تنافس بين المخابرات والمعلومات رافق اكتشاف الجريمة وتوقيف القتلة: من يحاسب أبواق الفتنة؟


على فاصل «شعرة معاوية»، تجنّب الشمال، ولبنان، الفتنة السنية - الشيعية التي كادت أن تقع بعد الغموض الذي لف حادثة اختطاف إمام بلدة القرقف العكارية الشيخ أحمد الرفاعي. قبل اكتشاف جثته وتوقيف قاتليه «فلتت» جوقة سياسية - أمنيّة - إعلامية بالتعاون مع «جيش إلكتروني» للتأكيد أن حزب الله يقف خلف عمليّة الخطف. وسرت دعوات للتسلّح والنزول إلى الشارع عبر وسائل التواصل الاجتماعي «دفاعاً عن كرامة أهل السنة». هذا الغليان في الشارع كان يقابله تأخير، لا يُعرف ما إذا كان مقصوداً، في مسار التحقيقات ومعاينة موقع الحادثة وتتبع داتا الاتصالات، خصوصاً أن المعطيات تُشير إلى أن مخابرات الجيش كانت تمتلك تفاصيل الحادثة وهويات المنفذين ليسبقها فرع المعلومات إلى تسجيل «الخبطة الأمنية» عبر توقيف المتورطين


ما إن انتشر خبر اختفاء الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، حتى أدارت ماكينة سياسية - أمنية - إعلاميّة محرّكاتها. اختصرت هذه الشخصيّات الرفاعي في كوْنه شيخاً معمماً معارضاً لحزب الله والنّظام السوري، تماماً كما اختصرت جميع منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي بتلك التي تُهاجم الحزب والنظام السوري، من دون أن يتطرّق هؤلاء إلى الفيديوهات التي نشرها الرجل عن الخلافات المستشرية داخل بلدة القرقف العكاريّة، علماً أن هذه الخلافات ليست جديدة ويعرفها جميع قاطني البلدة لتحوّلها إلى اعتداءات مسلّحة وشكاوى قضائيّة خلال السنوات الماضية.

رُميت فرضيّة ارتباط عمليّة الخطف بالخلافات العائلية جانباً، واستحضرت بدلاً عنها مضبطة اتّهام جاهزة بحق حزب الله والدولة السوريّة. فرقة كاملة من الشخصيات السياسيّة التي تدور في الفلك نفسه وتتقاطع في المكان نفسه أوهمت الناس أن لديها معلومات عن «المؤامرة» التي حاكها «الحزب»؛ ليس صدفةً أن يكون النائب أشرف ريفي والنائب السابق خالد الضاهر وأحد قادة المحاور في طرابلس عميد حمود في جوقة واحدة مع رئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع الذي «انشغل باله»، فاتصل بمفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان لحثّه على تكثيف التحريّات لمعرفة مصير الرفاعي. جعجع اتخذ قراره في جعل قضيّة الرفاعي أولويّة، هذا ما بدا واضحاً من تغريداته وتغريدات «القواتيين» الذين استنفروا على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى حسابات وهميّة صبّت الزيت على النّار وبعض الشخصيات التي «نفضت» عنها الغبار و«بلّت يدها» في الملف. من يتذكّر مثلاً المحاميين طارق شندب ونبيل الحلبي اللذين وجدا في ملف اختطاف الرفاعي مادةً دسمة لإعادة إحياء أفكارهما.

جميع هؤلاء أنهوا تحقيقاتهم الخاصة وتثبّتوا، من دون أدلّة، أن حزب الله هو الفاعل، لتبدأ مرحلة التّحريض ضدّ الحزب. يكفي أن يُقال أن حزب الله الشيعي خطف شيخاً سنياً حتّى يستنفر الكثير من الشبّان السنّة تحت شعار «يا غيرة الدين». هم الذين يعتبرون أنفسهم «طائفة مستضعفة» صاروا أكثر استضعافاً مع دخول عناصر من الحزب إلى منطقة سنيّة لاختطاف شيخٍ سني. ومع مرور الوقت من دون معرفة مصير الرفاعي، صار سيناريو الفتنة أكثر ترجيحاً.


تأخر أم تنافس أمني؟

هكذا، طغى سيناريو «الفتنة المدبّرة» على كلّ السيناريوهات الأخرى لو لم يتم كشف الرواية الحقيقية. إلا أن علامات استفهام كثيرة دارت حول مسار التحقيقات وتأخرها، خصوصاً أنّ هذا التأخير كان يؤدي إلى غليان أكبر في الشارع. فقد تبين أن فرع المعلومات تأخر في المبادرة العملانية. وفسر متابعون الأمر بأن الفرع يعتمد أكثر على المعلومات الفنية، وتبين أن مرتكبي الجريمة أخذوا احتياطات سابقة، ولم يستخدموا أجهزة الهاتف في خلال مراحل تنفيذ العملية، كما عمدوا إلى خطوات قصدوا منها التهرب من كاميرات المراقبة. حتى أنهم حاولوا القيام بخطوات لا تترك بصماتهم. لكن السؤال عاد ليظهر عندما تبلغ مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا من مسؤول مخابرات الجيش في المنطقة أن لديه معطيات وأدلة تسمح له بمداهمة منزل رئيس البلدية واعتقاله هو ومن معه. لكن الشيخ زكريا تمنى على ضابط المخابرات التمهل داعياً إلى عدم القيام بالخطوة ليلاً، خشية أن يقوم أقرباء رئيس البلدية وأنصاره، وجلهم من المسلحين، برد فعل تنتج منه اشتباكات وسقوط ضحايا.

إلا أنه مباشرة بعد اتفاق المفتي مع مخابرات الجيش، وطلب الجيش من عناصره الانتشار بعيداً وعدم اتخاذ وضعية الاقتحام، تم وضع هذه المعطيات بيد ضابط فرع المعلومات في المنطقة، ومكتبه قريب جداً من مكتب دار الإفتاء وتربطه علاقة قوية بالمفتي نفسه. وبعد وقت قصير، داهم عناصر الفرع منزل رئيس البلدية وتم توقيفه مع ولديه علي ومحمد وابن شقيقه. وبالتنسيق مع المفتي، بادر ضباط المعلومات إلى إبلاغ رئيس البلدية بأنه موجود لديهم بصفة شاهد وسيعود سريعاً إلى منزله، على أن يعود إليهم في صباح اليوم التالي، ليتم توقيفه والكشف عن تفاصيل ما حصل، في الوقت الذي بادرت فيه جهات في البلدة العمل إلى نقل أفراد عائلته إلى خارج المنطقة، كما جرى التواصل مع أنصاره وطلب إليهم التزام منازلهم.

وفيما تبدو الخطوة في إطار التنافس بين جهازين أمنيين، إلا أن تساؤلات ما إذا كانت هناك نية لمنع الجيش من التحقيق مع رئيس البلدية، على خلفية الخشية من الحصول منهم على معلومات تؤذي قيادات سياسية ودينية في المنطقة تربطها صلات قوية بتيار المستقبل وبفرع المعلومات أيضاً. مع الإشارة هنا إلى أن عناصر مخابرات الجيش كانوا يسألون عن ابن شقيق رئيس البلدية، وهو عنصر في القوة الضاربة، علماً أن قوى الأمن أكدت أن التحقيقات أظهرت أن ابن شقيق رئيس البلدية ونجله الأصغر محمد ليسا على علم بكل ما حصل وتم إخلاء سبيلهما.

كذلك كان لافتاً صمت المفتي السابق أسامة الرفاعي، وابتعاده عن الأضواء بعد أن تم العثور في منزل شقيقه قيس على إحدى السيارات التي استخدمت في عملية الخطف وهي من نوع «كيا سيراتو». ومن المعروف قرب المفتي السابق من رئيس بلدية القرقف، خصوصاً أن الأخير خاض مع النائب وليد البعريني معركة الإفتاء إلى جانبه.

رُميت فرضيّة ارتباط عمليّة الخطف بالخلافات العائلية جانباً واستحضرت مضبطة اتهام جاهزة بحق حزب اللهرُميت فرضيّة ارتباط عمليّة الخطف بالخلافات العائلية جانباً واستحضرت مضبطة اتهام جاهزة بحق حزب الله



قادة المحاور ضد ريفي وحمود

«حلفاء الأمس، خصوم اليوم»، تنطبق هذه المقولة بحرفيتها على من كان تطلق عليهم تسمية قادة المحاور في طرابلس. هؤلاء الذين كانوا يُشعلون محاور باب التبانة بدعمٍ واضح من بعض السياسيين كالنائب أشرف ريفي والنائب السابق خالد الضاهر والعميد المتقاعد عميد حمود... صاروا اليوم من أشد منتقديهم.

في السابق كان قادة المحاور يرضخون لأوامر هؤلاء السياسيين، أمّا اليوم فهم الذين تصدّوا للتحريض ودعوات التسلّح وحمل الجعب في الشمال. قائد محور الحارة البرّانية وسوق القمح زياد علوكة مثلاً، أكّد في تسجيلٍ صوتي «رفضه جر المنطقة إلى صراعات طائفية عبثية»، مشدداً على «ثقتنا بالقوى الأمنية، وقدرتها على ضبط الوضع وعدم انفلات الوضع الأمني».

وحتى أن الشيخ أحمد المير المقرب من ريفي والذي كان سيخوض معركة الإفتاء في طرابلس بدعمٍ منه، أعلن «دعم الأجهزة الأمنية لأنّه لولاها لتحكم بنا الزعران والشبيحة والحشاشين».

وكان لافتاً انتشار تسجيل صوتي من أحد المقاتلين الذين شاركوا في جولات القتال في باب التبانة يُهاجم فيه حمود ويصفه بأنّه «سمسار ومحرّض على الدم والتوريط. نخاف أن تجر خلفك شباناً ويصدقوك مثلما صدقناك، وتورطهم مثلما ورطتنا».



ذهول في القرقف: كل هذا الحقد كان بيننا!

نجلة حمود

يتوسط عم المغدور الشيخ محمد عبد الواحد الرفاعي مجموعة من الشبان أمام منزل الشيخ أحمد شعيب الرفاعي صارخاً: «من يرتكب مثل هذه الجريمة؟ أين سمعتم بما جرى سوى في بلدة القرقف؟ ما هذه العقلية التي خططت ونفذت هذه الجريمة»، معلناً أن العزاء ليوم واحد فقط يحدده مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا، «ونحن عزاؤنا يوم يُعلّق يحيى الرفاعي في ساحة البلدة ويعدم، وفي حال لم تأخذ الدولة حقنا سنأخذه بأيدينا».

ذهول يسود البلدة العكارية النائية. كثيرون أرادوا أن يصدّقوا أن القتيل ذهب ضحية مواقفه السياسية. كان ذلك، ربما، سيجعل وقع الكارثة أخفّ ويجعلهم أكثر تقبّلاً لها. لكنهم، في قرارة أنفسهم، كانوا يشعرون بأن الحقيقة في مكان آخر. من هؤلاء والدة الشيخ أحمد نفسه. تصرخ: «تعبنا ونحن نناشد القوى الأمنية. حاولوا قتله مراراً وأطلقوا الرصاص على شقيقه وأحرقوا سيارته، وأطلقوا الرصاص على حفيدي أمام أعين الجميع. وعلى رغم وجود شهود وتوثيق كل شيء إلا أن الأمن لم يتحرك. وحين قتل ابني، أتوا به بعد سبعة أيام، أسبوع كامل ونحن ننتظره وهو على عمق أمتار تحت الأرض، لا أطالب سوى بتعليقه بالقرب من الجامع وإعدامه كما قتل ابني».

عائلة الشيخ أحمد، شقيقاته وأشقاؤه، حملوا القوى الأمنية مسؤولية الجريمة، مؤكدين أن رئيس البلدية كان يتحصن بكونه رئيس بلدية ونائب رئيس اتحاد سابقاً، وأن الخلافات القديمة، واقتراب الاستحقاق الانتخابي هما السبب وراء الجريمة، «يحيى الرفاعي لا يتخلى عن البلدية لأنها تمثل له الجاه والقوة والسلطة، ومن دونها ما بيساوي شي»، يقول أحمد الرفاعي.

الحزن والغضب لفّا البلدة حزناً على «النخوجي، صاحب القلب الحاضر، الذي لم يهب الموت على رغم تلقيه تهديدات باستمرار». الجميع صدم من هول الجريمة التي كادت تؤدي بالبلد إلى الفتنة، مقدار صدمتهم بجسارة رئيس البلدية الذي تصدّر المشايخ والفاعليات في اتصالاته للكشف عن مصير الرفاعي. أما الصدمة الكبرى، فكانت لدى إعلان قوى الأمن الداخلي أن الجثة وجدت على عمق 3.5 متر تحت الأرض في منطقة جبل الريحانية المخصصة لرمي النفايات على الحدود بين عكار وعيون السمك.

على وقع صيحات النسوة ونحيب الرجال دخل نعش الشيخ الرفاعي محمولاً على الأكف، وجال به المشيّعون في الساحة، من دون السماح بإدخاله إلى منزله، ومنع أفراد عائلته من وداعه كما يجب وأُبقي على النعش مغلقاً قبل أن يوارى الثرى وسط انتشار كثيف للقوى الأمنية والجيش اللبناني.


مفتي عكار: لا خلفيات سياسية أو حزبية لعملية خطف الشيخ الرفاعي وقتله

وفي المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» أن رئيس البلدية في التحقيقات الأولية حاول التنصل من الجريمة والإيحاء بأنه طلب فقط تأديب الشيخ أحمد، قبل أن يعترف بأنه خطط قبل شهر للجريمة، وجهّز الحفرة قبل التنفيذ بمدة، قبل أن يستدرج أحد المنفّذين الشيخ أحمد بمراسلته على سيدة بجاجة إلى مساعدة مادية بسبب الأزمة المعيشية. واعترف الرفاعي أن رجاله خطفوا، وتعمّدوا رمي الأدلة (القناع وقفازين وجاكيت صفراء اللون) في مكان الاختطاف للإيحاء بأن عناصر أمنية قامت بالعملية، ومن ثم الانتقال به إلى منطقة الكورة حيث جرت تصفيته، ونقله إلى منطقة البارد، لرميه في الحفرة.


مفتي عكار

قطع مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا الطريق على من استمروا في التلميح إلى مسؤولية سرايا المقاومة عن قتل الشيخ أحمد الرفاعي بالتأكيد أن «لا خلفيات سياسية أو حزبية لعملية خطف الشيخ وقتله». واستنكر «المنطق الذي يجر المنطقة إلى تبعات لا تحمد عقباها»، ودعا إلى «ضبط النفس على رغم فظاعة الجريمة، وسير التحقيق ضمن المجريات الطبيعية وأخذ الموضوع إلى القضاء».



حزب الله يعزي ويدعو للمحاسبة

إلى ذلك، تقدّم حزب الله بالعزاء «من آل الرفاعي وأهالي عكار ودار الفتوى وعموم المفتين الكرام»، ودان «الجريمة ‏التي أَودت بِحياة الشيخ أحمد شعيب الرفاعي»، وأشاد «بالدور الهام الذي قام به فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي الذي أماط اللثام بسرعة وكفاءة عن هذه ‏الجريمة النكراء درءاً للفتنة ومنعاً للاستغلال السياسي»، مشيراً إلى أنه «على مدى الأيام القليلة الماضية، وقبل أن تَتكشف معالم الجريمة، دَأبت قوى ‏سياسية وسياسيون ورجال دين ووسائل إعلام وصحافيون وناشطون على توجيه الاتهامات الظالمة بحقنا من ‏دون دليل ومن دون وجه حق وعَملت على تعريض البلد ووحدته واستقراره وسلمه الأهلي للخطر، والعمل ‏بشكل خبيث لخلق فتنة بين المسلمين من دون أدنى مسؤولية وطنية أو رادع أخلاقي أو إنساني»‎.‎ ودعا «الأجهزة الأمنية والقضائية العمل بكل قوة لِمحاسبة المحرضين الذين نَشروا الشائعات ‏الكاذبة وضللوا التحقيق الأمني وعملوا على زَرع الفتنة وضرب الوحدة والاستقرار، ونَتمسّك بِحقنا ‏الكامل في مقاضاتهم أمام المحاكم المختصة لينالوا العقاب الرادع والجزاء الذي يستحقون».‏



شركاء في الجريمة

نجلة حمود

كشفت قضية خطف الشيخ أحمد شعيب الرفاعي وقتله عن جريمة أعمق قوامها التخاذل والتهاون الأمني والقضائي والفساد السياسي.

كثر، شاركوا في جريمة قتل الرفاعي الذي قال لـ«الأخبار» عام 2019 إن بلدة القرقف «تعاني الإرهاب السياسي والمالي والاجتماعي والأمني، حيث هناك دولة ضمن الدولة تابعة لرئيس البلدية يحيى الرفاعي». وهو ما كشفته بالفعل الجريمة التي خُطّط لها بدم بارد، وعن سابق إصرار وتصميم، وكادت تؤدي الى فتنة في الشمال ولبنان، بعدما حُمّلت أبعاداً سياسية ومذهبية استثمرت فيها الجهات التابعة للخط السياسي نفسه الذي حمى رئيس البلدية المتهم بالتخطيط للجريمة وأمّن له الغطاء على مدار سنوات، ثم حاول استخدام الجريمة لتفجير البلد عبر توجيه أصابع الاتهام الى الجيش اللبناني والأمن العام والنظام السوري وحزب الله، مهددين بالتسلح تحت شعار «المظلومية السنية»، وجرّوا معهم مشايخ هدّدوا بالتصعيد داعين إلى عدم الاستخفاف بعمائمهم!

قرّر الجميع القفز فوق كل الأسباب العائلية والخلافات القديمة (وقد يكون بعضهم معذوراً بعدم تصديق أن خلافاً عائلياً يمكن أن يقود إلى مثل هذه الجرأة على القتل)، علماً أن الشيخ أحمد الرفاعي لم يكن يقاتل بلسانه فقط، بل وثّق عشرات المذكرات والدعاوى والأحكام التي لم تنفّذ، وتنقل بها بين الوزارات والجهات التي يفترض أن تسهر لحماية المواطنين وإحقاق الحق، لكنه كان يصدم بمدى الفساد المستشري في الإدارات ومؤسسات الدولة الأمنية والقضائية.

قرّر كثيرون التعامي عن ذلك وكادوا يدفعون البلاد إلى «حفلة دم»، رغم أن الجميع يعلم أن أواصر القرابة بين أهالي البلدة النائية (غالبيتهم من آل الرفاعي) لم تحل يوماً دون احتدام الخلافات ووصولها إلى حد الاعتداء بالضرب والتهديد بالقتل وحرق سيارات. إذ يتهم عدد من أبناء البلدة رئيس بلديتها، منذ عام 2010، بهدر المال العام والإثراء غير المشروع وتحويل المشاريع العامة الى استثمارات خاصة، فضلاً عن بيع مشاعات البلدة، وهو الملف الأهم الذي فجّر الخلافات بين أكثر من طرف في البلدة عام 2012، عندما سطّر عدد من أبناء البلدة شكاوى عدة ضد الرفاعي بتهمة التعدي على الأملاك العامة، وتحويل 10 عقارات من ملك جمهوري الى ملك بلدي من دون موافقة مجلس الوزراء، ثم بيعها الى أهالي البلدات المجاورة (وادي الجاموس، ببنين، طرابلس...) الذين شيّدوا أكثر من 150 منزلاً فوقها. كما أن الشيخ أحمد الرفاعي ادّعى عام 2019 أمام وزارة الداخلية والبلديات والتفتيش المركزي والهيئة العليا للتأديب، طالباً التحقيق مع رئيس البلدية حول أسباب «كسبه المادي بصورة فاحشة»، وخصوصاً أنه كان موظفاً في دائرة الأوقاف الإسلامية في عكار قبل فصله عام 2009. وجاء الرد بإحراق سيارة الشيخ أحمد الذي أكد

لـ«الأخبار» في 17 حزيران 2019 أن كاميرات المراقبة في المنطقة وثّقت الحادثة والتقطت المعتدين»، محذّراً من «التدخل لوقف الملاحقات أو تضليل التحقيق، ولا سيما أن الحادثة ليست الأولى من نوعها».

لم يتوقف الشيخ القتيل يوماً عن مواجهة انتهاكات رئيس البلدية، وفشل في انتخابات 2016 في منع إعادة انتخابه الى رئاسة البلدية مجدداً، وكان واضحاً أن الأمور تغلي في البلدة مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي المقبل.

كل هذا جرى التعامي عنه لمصلحة توجيه الاتهامات كيفما اتفق. وهذا ما يجعل الجميع شركاء في الجريمة، كلٌّ بمقدار: القوى الأمنية التي لم تبادر الى تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق رئيس البلدية؟ والنيابة العامة المالية التي جمّدت قضيته بضغوط سياسية بعدما كفّت وزيرة الداخلية ريا الحسن يده وأحالته ‘إلى القضاء، والغطاء السياسي الذي يؤمّنه سياسيون ونواب ما يسمح للرفاعي الذي يحمل بطاقات تسهيل مرور بالتجول في سيارات «مفيّمة»، وأخيراً مشايخ عكار العالمون بحقيقة الأمور والذين ارتضوا أن يكونوا شهود زور والتزموا الصمت أمام كل الانتهاكات التي يعرفونها، والذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها لدى توقيف شيخ للتحقيق معه، معتبرين الأمر استهدافاً لعمائمهم، وهو ما كان يتحصّن به يحيى الرفاعي.



تعليقات: