الخيام، البلدة التي أحبّ أهلها ودافع عنها وعزز صمودها الدكتور شكرالله كرم
أسمان يحضران على بالي فور السماع بأسم الخيام، البلدة المرابطة على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، والتي اشتهرت بأبنائها الادباء والشعراء والمثقفين، وبحركة الوعي الوطني والاجتماعي في جبل عامل.
الاسم الأول هو معتقل الخيام الذي تحوّل الى رمز للوحشية والعنصرية الصهيونية على مدى سنوات في زمن الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني ، حيث ضمّ في زنازينه مقاومين لبنانيين وفلسطينيين وعرباً .
والاسم الثاني هو من كان يُطلق عليه لقب "طبيب الفقراء" ، اي الدكتور شكر الله كرم، الشهيد الذي حضرت دبابة عملاء الكيان الصهيوني امام منزله، الذي حوّله الى عيادة للفقراء، في يوم 17 شباط 1977 وأطلق مدفعها القذائف عليه بقصد تصفيته وهو يعالج أحد مرضاه ، فكان اغتياله عبر هذه الدبابة من قبل عملاء "إسرائيل"، هو اغتيال لرمز وطني كبير جمع بين العمل ببعده الاجتماعي والإنساني وببعده الوطني والقومي.
واذا كنت قد ردّدت كالعديد غيري اسم معتقل "الخيام" الشهير على مدى سنوات، لا سيّما في اعتصام "خميس الاسرى الشهري" المستمر منذ 22 عاماً، فأنني سمعت بأسم شكر الله كرم قبلها من استاذنا في "الثانوية العامة" في خمسينات القرن الماضي، الأستاذ الشاعر الراحل كامل العبد الله، كدليل على الروح الوطنية العارمة في الخيام، وهي البلدة الإسلامية الشيعية الأكبر في جبل عامل التي انتخبت كرم، المسيحي الأرثوذكسي، رئيساً لبلديتها في أوائل الخمسينات، لتؤكد ان لا مكان للعصبيات الطائفية في مجتمع تسوده الروح الوطنية الجامعة والوعي الثقافي والإنساني العميق.
وكم فرحت حين تعرّفت في الجامعة الامريكية الى ابن الدكتور شكر الله كرم الصديق العزيز والشاعر الرقيق والوزير السابق الدكتور كرم كرم لأجد فيه امتداداً روحياً واخلاقياً ووطنياً وعروبياً لوالده المناضل الكبير، الذي ما زلت أذكر كلمة المناضل ، ورفيق العمر، بشارة مرهج يتحدث عنه في اربعينية استشهاده عام 1977، كما بكلمة للدكتور الراحل بيار دكاش والمهندس ابن شبعا مروان ضاهر بحفلة تكريم الشهيد الراحل من قبل المنتدى القومي العربي عام 2001، بعد سنوات على اغتياله، كرائد من رواد الانسانية والعروبة في لبنان الذي فتح عيادته لكل مريض، لبنانياً كان أم فلسطينياً أم سورياً، لا سيّما جنود الجيش العربي السوري الذين أصيبوا في الجولان خلال حرب حزيران عام 1967.
لكن فرحتي الكبيرة كانت يوم معركة سهل الخيام حيث وقعت المجزرة بدبابات الميركافا الصهيونية على يد المقاومين الابطال في سهل الخيام خلال عدوان تموز- آب 2006 ،وقد كانت تلك المعركة كمعارك مشرّفة أخرى أحدى علامات النصر المؤزّر في مواجهة ذلك العدوان.
يومها شعرت ان صواريخ "كورنيت" التي دمرّت العديد من دبابات العدو قد ثأرت لروح الشهيد الدكتور شكر الله كرم من العدو الصهيوني الذي أراد عبر عملائه أن يغتال في الطبيب الجنوبي الذي رفض ان يغادر بلدته رغم المخاطر، نموذج العطاء الإنساني والوحدة الوطنية في لبنان.
وفي كل يوم تحقّق المقاومة في فلسطين انتصاراً على الاحتلال الصهيوني، وتحقّق فيه المقاومة اللبنانية إنجازات ضد العدو في لبنان، اشعر ان دماء شكر الله كرم، كدماء كل شهداء لبنان والأمة، لم تذهب هدراً، ولن تذهب...
وفاء له، اطلق أهالي الخيام اسم الدكتور شكرالله كرم على الشارع المقابل لمنزله
يوم تحرير معتقل الخيام عام 2000
الوزير الدكتور كرم كرم.. فيه امتداد روحي واخلاقي ووطني وعروبي لوالده المناضل.. إلى جانبه الوزيرة ليلى الصلح، خلال تدشين مجمّع الدكتور شكر الله كرم في الخيام
الكاتب معن بشور
تعليقات: