منذ بداية العام الجاري، قُتل 14مستوطِناً في عمليات المقاومة (أ ف ب)
رام الله
تستمرّ حالة المقاومة في التصاعد في الضفة الغربية المحتلّة، مخرِجةً مع تَواصل تَقدّمها مفاجآت نوعية ودراماتيكية للاحتلال، من مِثل العملية الفدائية المتسلسلة في أريحا، والتي لا تزال أجهزة العدو عاجزة عن الوصول إلى مُنفّذيها، كما إلى مُنفّذي عملية حوارة. ويُمثّل دخول أريحا على خطّ الاشتباك، تحوّلاً بالغ الخطورة بالنسبة إلى إسرائيل، لِما تحوزه المدينة من أهمية جغرافية وأمنية، ولتشكيلها خاصرة رخوة في قلْب المستوطَنات، يمكن من خلالها توجيه ضربات نوعية إلى جنود الاحتلال ومُستوطِنيه. وعلى رغم ما يقوم به العدو من إجراءات وعمليات تصفية وتنكيل، إلّا أنه لا يزال عاجزاً عن وقْف تلك الحالة، في وقت تتتابع فيه فصول الانقسام العامودي في كيانه، مستدعيةً تحذيرات من بعض مسؤوليه، من أن تخلخُل «المناعة القومية» سيجرّئ أعداء إسرائيل على تصعيد فِعلهم المقاوم ضدّها.
لا يزال جيش الاحتلال يفرض حصاراً كاملاً على مدينة أريحا، مانعاً الدخول والخروج منها وإليها، في أعقاب عملية إطلاق نار متدحرجة نُفّذت فيها مساء الإثنين، وأسفرت عن مقتل مستوطِن يحمل الجنسية الأميركية ويخدم في الجيش الإسرائيلي. وبدأت سلسلة العمليات الفدائية عند تقاطع معسكر «نيفو» على «شارع 90»، بالقرب من أريحا، حيث أصيبَ جندي بجروح حرجة في الجزء العلوي من جسده نتيجة إطلاق النار عليه من داخل سيّارة، قبل أن يعلَن لاحقاً مقتله. وعلى إثر إصابته، واصل المقاومون إطلاق النار عند مفترق «بيت عربة»، على سيّارة كان يستقلّها أربعة أشخاص نجوا بأعجوبة فيما أصيبت مركبتهم بأضرار. بَعدها، أكملت الخليّة طريقها إلى منطقة دير مار جرجس، ومن هناك غادر أفرادها سيّارتهم وأحرقوها وانسحبوا بمركبة أخرى، وفي أثناء ذلك اشتبكوا مع قوّة من شرطة الاحتلال. وبحسب تحقيقات جيش العدو، فإن منفّذي العمليات تلك، ربّما توجّهوا إلى مخيّم عقبة جبر، الذي داهمتْه قوّات الاحتلال فجر الثلاثاء، وشنّت حملة تفتيش لمنازل المواطنين، في وقت فرضت فيه إجراءات مشدّدة على الفلسطينيين في منطقة أريحا، ونصبت الحواجز العسكرية على الطرقات في منطقة الأغوار، وقامت بإيقاف المركبات وتفتيشها والتدقيق في هويّات المسافرين، بحثاً عن المنفّذين.
ولم يكن هجوم أريحا غير متوقَّع، نظراً إلى الواقع الأمني المستجدّ الذي تعيشه المحافظة بعد سنوات من الهدوء. فقد مثّل بروز خلايا عدّة للمقاومة فيها خلال الأسابيع الماضية، مفاجأة للأوساط الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية، بدأت باكورتها بتنفيذ عملية مطعم «ألموغ» التي لم يُكتب لها النجاح، على رغم خطورتها وما كان يمكن أن تُخلّفه من عدد كبير من القتلى، وهو ما دفع جيش الاحتلال إلى فرْض حصار على المدينة وشنّ هجمات على المخيم، حتى ارتكب مجزرة ارتقى فيها 4 مقاومين خلال اشتباك مسلّح. وعزّزت ضربة أوّل من أمس القلق الأمني الإسرائيلي من اتّساع رقعة النار والاشتباك، ودخول أريحا إليها بشكل قوي. كما أثبتت فشل المجزرة التي ارتكبها جيش العدو في مخيم عقبة جبر في القضاء على المجموعات المسلّحة في المحافظة، وهذا ما ينطوي على مؤشّرات غير سارّة للاحتلال، أخذاً في الاعتبار خصوصية المدينة كموقع جغرافي وأمني؛ فهي قريبة من الحدود الأردنية - حيث تسجِّل عمليات تهريب السلاح ارتفاعاً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة -، وبالتالي فإن ظهور خلايا مسلّحة فيها يمكن أن يخلق عبئاً أمنياً بالنسبة إلى العدو. كما أن أريحا مُحاطة بعدد كبير من المستوطنات، وتَخرقها شوارع استيطانية رئيسة من مِثل «شارع 60» و«شارع 90»، يسلكها آلاف المستوطنين يومياً، ما يجعلهم هدفاً سهلاً لرصاص المقاومين. كذلك، تُعدّ المحافظة المركز الأوّل للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي تضمّ جامعة السلطة الأمنية (جامعة الاستقلال)، والسجن المركزي المعروف بسجن أريحا. ونظراً إلى تمتّعها بالهدوء في الأعوام الفائتة، فقد نمت فيها مشاريع سياحية وترويجية، وشهدت مناطقها طفرة في بناء الفلل السياحية.
وتتماهى عملية أريحا مع المدّ الثوري في الضفة الغربية؛ فقد جاءت بعد ساعات فقط من عملية حوارة التي قُتل فيها مستوطِنان اثنان، فضلاً عن العشرات من حوادث إطلاق النار أو رمي الحجارة والزجاجات الحارقة على الحواجز وسيّارات المستوطِنين، والتي نجمت عنها إصابات عدّة في صفوف هؤلاء بعضها خطيرة. ودَفع هذا الواقع الملتهب في الضفة، والذي تزيد من اشتعاله اعتداءات المستوطنين الذي انفلت عِقالهم في غير منطقة على غِرار ما جرى في حوارة، جيش الاحتلال إلى رفْع حالة التأهّب خشية المزيد من الهجمات الفلسطينية والاعتداءات من قِبَل المستوطنين، لا سيما في ظلّ عجزه وأجهزة المخابرات إلى الآن عن الوصول إلى مُنفّذي عمليتَي حوارة وأريحا، ما يُضاعف من إمكانية تنفيذهم هجمات جديدة، وهو ما يفسّر قيام الجيش والشرطة و«الشاباك» بتشكيل غرفة عملية مشتركة في ضوء التحذيرات العديدة من وقوع حوادث إضافية.
لا يبدو قطاع غزة بعيداً عمّا يجري في الضفة ولا الداخل المحتلّ
وقُتل، منذ بداية العام الجاري، 14 مستوطِناً في عمليات المقاومة، التي توسّعت خلال الساعات الماضية وأدّت إلى إصابة عدد من المستوطِنين. إذ جُرحت مستوطِنة، مساء الإثنين، بعد تعرُّض مركبتها لإطلاق نار قرب قرية قصرة جنوب نابلس. كما احترقت حافلة للمستوطِنين قرب القدس جراء تعرّضها لإلقاء زجاجات حارقة، فيما أصيب ثلاثة مستوطِنين بجروح بعضها خطيرة، بفعل إلقاء حجارة على مركبتهم في وادي الحرامية شمالي رام الله، علماً أن من بينهم ضابطاً وجندياً. ووثّق «مركز المعلومات الفلسطيني» (معطى) 77 عملاً مقاوماً في الضفة خلال الـ24 ساعة الأخيرة، منها 15 عملية إطلاق نار، وتفجير عبوة ناسفة، وإلقاء زجاجات حارقة ومفرقعات نارية، و20 واقعة تصدٍّ لاعتداءات المستوطِنين، و7 حوادث تحطيمٍ لمركبات المستوطنين، ومواجهات وتظاهرات في 40 نقطة، خلّفت قتيلاً و12 إصابة في صفوف المستوطِنين والجنود. على أن المفاجأة الأبرز في حالة المقاومة المتصاعدة في الضفة منذ عام تقريباً، تظلّ أريحا؛ إذ إن ظهور مجموعات مسلّحة فيها يمكن أن يؤثّر بشكل غير مسبوق على حجم الاشتباك ومساره، كما يمكن أن يعرّي الخاصرة الرخوة للاحتلال، والتي من خلالها قد تُوجَّه ضربات أمنية غير مسبوقة إلى جنوده ومستوطِنيه.
وبينما تتعاظم حالة المقاومة بشكل متسارع قبل حلول شهر رمضان، لا يبدو قطاع غزة بعيداً عمّا يجري في الضفة ولا الداخل المحتلّ، خاصة في ظلّ انفلات المستوطنين وتزايُد جرائمهم، والذي دقّ جرس الإنذار ليس لدى إسرائيل فقط، وإنّما أيضاً لدى أطراف عربية ودولية. إذ تحاول الإدارة الأميركية بعْث الحياة في قمّة العقبة الأخيرة، والتي أصيبت بمقتل جرّاء عملية حوارة الفدائية، والهجوم الإرهابي للمستوطِنين على البلدة. ولذا، زار الممثّل الأميركي الخاص للشؤون الفلسطينية، هادي عمرو، عضو «اللجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير الفلسطينية»، حسين الشيخ، في رام الله عصر أمس، علماً أن كليهما شاركا في القمّة، في محاولة للبدء بتطبيق ما جرى الاتّفاق عليه بشأن تهدئة الأوضاع الميدانية. ويتزامن الجهد الأميركي مع بروز نشاط قطري جديد، يتمثّل في زيارة للسفير محمد العمادي كانت مقرَّرة الثلاثاء إلى قطاع غزة، من أجل محاولة إقناع الفصائل بتهدئة الأمور وعدم الانجرار إلى التصعيد مع الاحتلال، خاصة بعد فشل الوساطة المصرية في هذه المهمّة. لكن زيارة العمادي، وبحسب مصادر في قطاع غزة، تأجّلت لأسباب غير معروفة. وبذلت مصر، عقب زيارة وزير مخابراتها إلى رام الله برفقة نظيره الأردني ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، جهوداً لحمل الفصائل على التعهّد بالعمل على إرساء الهدوء في الضفة، وهي المهمّة التي يبدو أنها انتهت بالفشل، ما يضع الأراضي الفلسطينية برمّتها أمام احتمالية كبيرة للانفجار، والذهاب إلى معركة جديدة خلال الأسابيع المقبلة.
اعتقال شاب في القدس: أرادَ قتل بن غفير والتفاوض على جثّته!
اعتقل جيش العدو الإسرائيلي، أمس، فلسطينياً من سكان مدينة القدس المحتلة، بعدما خطّط لاغتيال وزير الأمن القومي الإسرائيلي، اليميني المتطرّف، إيتمار بن غفير. وبحسب تقارير إعلامية عبرية، فقد خطّط المعتقل، لـ«خطف جثة بن غفير بعد قتله، من أجل التفاوض والمساومة عليها». وبن غفير، أحد «صقور» اليمين في الحكومة الإسرائيلية الحالية، دائم التحريض على الفلسطينيين، ومن أبرز المروّجين للخطط الاستيطانية في الضفة الغربية، والعمل على تغيير «الوضع الراهن» في المسجد الأقصى. لكن، ما تميّز به بن غفير أخيراً، هو اتخاذه عدة قرارات «عقابية» وانتقامية بحق الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو، واعتباره السجونَ ساحة من ساحات المواجهة مع المقاومة، ويمكنه استغلالها للانتقام وجبيِ الثمن من الفلسطينيين. وتشهد السجون الإسرائيلية خلال هذه الأيام توتراً خطيراً، حيث بدأ الأسرى خطوات تصعيدية تدريجية، رداً على قرارات بن غفير، ومساسها بحقوقهم الأساسية داخل السجون.
(الأخبار)
تعليقات: