عويدات يكبّل القاضية عون: ملف المصارف في ثلاجة قانونية

تجنب عويدات السجال حول المفعول الرجعي في قانون رفع السرية المصرفية (مصطفى جمال الدين)
تجنب عويدات السجال حول المفعول الرجعي في قانون رفع السرية المصرفية (مصطفى جمال الدين)


في ظل استمرار النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، القاضية غادة عون، بمعركتها القضائية مع أصحاب المصارف، وتحوّل هذا الملف إلى صراع قضائي- سياسي، بينها وبين بعض السياسيين وفي مقدمتهم رئيس الحكومة، طلب منها المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، التوقف عن إجراءاتها القضائية والاستقصائية، إلى حين البت في قضية مداعاة الدولة بحقها.


تعميم عويدات

ولهذه الغاية، أصدرعويدات تعميماً صباح اليوم الثلاثاء 28 شباط، إلى النيابات العامة الاستئنافية في كل لبنان، وإلى النيابة العامة المالية ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، يتعلّق بآلية تطبيق القانون رقم 306 تاريخ 3112022. فطلب بموجبه الامتناع عن طلب أية معلومة مصرفية لا تتعلق بالدعاوى المتعلقة بجرائم الفساد والجرائم الواقعة على الأموال، وفقاً لأحكام قانون العقوبات والجرائم المنصوص عليها في المادة 19 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

وأيضاً طلب من النيابات العامة الامتناع عن طلب معلومات من المصارف لها صفة العمومية، وغير متعلقة بوقائع مادية محددة، لها تأثير مباشر على التحقيق الأولي المفتوح لدى النيابة العامة، والامتناع عن طلب أي معلومات مصرفية تعرض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو تمس في شرفه، وطالباً إبلاغ النائب العام لدى محكمة التمييز عن الجرائم الخطرة والتقيد بتوجيهاته في شأنها.

كما وجه كتاباً إلى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، يطلب فيه وقف إجراءات عون التحقيقية والاستقصائية في ملف المصارف، بشكل مؤقت، مستنداً بذلك إلى الفقرة الثالثة من المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية، التي تنصّ على أنه "لا يجوز للقاضي المنسوب إليه سبب الدعوى الناشئة عن مداعاة الدولة عن أعمال القضاة..".


استمرار الصراع

يُذكر أن الصراع القضائي-السياسي حول قضية ملاحقة المصارف قد تأجج بعد إرسال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كتاباً إلى وزير الداخلية، بسام المولوي يطلب فيه إجراء المقتضى القانوني للحفاظ على سير العدالة، والإيعاز للقوى الأمنية بعدم الإمتثال لأوامر عون.

الأمر الذي اعتبر تدخلاً واضحاً للسلطة السياسية بالسلطة القضائية، وتجاوزاً لمبدأ فصل السلطات، ما أدى إلى تحرك مجلس القضاء الأعلى وعقده اجتماعاً "طارئاً" يوم الخميس 23 شباط، ليصدر بياناً يدعو فيه المولوي وميقاتي للرجوع عن قرارهم الذي يمسّ بمبدأ فصل السلطات واستقلالية القضاء.


المفعول الرجعي

ويأتي التصادم القضائي مع المصارف نتيجة امتناع عدد من المصارف عن رفع السرية عن حساباتها، ورفضها تقديم داتا المعلومات الخاصة بها التي تعود إلى ما قبل العام 2022 ، موعد سريان قانون رفع السرية المصرفية عن كافة الحسابات والمحددة مهلته بسنة واحدة، فيما تصرّ عون على ضرورة الحصول على هذه المعلومات العائدة لسنوات سابقة من أجل استكمال تحقيقاتها. وهنا أعطى مصدر قضائي لـ"المدن" الحق بالرجوع إلى ما قبل العام 2022، باعتبار أن القانون يجيز كشف الحسابات لفترة طويلة سابقة تعود إلى العام 1988.

ويبدو أن تعميم القاضي عويدات رسم خطاً فاصلاً بين حق القضاء بالتحقيق بأي ملف تعتريه شبهات الفساد، وحق المصارف في الحفاظ على سرية المعلومات العائدة لموظفيها ومودعيها، وبشكلٍ لا يؤدي إلى التشهير بسمعة الأشخاص المطلوب رفع السرية عنهم، خصوصاً أنه استخدم حقه القانوني وطلب من القضاة المعنيين العودة إليه عندما تكون الإجراءات متعلقة بالجرائم الخطيرة، كتبييض الأموال والإثراء غير المشروع وغيرها.

ومما لا شك فيه فإن مواقف المعنيين قد تضاربت في هذا الملف بين من خالف اجراءات القاضي عويدات وبين من قام بتأييدها.


صلاحيات واسعة

وتوضيحاً لما عرضناه أعلاه، فقد تواصلت "المدن" مع المحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة، المحامي كريم ضاهر، الذي اعتبر أن القاضي عويدات مارس صلاحياته التي يتمتع بها وفقاً للمادة 16 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، ما يعني أنه يتمتع بكامل الحق في إصدار تعليمات خطية أو شفهية في تسيير دعوى الحق العام.

وتابع ضاهر أن التعميم يحمل رسائل متعددة للنائب العام الاستئنافي، غادة عون، وللمصارف، ومن مضمون التعميم يؤكد عويدات صلاحية القضاء بطلب المعلومات من دون الحاجة لرفع السرية المصرفية. وأضاف ضاهر أن تعميم عويدات وما احتواه من رسائل يعتبر كمحاولة لإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي وذلك بالاستناد إلى المواد القانونية.


ممارسة الضغوط؟

من جهة أخرى، اعتبر المحامي جاد طعمة، في حديثه لـ"المدن" أن هذا التعميم بمثابة تقويض لتحقيقات القاضية غادة عون، فيما يتعلق بقضية المصارف، وتم الاستناد إلى قانون المحاكمات الجزائية. وربما يعود ذلك بسبب عدم قدرة القضاء على كف يدها عن الملف. لذا جاء التعميم وفقاً لقانون المحاكمات الجزائية ليطلب من عون حصولها على توجيهات خطية من القاضي عويدات للتقيد بها. فالقانون أتاح للنائب العام التمييزي أن يقدم توجيهات خطية لأي نائب عام استئنافي أو مالي أو المحامين العامين، ويكون بذلك على قضاة النيابة العامة الالتزام بتوجيهاته الخطية في الشأن الذي يبدي رأيه فيه.

"وهنا يجب أن نلفت أنها ليست المرة الاولى التي يستعمل عويدات هذه الصلاحية، فقد استخدمها في آذار2020 حينما ألزم النائب العام المالي علي ابراهيم، بالعودة عن إشارته التي قضت حينها بحجز على أموال بعض المصارف اللبنانية..".

إذن، تبقى الأسئلة مفتوحة والآراء مختلفة، ويبقى السؤال الذي سيتردد خلال الساعات المقبلة عما إن كانت عون ستلتزم بقرار عويدات الأخير، وتتوقف عن تحقيقاتها لفترة معينة أم سترفض. فيما المؤكد منه أن ملف المصارف من الممكن أن يسلك طريق قضية المرفأ ويتجمد، بسبب العراقيل التي ستواجهه خلال الأيام المقبلة.

تعليقات: