هل في إمكان أصحاب الأمراض المزمنة أن يصوموا؟ وكيف؟

أم علي: سيدة الحلويات العربية
أم علي: سيدة الحلويات العربية


أبرز التوصيات لمرضى السكري لتفادي المضاعفات الخطرة الناتجة من الصوم..

على المرضى الذين يعانون الامراض المزمنة او الاستقلابية ان يستشيروا الطبيب قبل البدء بالصوم لتقويم حالتهم الصحية، ولمعرفة المعايير الطبية التي تسمح لهم بالصوم في شهر رمضان. ومن ابرز المعرّضين للاصابة بمضاعفات جراء الصوم، وبالتالي الافطارات الغنية بالسعرات الحرارية: مرضى السكري المصاحبون عوامل الخطر كارتفاع ضغط الدم ونسبة الدهون، والمصابون بامراض القلب والشرايين اي ما هو معروف بالامراض الاستقلابية، وكذلك النساء الحوامل. وعموما لا تصوم المرأة الحامل بسبب المتغيرات والمتطلبات في جسمها التي تعرضها الى ارتفاع او هبوط السكر في حال قررت الصيام، كذلك بالنسبة الى المرضعات والمسنين من المرضى.

ما ابرز التوصيات التي يجب ان يتبعها مريض السكري الذي يرغب في الصوم تفاديا لـ"الاشتراكات" الخطرة؟ ان الصوم في شهر رمضان شائع جدا، ونسبة المرضى المصابين بالسكري والذين يصومون مرتفعة، 54 في المئة منهم من النوع الاول و86 في المئة منهم من النوع الثاني، رغم النصيحة الطبية والدينية بعدم ضرورة صوم مريض السكري.

وهذا ما قاد اللجنة الاستشارية لرمضان والسكري مع مختبرات "سانوفي – افنتيس" الى اجراء دراسة Epidiar، التي اظهرت ان نسبة عالية من مرضى السكري يصومون في شهر رمضان.

ودلت نتائج هذه الدراسة على ان التغيير في نمط الحياة عند المصابين بداء السكري خلال شهر رمضان كان على صعيد النشاط الجسدي، ومدة النوم، وتناول الطعام والسكر والسوائل، وان ربع المرضى فقط الذين يعالجون بحبوب خافضة للسكر او بالانسولين بدلوا جرعات العلاج خلال شهر رمضان. وان هناك زيادة مهمة في معدل الاستشفاء بسبب نقص او زيادة السكر في الدم مقارنة بأشهر السنة الاخرى.

لذلك لا بد من مراقبة مستوى السكر في الدم خلال الصوم، والاهم ان على المرضى استشارة الطبيب المعالج ليعطي نصائحه وينبه الى الحالات التي لا يجب فيها الصوم. ولتسليط الضوء اكثر نظمت مختبرات "سانوفي – افنتيس" لقاء عن كيفية الصوم لمريض السكري، شارك فيه رئيس "الجمعية اللبنانية للغدد الصماء والسكري والدهنيات" الدكتور اكرم اشتي، ورئيس قسم الغدد الصماء والسكري في مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت البروفسور ابرهيم السلطي. وتحدثا عن التوصيات المبنية على تلك التي اوصت بها اللجنة الاستشارية لرمضان والسكري والتي سميت Diabetes and Ramadan Advisory Board وعلى توصيات نتائج دراسة Epidiar الوبائية.

أعراض قد تصيب الصائم

بخصوص تأثير الصوم على مريض السكري هناك احتمال هبوط السكر في حال صام المريض بين 12 او 14 ساعة في اليوم، وهذا يعتمد على موسم السنة الذي يحل فيه رمضان. الاحتمال المعاكس ايضا وارد وهو ارتفاع معدل السكر اذا لم يتناول المريض الدواء في انتظام. وقد يؤدي هذا الامر في بعض الاحيان الى ما يسمى بالـ "كيتواسيدوس"، اي الاغماء والسبات بسبب ارتفاع السكر او انخفاضه. (السبات الحمضي الكيتوني).

الى المشاكل الناتجة من نقص المياه والاملاح، وخصوصا اذا كان المناخ حارا، وكذلك الخطر على مريض السكري المعرض للجلطة والاشتراكات الوعائية.

التوصيات لمريض السكري

عرضت التوصيات التي توصلت اليها اللجنة الإستشارية والتي تمنع مرضى السكري من الصوم.

لدى مرضى السكري من النوع الأول:

_ المريض الذي يتناول بين 3 و 4 جرعات في اليوم، وخصوصا إذا كان مصابا بالسكري غير المستقر.

_ المرضى الذين يستعملون مضخة الأنسولين Insulin Pump.

_ المرضى الذين يتناولون أكثر من 3 أو 4 جرعات أنسولين في اليوم ويعانون حالة الإغماء والسبات بسبب ارتفاع السكر أو انخفاضه. (السبات الحمضي الكيتوني).

_ المرضى الذين يعانون هبوط مستوى السكري في الدمHypoglycemia.

_ الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم ، و الذين لا يجدون من يساعدهم في حال تعرضوا لعارض في الكلى أو القلب أو جلطة.

- النساء الحوامل أو اللواتي يرضعن، حتى وإن لم يكنّ مصابات بالسكري.

وتكون نسبة الخطر أخفّ للأشخاص الذين يتناولون الأنسولين والدواء بطريقة منتظمة ولم يحصل عندهم هبوط في الدم ولا يتناولون أكثر من جرعتين في اليوم، ومع هذا يفضّل عدم صومهم.

ولدى مرضى السكري من النوع الثاني، يستحسن عدم صيام الأشخاص :

- المصابين بقصور كلوي ومشاكل في الشبكية والجهاز العصبي.

_ من يعانون حالة الإصابة بهبوط في معدل السكري من دون الشعور بذلك.

- من أصيبوا بجلطة في القلب أو جلطة دماغية.

- من عانوا من فترة قريبة ارتفاع معدل السكري، أو من كان معدّل السكري لديهم في أوّل الشهر يفوق الـ300 أو من يتناولون جرعات عدة .

وثمة حالات غير متعلقة بمرض السكري، و لكن من المستحسن إذا وجدت عند مريض السكري ان يمتنع عن الصيام مثل :

- القرحة المعوية، خصوصا إذا كانت حيوية.

- مشاكل في وظيفة الكلى.

- المصابين بالسرطان.

- المصابين بأمراض قلب أو من تعرّضوا لجلطة حديثا".

_ كل حالات الإضطرابات العقلية والأمراض النفسية.

- مشاكل في وظيفة الكبد.

وشدد المشاركون في اللقاء على اهمية دور الطبيب، إذ عليه أن يرشد المريض وينصحه، أنّه في حال أصّر على الصوم، يجب أن تكون مدّته أقلّ ما يمكن. كما عليه أن يعلّمه كيفيّة توزيع الوجبات ونصحه بتخفيف الحركة البدنية خلال النهار وزيادتها في الليل. ومن الأمور البديهية أيضاً الامتناع عن تناول المأكولات المحظر تناولها أصلاً خارج الصوم كالحلويات.

الأدوية و العلاجات

- إذا كان العلاج يرتكز على حبة واحدة في اليوم يجب أخذ الحبة عند الإفطار.

- إذا كان العلاج يرتكز على أكثر من حبة في اليوم، يجب أخذ الجرعة الكبيرة قبل الإفطار والجرعة الخفيفة عند السحور.

- لمرضى السكري من النوع الثاني يجب استعمال أنسولين متوسط المفعول ويعطى عند الإفطار.

وهناك عدد من التنبيهات لتجنّب هبوط السكر في الدم :

- تناول السحور في وقت قريب من الإمساك (الشروق).

- تغيير في جدول الأكل وكميته وتركيبته للتكيّف مع الأدوية التي يتناولها المريض.

- خفض النشاطات البدنية خلال النهار، إلا أنّها ضرورية ساعة بعد تناول الإفطار والتشجيع على ممارسة الرياضة الخفيفة.

- الحفاظ على نوعية الأكل نفسه كالسابق.

توعية المرضى وعائلاتهم

لا بد من التركيز على الحالات التي يمنع فيها الصوم، وعلاج السكري وتغيراته، وأهمية أدوات المراقبة الطبية والمراقبة الذاتية عبر قياس معدل السكري بعد السحور وساعة بعد الإفطار. والإصرار على خطر الاشتراكات الحادة وطرق تفاديها، وتعميم المعلومات حول مشكلة مرض السكري في رمضان ودور الممرضات، ودور الإعلام ورجال الدين لتوعية المرضى مع الجهات الطبّية.

ويعنى بهذه التوعية الممرضات وجمعيات المرضى والسلطات المعنية. ويجب أن يتلقى مرضى السكري وعائلاتهم دروساٌ فردية أو جماعية وأن يحضروا اجتماعات للمعلومات العامة.

ارتفاع الدهنيات والمتلازمة الاستقلابية

وعن مشاكل ارتفاع الدهنيات والمتلازمة الاستقلابية اثناء الصوم حدثنا الاختصاصي في امراض الغدد والسكري الدكتور محمد صنديد قائلا، انه غالبا ما يعاني معظم مرضى السكري عوامل خطرة مصاحبة لمرضهم، كالارتفاع في دهون الدم مما يزيد في امكان تصلب الشرايين والزيادة في الامراض القلبية. اللافت ان ارتفاع الدهنيات لا يكون مرئيا كارتفاع السكري وانخفاضه، وان تداعياته تكون على مدى اطول، الا انها تساعد في اصابة الشرايين والقلب اذا ما ارتفعت في شهر رمضان. لذلك فان مريض السكري يخضع، بناء لطلب طبيبه، لفحص دهنيات الدم قبل الصوم، وعادة يطلب الطبيب ان تكون المعدلات عند مريضه: الكوليسترول الاجمالي تحت الـ200، الشحوم الثلاثية تحت الـ 150، الكولسترول الجيد (اش دي ال) فوق ال 45 والسيئ (ال دي ال) تحت الـ 100، وبالتأكيد ثمة مجموعة من الادوية الحديثة في علاج الدهنيات تسيطر عليها، ويشدد الطبيب على استعمالها.

اما المرضى المصابون بارتفاع ضغط الدم، والتي تقضي حالتهم اخذ اكثر من علاج في النهار، فمن الواجب ان يفطروا، لأن خطر ارتفاع ضغط الدم لا يقل اهمية عن غيبوبة السكري.

وشدد الدكتور صنديد على انه خلال شهر رمضان تزيد المتلازمة الاستقلابية اي الضغط، الكولسترول، السكري، الشحوم الثلاثية، السمنة وغيرها، مما يعرض المريض لخطر اكثر لا سيما لجهة الذبحات القلبية.

"اصبح من الضروري في وقتنا الحاضر ان ننتبه الى معالجة المتلازمة الاستقلابية بشكل كلي كي نخفف من الوفيات الناتجة منها والترجمة عمليا بمخاطر تتداعى على القلب والشرايين، لذا لم يعد مقبولا ان نرجع اسباب الوفيات ونردها الى امراض القلب والشرايين مباشرة من دون البحث عن الاسباب والدوافع التي اوصلت المرضى الى هذه المضاعفات والتي تزداد اثناء الصوم، بسبب الافراط والمبالغة في تناول الوجبات الدسمة التي حولت الصوم من عبادة الى عادة.

ولكي نفهم هذه المتلازمة يجب ان نسرد العوامل المشكّلة لها ومنها عوامل كلاسيكية كالعمر والجنس الذكري والتدخين والدهنيات والسكري والضغط تضاف اليها عوامل جديدة، كما للسمنة الدور الكبير منها والتي احدثت مقاومة في الانسولين نتيجة الخلل في الخلايا الدهنية مما ساعد في ارتفاع نسبة الاصابة بالسكري من النوع الثاني والتي تتمثل، عموما بارتفاع هورمون الانسولين والخلل في المؤشرات الاستقلابية المختلفة".

لماذا هذا الازدياد في الاضطرابات الاستقلابية؟

اجابت الدراسات العالمية الكثيرة عن هذا السؤال ان جينات الانسان تغيرت عن سابقاتها في السنوات الثلاثة الاخيرة نتيجة التغيير الحاصل في نوعية الطعام والسلوك الغذائي وتغيير نمط الحياة عند البشر. وتتجه الدراسات العلمية الحديثة الى تحميل نظام جديد يؤثر على جسمنا، هذا النظام يسمى بـ"النظام الحشيشي"، حيث ان منشأه الاساسي هو في الدهنيات ويلتحم مع مستقبلات تؤثر على الدماغ وعلى الاعضاء الجانبية كالعضل والكبد والجهاز الهضمي وغيرها، مما يحرض الجسم على طلب الطعام رغم حالة الشبع. فاصبحنا نأكل لا اراديا لتخزين الطاقة وبمجرد روتين ومن دون تفكير بالاطعمة اللذيذة علما اننا لا نشعر بالجوع.

ان هذا النظام لم يكن موجودا عند الانسان القديم لالاف من السنين الخوالي، اذ ان الطاقة كانت تؤمن عند الحاجة بالجوع ليشرع الانسان بالصيد وما شابه، لذا لم يكن لتخزين الطاقة وجود، وبالتالي فان السمنة كانت معدومة، حتى تحول الانسان الى مزارع ومربٍّ للمواشي ثم الى مستهلك للاطعمة اللذيذة والوجبات السريعة، واصبح معظم الناس يرغبون في العيش في المدن بدل الارياف مما حد من الحركة واكثر من استهلاك الاطعمة فازدادت الامراض: السكري النوع الثاني، الكولسترول والشحوم الثلاثية والضغط الشرياني وزادت مضاعفات امراض القلب والشرايين.

وعن الحلول المقترحة لتفادي المشاكل الناتجة من الافطارات التي تلي الصوم قال صنديد انه لا بد من تغيير نمط الحياة باعتماد العادات الغذائية الصحيحة وزيادة الحركة الجسدية والرياضة، واخذ العلاجات اللازمة لضبط السكر من النوع الثاني، واجراء الفحوصات الدورية لمراقبة تخزين السكر ووضع الكلى ، وضبط معدلات الكولسترول والشحوم الثلاثية، وضبط ضغط الدم، والامتناع عن التدخين، وتناول الاسبيرين في حال لم يكن هناك من امراض في المعدة او ما شابه.

تعليقات: