المصارف تفتح أبوابها الإثنين بـ\"تسوية\" غامضة: هل سيتراجع الدولار؟

زحمة زبائن أمام ماكينات أحد المصارف (علي علوش)
زحمة زبائن أمام ماكينات أحد المصارف (علي علوش)


تستأنف المصارف اللبنانية عملها يوم غد الإثنين، وتفتع أبوابها بعد مرور أكثر من أسبوعين على الإقفال الجزئي. قرار المصارف تعليق الإضراب لمدة اسبوع واحد، جاء مشروطاً بتصحيح ما اعتبرته جمعية المصارف "خللاً" في التعاطي القضائي معها. والمقصود بالخلل ملاحقة المصارف قضائياً بعد تمرّد عدد منها على تنفيذ بلاغات قضائية برفع السرية المصرفية عن حسابات مدراء المصارف.

بناء على مجريات الأسبوع المنتهي، والتجاوزات التي حصلت على خط التجاذب السياسي القضائي، وبين أركان الجسم القضائي نفسه، وما رافقها من تدخل سياسي "فاضح" بالقضاء، يبدو أن الأسبوع المقبل سيكون حاسماً لجهة توجه المصارف، وما إذا كانت ستستمر بفتح أبواب فروعها أم أنها ستستأنف إضرابها مجدداً.

وبموازاة المساعي السياسية للجم تحرّك القضاء تجاه المصارف، تقوم الأخيرة بالضغط من خلال استغلال العملاء المصرفيين وعموم المواطنين، الذين اُنهكوا من الوقوف في طوابير الصرافات الآلية وتعذّر عليهم القيام بالكثير من المعاملات في ظل إغلاق المصارف. وأكثر من ذلك، تحاول المصارف، وبدعم من شركائها في السلطتين النقدية والسياسية، ربط الإضراب بارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، وتالياً تعليق الإضراب بتراجع سعر صرف الدولار. وهو ما ستثبته الأيام القليلة المقبلة، حين يدعم مصرف لبنان قرار المصارف باستئناف عملها بقرارات وتعاميم قد تلجم مؤقتاً ارتفاع سعر الصرف.


المصارف في مواجهة القضاء

تمنح المصارف السلطة السياسية، ممثلة برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، فرصة أسبوع للجم أي تحرّكات قضائية بوجهها. ويؤكد مصدر مصرفي أن ميقاتي وعد المصارف بمحاولة التوصل إلى تسوية تعلّق تعقّبات القضاء للمصارف بالشكل الذي كانت تُساق به. ويعرب المصدر عن تفاؤله بالتوصل إلى آلية معالجة للأزمة، حيث لا تسيء إلى المصارف ولا تعيق مسار القضاء في الوقت عينه. وعن تصوّره لهكذا معالجة، يقول المصدر المصرفي "لا تعنينا الآلية إنما ما يعنينا تجنيب علاقات المصارف مع المصارف المراسلة لأي خطر. وهو ما وعدنا به ميقاتي".

ويروّج مصرفيون إلى المخاطر المحتملة التي قد تتسبب بها الملاحقات القضائية للمصارف وسوق اتهامات تبييض الأموال، وتأثير ذلك على علاقاتها مع الخارج. ويحذّر المصدر المصرفي من أن قطع المصارف المراسلة علاقتها بأي مصرف لبناني، سينعكس شللاً تاماً على الاقتصاد اللبناني وعلى العائلات اللبنانية خصوصاً التي تتلقى تحويلات مالية من الخارج.

تهويل المصارف يقابله تساؤلات عما أوصل الحال إلى ما هو عليه اليوم. فالمصارف هي من دفع بالقاضية غادة عون إلى توجيه اتهامات لأحدها بتبييض الأموال، خصوصاً ان قانون تعديل السرية المصرفية الذي أقره مجلس النواب في العام 2022 يأتي بوضوح على ذكر عواقب التخلّف عن تقديم معلومات إلى القضاء. وهو ما حصل مع المصارف تحديداً.

ويورد قانون تعديل السرية المصرفية بوضوح بأن كل من يمتنع عن الإستجابة للطلبات القضائية، أي يمتنع عن تقديم معلومات مطلوبة عن حسابات معينة، يخضع للعقوبة المنصوص عليها في القانون لجهة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ما يعني أن تمنّع المصارف عن تقديم معلومات للقضاء ورفضها تطبيق قانون رفع السرية المصرفية، استلزم من القضاء توجيه اتهامات بتبييض الأموال. أما الحل في إسقاط دعاوى تبييض الأموال فيما لو كانت المصارف حريصة بالفعل على عدم قطع علاقاتها مع المصارف المراسلة، فيتمثل بتجاوبها مع القضاء والامتثال إلى طلبات رفع السرية المصرفية عن الحسابات المطلوب التحقيق بشأنها.


إجراءات جديدة

استمرت المصارف طيلة فترة الإضراب بتغذية الصرافات الآلية بالعملة الورقية باستثناء بعض الفروع في مناطق الأطراف. وتذرّعت بتعليقها الإضراب بحرصها على تسيير أمور العملاء للحصول على خدمات مصرفية، وتمكين موظفي القطاع العام من تقاضي رواتبهم.

وحسب المعلومات يسعى مصرف لبنان وبالتنسيق مع ميقاتي والمصارف إلى مواكبة عودة المصارف عن الإضراب، باتخاذ إجراءات جديدة بدءاً من يوم غد الإثنين، من شأنها رفع حجم استفادة موظفي القطاع العام من دولارات صيرفة، وتأمين تسهيلات أخرى لعموم عملاء المصارف.

ويعوّل المعنيون على تأثير ذلك على سعر صرف الدولار في السوق السوداء، المتوقّع أن يسجّل تراجعاً ملحوظاً في الأيام القليلة المقبلة، كرد فعل فوري على الإجراءات المتوقعة وعلى رأسها تعليق المصارف إضرابها. غير أن الإجراءات المرتبطة بمنصة صيرفة مهما بلغت، من غير المتوقع أن تشمل عموم المواطنين أو موظفي القطاع الخاص. إذ ان السيولة النقدية بالدولار باتت شحيحة جداً ولم يعد بإمكان مصرف لبنان سحب كميات وافرة من الدولار من السوق بعد توقيف عدد كبير من الصرافين. وعليه، من المرجّح أن يستأنف سعر الدولار في السوق السوداء مساره الصعودي عقب انتهاء مفاعيل أي إجراءات ظرفية مؤقتة، كما جرت العادة منذ بداية الأزمة.

بالنتيجة مهما بلغت تحركات الدولار وتراجعه بفعل ظروف معيّنة، إلا أن مساره الصعودي لا يزال ثابتاً منذ 3 سنوات، فارتفع من سعر 1507 ليرات نهاية العام 2019 إلى ما يفوق 81000 ليرة (حتى تاريخ نشر هذا التقرير).

تعليقات: