الفنانة جمانة مراد (شريفة) وسامر المصري (أبو شهاب)
دمشق:
اختار المخرج بسام الملا أن ينأى بتفاصيل الجزء الجديد من مسلسله »باب الحارة« بعيداً عن شخصية »أبو عصام«، فاختار لمشهد إقصاء حكيم الحارة وطبيبها عن الجزء الثالث من المسلسل؛ مسافة ما بين الجزأين السابق واللاحق، فعرض للمشاهد نبأ استشهاد »أبو عصام« ووقع الخبر على أهل الحارة والحزن على حكيمهم بأسلوب كرنفالي، غلبت عليه لغة الخطابة، وميزه التقطيع السريع للمشاهد التمثيلية، كما لو أن المخرج الملا أراد أن ينجز جزءاً غير معلن من مسلسله »باب الحارة«، لينهي فيه أكثر شخصيات الجزء الثاني من مسلسله نضجاً وقابلية للتطوير، أي شخصية الحكيم »أبو عصام«، فبدا ذلك كأنه أقصر »مسلسل« عرفه تاريخ الدراما التلفزيونية: بضع دقائق.
هكذا شاهد الجميع الجزء المتعلق باستشهاد أبو عصام، قبل أن تبدأ شارة الحلقة الأولى من الجزء الثالث من »باب الحارة«، والتي قفزت بالمشاهد خمسة أشهر دفعة واحدة، ليكون المشهد الأول من الجزء الثالث هو مشهد لنزع ثوب الحزن والبدء بحياة جديدة بريئة من »أبو عصام« وذكراه.
ولعلنا لا نبالغ بالقول إن قلنا إن اختيار عرض مشهد »أبو عصام« على هذا النحو هو اعتراف ضمني من قبل المخرج بسام الملا بغنى شخصية »أبو عصام« درامياً، وقدرتها على حمل أحداث جزء جديد بكامله، وهو بذلك أرادنا أن ندخل معه لعبة قفز الزمن في الدراما، ممتصاً قناعتنا بغنى شخصية الحكيم، فلا ندخل معه جدل السؤال عن أي ضرورة درامية يتكلم، اقتضى بموجبها إقصاء شخصية »أبو عصام« عن المسلسل.
التكنيك الإخراجي الذي اتبعه المخرج الملا، في تقديم مشاهد استشهاد »أبو عصام« قبل بدء الجزء الثالث فعلياً، يأتي ثانياً، أما ما هو أساسي في تعويض غنى شخصية »أبو عصام«، فهو جديد حكاية المسلسل بأكملها، سواء بتوسيع مساحة الأدوار التمثيلية لشخصيات مهمشة في الجزأين السابقين، مثل صاحب المقهى »أبو حاتم«، أو الضابط »أبو جودت«.. أو بتوسيع دائرة الأحداث لتشمل حارة ثالثة هي حارة »الماوي«، بالإضافة إلى حارة »الضبع« وحارة »أبو النار«...وفيها سنتعرف على شخصيات من صلب الحياة الدمشـــقية، سيـــكون وجــودها سبباً لصراعات جديدة بين أهل الحارة والحارات المجاورة.
الحكم على نجاح المخرج الملا بتعويض شخصية غنية درامياً مثل »أبو عصام«، يبدو مبكراً.. ولو ان الملا هو الصانع الأول للعمل، ولهذا النمط الدرامي بالذات، والمرجح ان ينجح في ذلك. ولكن لا بد من الاعتراف: بغياب »أبو عصام« خسرنا جزءاً بأكمله من باب الحارة.
.. لكن طريقة تغييبه ضربت جاذبية المسلسل
فاتن قبيسي
كنا نعلم مسبقاً ان شخصية »أبو عصام« ستغيب في الجزء الثالث من مسلسل »باب الحارة«. وكنا ندرك أن الحلقة الأولى ستبدأ بموت الشخصية، التي يؤدي دورها الممثل عباس النوري. ولكن ما لم نتوقعه هو الصيغة التي ورد فيها هذا الحدث، الذي جاء في إطار مسرحي فضفاض.
كان الجزء الثاني انتهى مع عودة الثوار منتصرين الى حارتهم، وقد تكلل النصر بقرار رجوع »سعاد« المطلقة الى بيت زوجها »أبو عصام«.
أما الجزء الثالث فقد اسُتهل بخبر استشهاد »ابو عصام«، ما أوحى بأن بتراً ما حصل بين الجزأين الثاني والثالث. فخبر الاستشهاد جاء خارج إطاره الطبيعي. ففي حين كان يتوقع المشاهد رؤية »سعاد« في بيتها، وخلق ظروف موضوعية لخبر ذهاب زوجها مجدداً الى الجهاد، وجدنا ان الرجل العائد ظافراً بتحرير »أبو شهاب« من أسر العدو، وجدناه فجأة مستشهداً. علماً ان المَشاهد المُمَهدة لخبر الموت، لا تستلزم بالضرورة حضور الشخصية المستبعدة عن العمل، ولكنها تضفي تسلسلاً منطقياً على الأحداث.
أما طريقة تقديم خبر الموت، والمشاهد الخاطفة التي تلته قبل انطلاق الشارة حول تأثر عائلة الشهيد بالنبأ، فجاءت مركبة وغير مقنعة. وكأن الأمر زُج زجاً وبلا مقدمات. ليأتي المشهد الأول بعد الشارة ممهوراً بعبارة »بعد خمسة أشهر«، متضمناَ احتفالاً بالمولد النبوي. فبات مشهداً نقيضياً احتفالياً. هذه القفزة الزمنية تدل على ان شخصية »ابو عصام« باتت عبئاً على المخرج يريد تجاوزها بأسرع وقت. وكلام »أبو شهاب« بعد ذلك عن »ضرورة خلع الاسود والعودة الى ممارسة الحياة الطبيعية« دليل على ذلك.
ليس المقصود بهذا الكلام انتقاد غياب أو تغييب »أبو عصام«، برغم ما كان له من ثقل في العمل. وليس المطلوب التسليم بضرورة الحفاظ على الشخصية عبر ممثل آخر، خصوصاً ان تجربة استبدال الممثلين في المسلسلات لم تكن مشجعة بمعظمها. بل المهم هو القول بأن مصداقية ما كان يشعر بها المشاهد في العروض السابقة، افتقدها مع انطلاقة الجزء الثالث.
صحيح اننا كنا ندرك ان أحداث المسلسل ليست واقعية، ولكننا كنا نصدقها ونتفاعل معها. وصحيح ان النقد لم يوفر العمل، خصوصاً لجهة مكانة المرأة فيه، ولكنه حصد مع ذلك جماهيرية كبيرة. اليوم بدأنا نشعر بأن الاحداث خرجت من سياقها »العفوي«، وان الممثلين عبارة عن حجارة شطرنج، يمكن أن يُقال لأي منهم »كش ملك«.
تعليقات: