المصارف تمارس الابتزاز: نريد عفواً عاماً الآن!


التزاماً بقرار جمعية المصارف، تقفل المصارف أبوابها منذ نحو أسبوع رفضاً للإجراءات القضائية بحقّ عدد من أصحابها واحتجاجاً على الحكم المبرم الصادر ضدّ «فرنسبنك» بذريعة أنه لا يعتبر الشيك المصرفي وسيلة إبراء. وقد التزمت غالبية المصارف بالقرار فأغلقت أبواب فروعها وإداراتها أمام الزبائن رغم أن بعضها واصل العمل داخلياً.

الواقع هو أن إضراب المصارف ليس إلا محاولة لتحسين موقعها في معركة توزيع الخسائر الجارية الآن وداخل بنية النظام. فالحلفاء التقليديون للمصارف، أي القوى السياسية، لا يعملون حالياً في خدمتها بالزخم نفسه الذي كانوا عليه في السنوات السابقة للأزمة. إذ إن هذه القوى تعمل الآن بوتيرة بطيئة ومربكة تجاه ملف معالجة انهيار المصارف وإفلاسها، وهي حال «أبو المصارف» حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يتهمها بالجحود وعدم الوقوف إلى جانبه في معاركه القضائية. فيما القضاء الذي لطالما كان يتبادل الخدمات معها، أصبح الآن مشتتاً بين المتنحين عن الملفات وبين من يسجّل لهم اتخاذ قرارات تخالف إرادة المصارف.

ويمثّل الاضراب خطوة أساسية في مواجهة التطوّرات المرتقبة، لا سيما على جبهة مشروع قانون الـ«كابيتال كونترول»، الذي يعدّ مفتاحاً لكبح الإجراءات القضائية التي صدرت أو قد تصدر ضدّها في لبنان والخارج. إذ إن المشروع، بالفعل، يحمي المصارف وإداراتها من الجريمة بمفعول رجعي. فالمادة العاشرة منه، مثلاً، تشير إلى أنه «حفاظاً على حقوق جميع المودعين، ومع حفظ حقهم باستيفاء ودائعهم من المصارف، بما فيها اللجوء إلى القضاء، يعلق تنفيذ جميع الأحكام والقرارات القابلة للتنفيذ في لبنان والخارج التي صدرت قبل صدور هذا القانون والتي لم تنفذ بعد، وتلك التي ستصدر بعد دخوله حيّز التنفيذ، والمتعلقة بمطالبة أو بتدابير مخالفة لأحكامه. ويبقى هذا التعليق سارياً لغاية انتهاء مهلة تطبيق هذا القانون المنصوص عنها في المادة الحادية عشرة» التي تشير إلى أن مدّة القانون تسري لمدة سنة قابلة للتجديد في مجلس النواب بناء على اقتراح اللجنة التي تتألف من وزير المالية وحاكم مصرف لبنان وقاض من الدرجة 18.

المسألة متعلقة أولاً بمحو آثار الجريمة. لاحقاً، ستفتح المصارف جبهة جديدة تهدف إلى الحفاظ على الكيانات التي شكّلت بالنسبة اليها مصدر ربح دائماً ومستمراً وسهلاً وسريعاً منذ مطلع التسعينيات. فقد كانت رساميل المصارف في عام 1993 نحو 260 مليون دولار، وبلغت ذروتها عام 2019 فوصلت إلى نحو 20.7 مليار دولار، أي أنها تضاعفت 79 مرّة. وفيما كانت أرباحها تبلغ 99 مليون دولار في 1993، بلغت ذروتها في 2017 مسجّلة 2.7 مليار دولار، أي أنها تضاعفت 27 مرة. كما ارتفعت أصول المصارف من 10.8 مليار دولار إلى 250 مليار دولار، أي أنها تضاعفت 23 مرّة.


تسعى المصارف بالإضراب إلى تحميل الناس أعباء تذويب الخسائر بالتضخّم

هذا السجلّ لا يكشف فقط عن التطوّر الذي سجّلته المصارف بانخراط مباشر من قوى السلطة طوال هذه الفترة، بل يشير أيضاً إلى موقعها في هرمية النفوذ السلطوي في لبنان الذي يتيح لها محو أثر الجريمة. وإذا مُنحت المصارف عفواً عاماً عن كل جرائمها، فإن العفو أسهل عن شركائها في حاكمية مصرف لبنان وبين القوى السياسية. وهي اليوم قادرة على ممارسة القيود غير الشرعية على مدى ثلاث سنوات من دون أن يحاسبها أحد، وعلى مواجهة كل المودعين الذين تسترهنهم، بمن فيهم الكبار والصغار، من دون أن يُعلن إفلاس مصرف واحد. كما أنها قادرة على فرط خطّة التعافي التي وضعتها حكومة الرئيس حسان دياب لأن لديها شركاء في السلطة أقوياء أيضاً. بالتالي هي قادرة أيضاً على الإغلاق مجدداً وتكراراً، والامتناع عن تطبيق تعاميم مصرف لبنان من دون أي مساءلة. بل هي تستمد هذا النفوذ من مصرف لبنان. لكنها، حتى لو رغم هذين القدرة والنفوذ، ليست قادرة على إلغاء حصول الجريمة، بل إلغاء أثر غالبية المصارف فيها. لذا، فإن الخوف والقلق من وقوع مصرف ما هو ما يقلقها فعلاً. وهي تبحث عن ضحية تلصق بها الجريمة التي لا يمكن إنكار حصولها. حالياً، الجريمة تلصق بالشعب كلّه من خلال تحميله أعباء تذويب الخسائر بالتضخّم، والاستمرار بإلصاق الجريمة به هو مسعى المصارف في هذا الإضراب وفي كلّ خطوة لاحقة.

تعليقات: