يبدو أن الخلايا النائمة لا تشمل فقط تلك الإرهابيّة، إذ قد تتمثل على هيئة شبكات "صامتة" تستبيح القوانين وحيوات الأفراد؛ آخرها شبكة "أمّ علي" لخدمات الدعارة، المشغلّة لـ40 صبيّة في الرميلة - الشوف، بالإكراه والغصب، ناهيك عن الجرائم الأخرى التي كُشفت تحت غطاء الفندق السياحيّ، كالخطف والمخدرات والسرقة.. فمَن يقف وراء "أمّ علي"؟ وما حكاية الفندق المثير للجدل؟

مظاهر مخلّة بالآداب والبلديّة تتحرّك

قبل أيّام، ازدحمت وسائل التواصل الاجتماعيّ بخبر إلقاء القبض على إحدى أكبر شبكات الدعارة في الشوف، مع العلم أن هذه الحادثة وقعت قبل أسبوعين. ومنذ تلك اللحظة حتّى الساعة لم يهدأ بال الأهالي، حيث كشف أحدهم لـ"المدن"، طارق عجور، وهو من السكّان القريبين للفندق الشهير أن "عادات وتقاليد المنطقة الخاضعة لرقابة حزب معروف لا تسمح بمثل هذه المظاهر المخلّة بالآداب، إذ سبق وقدّم بعض الجيران عريضة خطيّة للبلدية مفادها الشكّ بحصول حركة مريبة داخل الفندق، إلّا أن الإدارة كانت تنجح في كلّ مرّة بالإفلات من الشبهة وإسقاط التهم عنها، مع العلم أن زوّار الأوتيل كانوا من الأجانب إجمالاً، وأحياناً كنّا نرى سيّارات فخمة تركن أمام الباب الرئيسي لساعة أو ساعتين، كما كان ملفتاً للإنتباه تردّد مجموعة من النساء "الأكابر" أيضاً، ومعظمهنّ متزوجات ونعرفهنّ من المنطقة".

"يا غيرة الدين"، يقول طارق ممازحاً في سياق حديثه، إذ المنطقة "لم تشهد مثل هذه الشبكات منذ سنوات طويلة، وغالباً ما تتميّز بطابعها الجبليّ والعائليّ، ولا مكان للغرباء أو الأجانب فيها".

خطّة شرطة الآداب المُحكمة

اخبار الشبكة أقرب إلى القصص البوليسيّة الخياليّة.

وفي التفاصيل، بدأت المدعوّة ليلى دامير (54 عاماً)، الملقبّة بـ"أمّ علي"، أعمالها المشبوهة قبل 7 سنوات تقريباً، ولكنها قرّرت تعزيز نشاطها بعد الضائقة الماديّة التي واجهتها منذ عامَين، فراحت تتعاقد مع شبان على خطّ الشام- بيروت، ليخطفوا لها بعض "الصبايا الحلوين" من سوريا بقوّة السلاح أو التخدير أو أيّ طريقة أخرى، مقابل 1000$ لـ"الصبيّة الوحدة". ولأن منزلها لا يصلح لاستقبال الزبائن، اتفقت الرئيسة مع مدير أحد الفنادق في الشوف أن تُعزّز له حركة الأوتيل "الميتة" على طريقتها الخاصّة، فتمّ الاتفاق بينهما بالتراضي، بعدما اتفقا أن تُعطيه 40% من الزبون الواحد، وبدوره يُغطيها أمنياً ومناطقياً، و"يكون الكلّ راضياً".

ولأن "الطمع من طبع الإنسان"، لم تكتفِ ليلى و"ذئابها" من الفندق وحسب، فاستأجرت منزلاً في منطقة عرمون وراحت تديره بمساعدة قريبتها. هنا كانت غلطتها الفادحة، حين حوّلت شبكتها "أونلاين"، وصار بإمكان الزبون الاتّصال بها عبر رقم عملها مباشرة وحجز موعده، إمّا بالفندق أو بالشقّة السكنيّة التي هي أرخص غالباً، ممّا لفت انتباه مكتب مكافحة الاتجار بالبشر، الذي تابع القضيّة لأشهر طويلة بانتظار الوقت المناسب لإلقاء القبض عليها.

الفندق بالدولار والشقة بالليرة

يُشير مصدر في مكافحة الآداب لـ"المدن" إلى أنّه "بعد بحث وتدقيق، تبيّن أن شبكة "أمّ علي" تقوم بتأمين فتيات لممارسة الجنس معهنَّ مقابل مبالغ مالية بالدولار داخل أحد الفندق، وبالليرة اللبنانيّة في شقّة عرمون". واللافت كان أن "معظم الفتيات التي يفوق عددهنَ الـ40 شابّة مختطفات، يعملنَ بالإكراه بعدما تمّ احتجازهنّ قصراً بغرف الفندق العلويّة، إلى جانب بعض بنات الهوى اللواتي هربنَ، ولا تزال عمليات البحث ساريّة لتوقيفهنَّ، وكلّ هذا تمّ بمساعدة موظفَي الاستقبال، وهما "أ. خ." (62 عاماً) و شقيقه "ي. خ." (53 عاماً)، وهما من الجنسيّة الفلسطينيّة، وجرى توقيفهما بناءً على إشارة القضاء المختصّ".

عبوديّة جنسيّة

لم تنتهِ حكاية "الريّسة" ليلى كما اعتادوا تسميتها هنا، إذ قامت الأخيرة بإخفاء أوراق الشابات الثبوتيّة، وابتزتهنَّ للعمل معها، كما قامت بتصوير إحدى الفتيات وتهديدها بنشر الفيديو وإرساله لوالدتها المسنّة، في حين كانت تستعدّ "أم علي" لاستقبال دفعة جديدة من البنات قبل إلقاء القبض عليها مباشرةً.

ويكشف المصدر لـ"المدن" أن "كلّ المتهمين اعترفوا بما نُسبَ إليهم في التحقيق، ولا يزالون موقوفين حتّى الساعة في مكتب الآداب- بيروت، على أن يتمّ تحويلهم اليوم إلى المحكمة برئاسة القاضي حنّا بريدي. هذا وتُركت 6 فتيات لقاء سندات إقامة وأوقفت واحدة فقط لاتّصالها بشبكة دعارة وإثبات التهمة عليها، وخُتم الفندق بالشمع الأحمر، وتمّ تعميم بلاغات بحث وتحرٍ بحقّ سائر أفراد الشبكة والعمل مستمرّاً لتوقيفهم".

من الخطف والابتزاز الجنسيّ، وتجارة المخدّرات وصولاً إلى الاتجار بالبشر، وقعت "أمّ علي" بقبضة القوى الأمنيّة وتحرّرت بناتها الـ40 من جهنم التي سجنتهنّ بها لأكثر من سنة ونصف السنة. فهل تفتح هذه القضيّة ملف "الدعارة" في لبنان على مصراعَيْه؟