت أبنتي من فقر دم حاد بسبب سوء التغذية، ولم يكن أمامي أي خيار أخر، بعدما فقدت زوجي في حادث قبل عامين، ولا أستطيع تدبير نفقاتها الأساسية".
تشير حرقوص، إلى أن عدداً كبيراً من أبناء البلدة، أرسلوا أبنائهم إلى دور الأيتام، خصوصاً في الفترة الصباحية، فمن جهة يؤمنون لهم التعليم المجاني، ومن جهة ثانية، يحاولون توفير مكان آمن لتقديم وجبات غذائية، بحسب تعبيرها، فالجوع لا يرحم. بعد مرور 6 أشهر على إدخال إبنتها إلى دار للأيتام، بدأت تتحسن صحتها الجسدية، وباتت قادرة على التفاعل مع محيطها.
إقبال عال
في دار للأيتام في منطقة صور، تروي وفاء حيدر المسؤولة عن قسم رعاية الأطفال في المرحلة الابتدائية، إلى أنه ومنذ بداية عام 2022، زاد عدد الطلاب تحديداً في دار الأيتام. تقول لـ "المدن": ارتفع عدد طالبي الدخول إلى دار الرعاية بمعدل الضعف تقريباً، ومعظم الأهل، طالبوا بالمبيت، لكن الدار لا يتحمل أكثر من 50 طفلاً، ولذا تم التوصل مع الأهل إلى تقديم الرعاية خلال النهار، والمبيت عند الأهل". تصف حيدر الوضع الصحي والنفسي لعشرات الحالات التي تدخل الدار. تقول" يعاني معظم الأطفال من نقص حاد في الغذاء، وهم غير قادرين على التفاعل مع محيطهم، في بعض الأحيان يرفضون فكرة وجودهم في دار للأيتام، ولكن مع مرور الوقت يبدأ الطفل يتأقلم تدريجيا، وتتحسن صحته النفسية والجسدية.
إمكانيات محدودة
بحسب حيدر، لا تملك الدار قدرات مالية لاستقبال هذا الطلب المرتفع للأطفال، تقول "توقفت تقريباً المساعدات المالية من الحكومة، وباتت جميع نفقات الدار تقريباً بالدولار الأميركي، وهو ما دفع إدارة الدار الى تقليص عدد الأسرة من 75 سريراً إلى 50 تقريباً، مع الإبقاء على 10 أسرة لحالات الطوارئ" وتقول" يعتمد الدار في المرحلة الراهنة على تبرعات المغتربين، ولكن آليات استمرار هذا العمل الإنساني مرهونة فقط بالتبرعات".
تتفق فاتن شرف، رئيس دائرة الرعاية الاجتماعية بمؤسسات الدكتور محمد خالد، مع حيدر بشأن توقف المساعدات من الحكومة، على الرغم من ارتفاع أعداد المتقدمين لطلبات الدخول إلى دور الرعاية. تقول لـ "المدن": صحيح لا يوجد أرقام واضحة عن حجم الإقبال، لكنه مرتفع بشكل مخيف مقارنة بالسنوات السابقة". وتضيف:" يتلقى المركز مئات الطلبات يومياً، معظم تلك الطلبات هدفها الحصول على مكان لأطفالهم بسبب عدم قدرة الأهل على تأمين المستلزمات الأساسية، من غذاء، وطعام.
منذ بداية العام 2022، يتلقى المركز شهرياً عشرات الطلبات، لأطفال لم تبلغ سن الخامسة من العمر، ويعانون من أمراض عديدة، بسبب نقص الغذاء، ويحتاجون إلى مأوى، ومساعدات طبية عاجلة.
في الفترة الحالية، لا تستطيع مؤسسات الدكتور محمد خالد من قبول جميع الطلبات، نظراُ لارتفاعها من جهة، ولعدم وجود مساعدات مالية من جهة ثانية، إذ أن المساعدات قائمة فقط على التبرعات التي تشهد بدورها انخفاضاً مقارنة مع السنوات الماضية.
نقص اليد العاملة
تسعى مؤسسات الرعاية الاجتماعية إلى توفير اليد العاملة المتخصصة، وتحديداً بالنسبة للأطفال الذين يعانون من أمراض مزمنة، أو مشاكل تربوية. منذ عامين تقريباً وبحسب حيدر، انخفض عدد العاملات في هذا المجال، وهو ما يسبب مشكلة حقيقية لدور الرعاية وللأهل على حد سواء.
تقول"حاولت إحدى العائلات ارسال ابنها البالغ من العمر 7 سنوات إلى دار الأيتام، لمعالجته من أمراض الصرع، بعدما فقدت العائلة الإمكانيات المادية لمعالجته على نفقتها الخاصة، لكن الدار لم يتمكن من استقباله بسبب نقص الكوادر المتخصصة".
هذه حال طفل من بين مئات تهددهم الأوضاع الاقتصادية بحرمانهم من أبسط البديهيات: الأكل والطبابة والتعليم فيسعى أهلهم إلى حرمانهم من دفء العائلة وحبّها علّهم يحصلون في دور الأيتام على ما يبقيهم على قيد الحياة.
تعليقات: