النافعة مقفَلة.. حتّى إشعار آخر


بعد أكثر من ثلاثة أشهر على التوقيفات القضائية في حقّ موظفي ال#نافعة، لا تزال إدارة السير والآليات والمركبات - مصلحة تسجيل السيارات، مقفَلة في وجه المواطنين، في سابقة إقفال مرفقٍ عام يدرّ أموالاً طائلة على خزينة دولة مفلِسة، دون معرفة سبب واضح ومنطقيّ لهذا الإقفال. وبينما تتعطّل أمور الناس ويؤثر الإقفال سلباً على المواطن على مستويات عديدة، لا دخل له بها، في ظلّ تداخل الملفّات والصلاحيات ببعضها بعضاً، ينسحب تحلّل الدولة على الوحدات العامّة، في خطوة غير قانونية، ينتج عنها تداعيات غير قانونية، يتحمّل المواطن وحده تداعياتها.

منذ أن توقّف جميع موظّفي النافعة، بقي فيها موظّفَين فقط، لإنجاز معاملات لتسجيل السيارات الجديدة غير المستعمَلة، وتابعا العمل في تجديد رخص السوق، حتى توقّف الأمر منذ ثلاثة أسابيع، بعد أن اقتيدا إلى التحقيق، فالآن لا يوجد أيّ موظف في هيئة تسجيل السيارات. هذا ما يؤكّده عفيف عبود، رئيس نقابة مكاتب تعليم القيادة في لبنان في حديثه لـ "النهار".

وفيما اقتيد موظّفو فرع الدكوانة المركزيّ، انسحب الإقفال على فروع الأوزاعي وجونية وغيرها، بحسب عبود. ويضيف أنّ الهيئة تُدخل ما بين 5 إلى 7 مليارات ليرة يوميّاً إلى خزينة الدولة، أي أنّ الدولة، وبحسابات بسيطة، خسرت جرّاء هذا الإقفال منذ تاريخ 24 تشرين الأول، ما لا يقلّ عن 500 مليار ليرة لبنانية.

ومن المستغرَب، بحسب عبود، ألّا تضع الدولة خطّة بديلة لتيسير قطاع يحتاجه جميع اللبنانيين، عبر تدريب بعض الموظفين مدّة أسبوع، عبر الإتيان بهم من وزارات أخرى - لأنّ هناك فائضاً من الموظفين الوهميّين- لاستئناف الأعمال في الهيئة، وقد حصلت هذه الخطوة في عقود مضت. ويسأل: "ما هي الغاية من هذا الإقفال والاستئناف في معاناة المواطنين؟".

وخلال إضراب الموظّفين، فتحت الهيئة يومين في الأسبوع رغم الإضراب، إلّا أنّ الإقفال الحاليّ التام، لا يعود، وفق عبود، كما يُزعم إلى إضراب الموظفين. وإذا كان تبرير الإقفال التحقيق مع الموظفين في الهيئة، فإنّه يجب إيجاد بديلٍ عنهم وليس إيقاف أعمال الناس.

تداعيات إقفال الهيئة لا تنعكس على مالية الدولة فقط، إنّما على السلامة المرورية وعلى تعامل المواطن مع شركات التأمين والضمان الاجتماعي ومعارض السيارات وغيرها من الجهات المعنية. فهو يعيق تجديد رخص السوق ويؤثّر حتى على الاستشفاء لدى سائقي السيارات العمومية في حال تعرّضوا لأيّ حادث سير، وكانت رخص سوقهم غير مجدَّدة، فإنّ الضمان الاجتماعيّ لا يوافق لهم على إجراء أيّ طلب استشفائيّ. كذلك، فإنّ شركات التأمين، وفق عبود، تتّخذ من عدم تجديد رخص السوق حجّة للتنصّل من تغطية الاستشفاء في حال وقوع أيّ حادث، ويتحمّل بذلك صاحب السيارة تصليحها والاستشفاء على نفقته. كما أنّ هناك سيارات تُقاد بلا لوحات، ويعود ذلك إلى عدم قدرة أصحابها على تسجيلها، وإن تعرّضت لأيّ حادث، فسيُسبّب ضرراً غير مبرَّر. كذلك الأمر بالنسبة إلى السيارات المستعمَلة التي تبيعها المعارض والتي تسير على الطرقات دون تسجيل، فهي مخالِفة للقانون أيضاً. في هذه الحال، يتمّ حجز السيارة ولا يمكن فكّ حجزها إلّا بموجب رخصة سوق صالحة. وإذا ما كانت رخصة صاحب السيارة منتهية، فإنّه لن يتمكّن من استرداد سيارته.

من جهته، وفي حديث لـ"النهار"، ينفي رئيس جمعية شركات التأمين، أسعد ميرزا، أن تستغلّ شركات التأمين تداعيات إقفال النافعة لصالحها، وأن تتهرّب من تغطية الاستشفاء وحوادث السيارات، إذ إنّ "الشركات تغطّي هذه الحوادث في ظلّ هذا الوضع الاستثنائيّ، شرط أن يبرز العميل صورة عن دفتر السوق بعد تجديده، وأن تكون رخصة سوقه منتهية في الفترة التي أقفلت فيها النافعة".

وفي ظلّ مأزق النافعة الذي قد يمتدّ لأشهر، فإنّ الفئات العمرية المتقدّمة هي المعرَّضة بأن تتأثّر، كونها يجب أن تجدّد رخص سوقها كلّ ثلاث سنوات، وفق ميرزا. أمّا باقي الأشخاص، فرُخص سوقهم سارية المفعول.

ويفيد مصدر متابع لـ"النهار" أنّه في ظلّ الفساد، من الطبيعي أن تكون هناك توقيفات، لكنّ إقفال النافعة مضرّ للدولة والمواطن وليس مقبولاً"، مشيراً إلى أنّه "في غياب السبب الحقيقيّ لهذا الإقفال، ليس واضحاً متى ستفتح الهيئة في ظلّ الإمعان في الإقفال رغم تكليف محافظ بيروت تولّي أمور الهيئة".

ويرى المصدر أنّ "النافعة هي مرفق عام، ولا يجب إقفاله مطلقاً، فإلى جانب كونة يُدخل الإيرادات إلى الدولة، فهو يخدم الناس، وبالتالي يضع مسؤولية قانونية على مَن يقود سيارة غير مسجَّلة بسبب إقفال النافعة، ولا يمكن الاكتفاء بورقة رفع مسؤولية لدى الكاتب العدل، فهي لا تدوم لأكثر من شهرين".

وإذا كانت التوقيفات تشمل جميع موظّفي النافعة، "فهناك أمر غير طبيعيّ"، وإذا كان الحلّ بتوقيف الجميع كونهم جميعهم مرتكبين، فيجب الاستعانة بموظفين آخرين من إدارات أخرى، فلدى الدولة فائض وظيفيّ، ويمكن تكليف هؤلاء الموظّفين بهذه المسؤوليات، فهم ليسوا بحاجة للتدريب أصلاً، لهكذا مسؤوليات بسيطة جدّاً.

وفيما كلّفت وزارة الداخلية محافظ بيروت القاضي مروان عبود بمهام رئيس مجلس إدارة - مدير عام هيئة إدارة السير والآليات والمركبات، حتى إشعار آخر، ذلك تأميناً لاستمرارية سير المرفق العام واستقراره، وكُلّف العقيد في قوى الأمن الداخليّ علي طه بمهام رئيس مصلحة تسجيل السيارات والآليات والمركبات، حتى إشعار آخر، "فإنّه مستغرَب لماذا لم تفتح النافعة أبوابها بعد"، وفق المصدر. وبرأيه، لا يعود الأمر إلى التوقيفات القضائية لموظفي النافعة، "فلو كان السبب ذلك لكانوا فتحوا يوماً أو يومين في الأسبوع لإنجاز معاملات الناس".

تعليقات: