ملابسات الاعتداء على طلاب عراقيين في وزارة التربية اللبنانية

سقط أحد الشبان العراقيين أرضاً وأغمي عليه داخل وزارة التربية (السوشيال ميديا)
سقط أحد الشبان العراقيين أرضاً وأغمي عليه داخل وزارة التربية (السوشيال ميديا)


عصر اليوم 9 آذار الجاري، انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر اعتداء عدد من عناصر قوى الأمن الداخلي وموظّفي وزارة التّربية والتّعليم العالي، على مجموعة من الطلّاب العراقيّين وطردهم لاحقًا، ذلك أثناء وقوف الطلاب في طابور أمام شباك المراجعة، بانتظار الحصول على شهاداتهم المنجزة ومتابعة أمورها، فضلاً عن معادلتها في لبنان. وهذا الفيديو الذي أثار حفيظة رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وصلـت أصداؤه لاحقًا إلى العراق، ما أدّى الى تدخل رسمي لبناني وعراقي.


سجال في وزارة التربية

ومقطع الفيديو المتداول، احتوى على مشاهد من السّجال العنيف الذي دار بين كل من الموظّفين والعناصر الأمنيين المتواجدين في وزارة التربية والطلبة العراقيين الحاضرين بالعشرات، حيث اُستهل الفيديو بتهديد أحد العناصر للطلاب بعصا حديدية طالبًا منهم التراجع إلى الخلف، وإفساح المجال، وتبعه صراخ عدد من الموظفين الذين همّوا بإطلاق الشتائم ودفع الطلاب جانبًا. الأمر الذي اعتبره نشطاء التّواصل الاجتماعي تجلّياً علانيّاً لعنصرية الموظفين، وطالبوا الجهات الرسميّة بالتحرك فورًا. وعلى إثر انتشاره الواسع، طالب وزير التّعليم العالي العراقي نعيم العبودي بتشكيل لجنة وزارية للتوجّه إلى لبنان، بغرض متابعة شؤون الطلبة العراقيين والوقوف على إجراءات التعامل معهم في المؤسسات اللبنانيّة المختصة. الأمر الذي أكدته مصادر عراقية عدة لـ"المدن"، والتّي دعت الجهات الرسمية للتحقق من تفاصيل السّجال وتبريره.

وعليه، صرّح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لعدد من الجهات الإعلاميّة، أنّه في صدّد التحقيق بقضية الاعتداء على الطلبة العراقيين، والعمل على وضع حدّ للاعتداء الذي تعرض له هؤلاء في وزارة التربية والتعليم العالي. وأشار إلى أنّه سيستقبل الطلبة العراقيين يوم غد في قصر السراي الحكومي، للوقوف على ملابسات الاعتداء عليهم، والإسراع في حل جميع مشاكلهم، والحد من المعوقات التي تقف أمام مصادقة الشهادات العليا الحاصلين عليها من الجامعات اللبنانية.

لدى تواصل "المدن" مع وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، أكدّ على ما قاله في البيان الذي نُشر بعد السّجال مؤكدًا على "حرصه وحرص العاملين في الوزارة على صون كرامة كل صاحب معاملة أو مراجعة لدى دوائر الوزارة، لافتا إلى أن الوزارة تعامل الجميع من لبنانيين وغير لبنانيين بسواسية من دون أي تمييز، وخصوصاً الأخوة العراقيين الذين يدرسون في الجامعات اللبنانية ويتقدمون بمعاملاتهم وشهاداتهم للمعادلة في الوزارة".


قصور في القدرة التشغيلية

وأضاف الوزير في بيانه: "أنّه نظرًا لحضور الموظفين إلى الوزارة يومي الأربعاء والخميس فقط بسبب الإضراب الناتج عن الضائقة المالية التي تعانيها البلاد وخصوصًا لدى موظفي الإدارة العامة، تتوافد إلى أقسام المعادلات قبل الجامعية والمعادلات والمصادقات الجامعية أعداد هائلة من الطلاب اللبنانيين والعرب والعراقيين بصورة خاصة وبأعداد كبيرة جدًا.. وعندما فتحت الوزارة أبوابها لاستقبال المواطنين والمراجعين عند الثامنة صباحًا، دخل عدد هائل من الطلاب العراقيين دفعة واحدة فاكتظ بهم مدخل دائرة المعادلات، في ظل محاولات من المعنيين لتنظيم الدخول، بعدما أخذوا جوازات السفر وعملوا على المناداة إسميًا. وفجأة سقط أحد الشبان العراقيين المراجعين أرضاً وأغمي عليه، واستمر التدافع على أولوية الدخول، وقد تعاون عدد من الطلاب العراقيين الموجودين في مقدمة الحضور مع قوى الأمن الداخلي وحراس أمن المبنى لإقناع الطلاب المندفعين بالتراجع قليلاً لرفع الشاب عن الأرض".

مُستطردًا تابع الوزير في بيانه: "غير أن الطلاب لم يتراجعوا وأصبح الشاب تحت أرجل الطلاب العراقيين، مما دفع عنصر قوى الأمن إلى رفع الصوت حاملًا قطعة من السياج الذي يضبط الصف لإقناعهم بالتراجع. وبعد هذه الحركة، تم رفع الشاب وتبين أنه يعاني من الربو ولم يتحمل النقص في الأوكسيجين، وتم إسعافه بواسطة الصليب الحمر. وقد استدعى المدير العام للتربية قوة من المخفر المجاور للوزارة لإعادة التنظيم وتسيير شؤون المراجعين من كل الجنسيات والعمل على التهدئة. وقد أدت هذه العملية إلى جو من الرعب لدى الموظفات والموظفين، ما استدعى بعض الوقت لإعادة الأمور إلى النظام ومتابعة تسيير المعاملات".

وفيما أكدّت مصادر "المدن" المتابعة أن السّجال الذي حصل هو بسبب تدافع الطلاب وإصرارهم على الدخول، والذين اختلفوا على أحقية المرور للاستحصال على معادلات شهادتهم والتّسجيل، بعد سبعة أشهر طوال من إضرابات الموظفين والتوقيفات التّامة، فيما يقع لوم جزئي على الطلاب الذين لم يذعنوا لمطالبات الموظّفين والعناصر الأمنيّة بالتراجع، والتّي جاءت بناءً على وضع أحد الطلاب الصحيّ، الأمر الذي أكدتّه كاميرات المراقبة في الوزارة.

وإذ لا ننفي أن سلوك القوى الأمنية والموظفيّن العنيف ينمّ صراحةً على عنصرية فجّة ومستنكرة، فإن الازدحام والاكتظاظ العشوائي والإصرار على التدافع الذي حصل في الوزارة اليوم، والذي اعتبرته المصادر الوزارية غريباً واستثنائياً، بالرغم من تعليمات الموظفين بالتراجع، في ظلّ تأزم الوضع الصحيّ لأحد الطلاب العراقيين، هو أصل ما حدث. على أن يتم فتح تحقيق بمجريات السّجال.

على أي حال، فإن هذه المشاهد هي وليدة الإجراءات المستحدثة التّي قامت بها وزارة التربية، بعد الكشف عن سلسلة متكاملة من المتاجرة بالشهادات اللبنانية التّي يقوم بها البعض في عدد من الجامعات الخاصة، لتسيير أمور بعض من الطلبة الراغبين بالحصول على شهادات جامعية من دون تعلم. وكانت وزارة التربية اتخذت قرارات في هذا الشأن للحد من تدفق الطلاب العراقيين، ووضعت منصة لتسلم طلبات معادلة الشهادات تستقبل مئتي طلب يومياً تنجز منها خمسين طلباً فقط لا غير. وقد حاول البعض دفع رشى لموظفين في الوزارة لتسريع انجاز الطلبات وتمرير عدد أكبر يومياً، إلا أن الوزارة تشددت في إجراءاتها. الأمر الذي تابعته "المدن" سابقًا.

تعليقات: