بسطة حشائش »طيران الأسعار«
النبطية :
لم تكن أسعار الخضار والفاكهة والمواد الاستهلاكية الأخرى بحاجة لشهر رمضان لتسجل ارتفاعاً جنونياً في سوق النبطية. حمى الأسعار استعرت في اليوميات العادية بذريعة كلفة النقل المضاعفة من مناطق الإنتاج وإليها، والتي دأب التجار على التذرع بها على الدوام. ومع حلول الشهر الكريم تضاعفت الأسعار، لا سيما الحشائش واللحوم والدجاج والحلويات الرمضانية التي سجلت أرقاماً قياسية لم تعرفها من قبل. ويفاقم الوضع من أعباء المواطنين وهمومهم المعيشية والحياتية، ويثير استياءهم واحتجاجهم. ويسجل غياب الجهات الرسمية المعنية في وزارة الاقتصاد والتجارة ومصلحة حماية المستهلك للحد من موجة الغلاء وانعكاساتها السلبية، الأمر الذي اضطرهم لرفع الصوت عالياً ومطالبة المسؤولين بوضع حدٍ لهذه الأزمة الاجتماعية المستفحلة، والتي بدأت ترخي بظلالها على الفئات الشعبية التي وجدت نفسها عاجزة تماماً عن مواجهة الأعباء المطلوبة منها في موازاة الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تعانيها في الأساس.
يقول تجار الحسبة في سوق النبطية في الأيام الأولى من شهر رمضان، إن أسعار معظم الخضار والفاكهة على أسعارها المرتفعة في الأساس، مع زيادة ملحوظة طرأت على أسعار الحشائش كالبصل والبقدونس والفجل والخس والنعناع، نظراً لإقبال المواطنين عليها دون الخضار الأخرى، »فأصبح الطلب أكبر من العرض«. وتعود قلة إنتاج الحشائش مقارنة بالعام الماضي لموجة الحر التي تضرب لبنان، مما عرّضها للتلف واليباس قبل أوانها في ظل حاجتها، وشح الري المكلف نسبة إلى ارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء، ففضل المزارعون التوقف عن الري أو التقليل منه تلافياً لمضاعفة خسائرهم التي لا قبل لهم على تحملها في مقابل المردود المتدني الذي تعطيه المزروعات.
كذلك لوحظ وصول سعر كيلوغرام الحامض إلى ٣٠٠٠ ليرة بسبب كمياته القليلة بسبب تصديره إلى الدول العربية.
وطرأت زيادات ملحوظة على أسعار اللحوم والدجاج والحلويات الرمضانية، بحيث تراوح سعر كيلو لحم الغنم بين ١٥و١٧ ألف ليرة، وسعر كيلو البقر بين ١٤و١٥ ألف ليرة، فيما يباع الفروج بشكل مقطع تهرباً من التسعيرة التي وضعتها وزارة الاقتصاد لسعر كيلو الفروج، وعلى سبيل المثال يباع كيلو صدور الدجاج بـ ٧٥٠٠ ليرة، والجوانح بـ ٥٠٠٠ ليرة، والأفخاد بـ ٥٥٠٠ ليرة والسودة بـ ٧٠٠٠ ليرة، أما أسعار الحلويات الرمضانية فحدث ولا حرج.
هذه الموجة من ارتفاع أسعار السلع الرمضانية على اختلاف أنواعها، حوّلت شهر رمضان من شهر للخير والبركة إلى شهر للعجز المالي والأزمات الاقتصادية التي ترهق المواطنين وتضاعف من الظروف الاقتصادية والمعيشية المزمنة التي يعانونها، وقد ضربت عرض الحائط بكل حساباتهم واستعداداتهم التي حرصوا على القيام بها قبيل حلول الشهر الكريم.
»معظم أسعار الخضار والفاكهة ما تزال على حالها لتوافر البضاعة في السوق، باستثناء الحشائش التي تلقى رواجاً كبيراً من المواطنين في الأيام الأولى من شهر رمضان« كما يقول التاجر فرج الله دقدوق.
يعمد تاجر الفروج حسين فقيه إلى بيع الفروج مقطعاً، لأن بيعه بالكيلو لم يعد يسمن ولا يغني عن جوع منذ فرضت وزارة الاقتصاد والتجارة تسليم كيلو الفروج بالجملة بـ ٢٦٥٠ ليرة وبيعه بالمفرق بـ ٣١٠٠ ليرة دون احتساب المصاريف التي يتكلفها تاجر المفرق، وبذلك لن نتحمل أي مسؤولية تجاه الدولة ووزارة الاقتصاد، لافتاً إلى أن أسعار الفروج إلى صعود، والاستغلال مستشرٍ على قدم وساق، ولا من يسأل ولا من يحزنون.
وكما بالنسبة لأسعار الفروج، كذلك الأمر بالنسبة لأسعار اللحوم التي ترتفع يومياً من دون حسيب أو رقيب بحسب بائع اللحوم علي كحيل الذي يبيع كيلو الغنم بين ١٥و١٧ ألف ليرة ولحم البقر بـ ١٤و١٥ ألف. يعزو كحيل السبب إلى استيراد معظم اللحوم من سوريا في الوقت الحاضر، وتحكم التجار بأسعار المواشي، وزيادة الطلب على استهلاك اللحوم من قبل المواطنين في شهر رمضان المبارك، نافياً أن يكون تجار اللحوم الصغار يرفعون الأسعار.
يمكن لزائر السوق التجاري في النبطية سماع تذمر ربات البيوت اللواتي وقفن حائرات أمام محال الخضار والفاكهة والمواد الغذائية والتموينية. »تضاعفت أسعار الشراء« تقول ليلى فقيه، محملة المسؤولية إلى السياسة والسياسيين في هذا البلد باعتبارهم مصدر أزماته ومعاناته، »وبالرغم من ذلك نحن مضطرون للتعامل مع الأسعار التي أمامنا مهما كان الثمن، لأنه ليس باليد حيلة«.
كيف سيعيش الفقير في ظل هذه الأسعار؟ وكيف سيتمكن من دفع فواتير الكهرباء والماء والمحروقات ومصاريف العائلة إذا لم يكن باستطاعته شراء القليل من الخضار والفاكهة في شهر رمضان؟ تتساءل فاطمة عماشة؟ ولماذا لا ينظمون تظاهرات ضد الغلاء والاحتكار كما يتظاهرون تلبية للسياسة والسياسيين؟
وتشتري آية دغمان حاجاتها الاستهلاكية يوماً بيوم، ولا تخزن أي شيء في الأيام الأولى لرمضان، لأن الأسعار ستهبط حكماً، وهذا ما تعوّدنا عليه كل عام، وبذلك توفر بعض المال الذي ستحتاج اليه على أبواب موسم المدارس الذي يتزامن حلوله مع نهاية شهر رمضان، لذلك فهي تبيع الزعتر والمونة البلدية لإعالة عائلتها المكونة من خمسة أفراد، وبالكاد يكفي المردود الأعباء المطلوبة منها، مشيرة إلى أن الاستعدادات لشهر رمضان كانت بالماضي أشبه بالعيد، أما الآن فقد تحول هذا الأمر إلى كابوس اقتصادي مخيف.
وتتوقف فاطمة برو عند تأثير التقنين الكهربائي الذي يلف المنطقة وموجة الحر التي تحول دون الاحتفاظ ببعض الأطعمة من يوم إلى آخر، مما يرفع من كلفة الوجبات اليومية التي يجب أن تحضّر طازجة يومياً.
تعليقات: