تصميم ديما قصاص
أنا زوجة شهيد وعم اتبهدل آخر عمري
..
في نهاية شهر شباط، ذهبت عبير شومان إلى المصرف لاستلام راتب زوجها الشهيد، فإذا بها تتفاجأ بحجز ثلث قيمته بدعوى تسديد قروض سكنية سابقة، فلم يتبقَّ منه غير 500 ألف ليرة لبنانية، فكيف لها أن تؤمّن نفقات مسكنها الذي يصل إلى 200 دولار؟ أم كيف تتكفّل بمصاريف العائلة الغذائية، في حين أنّ راتب زوجها الشهيد هو المَورد المالي الوحيد لها؟ أم ماذا نُحدّث بشأن تكاليف الحياة الأخرى و"مَن يعشْ"!
يُمكن لعبير أن تكون أنموذجاً لعوائل العسكريين اللبنانيين من جنود الخدمة والمتقاعدين، الذين يمرّون بظروف شديدة القسوة؛ هؤلاء الذين يُحجز كامل راتبهم مقابل تسديد سندات قروض بالعملة الأجنبية، بعد أن ارتفع سعر الصرف الرسميّ إلى 15000 ليرة لبنانية، في الوقت الذي أباح التعميم ذو الرقم 13260 للعسكريين المتقاعدين تسديد سندات قروضهم على سعر1507 ليرات. لكنّ التعميم بقي من دون تطبيق!
عبير شومان مواطنة تعيش من راتب زوجها العسكري، الذي استُشهد عام 2006 خلال حرب تموز. تروي لـ"النهار": "استُشهد زوجي عام 2006، واضطررت للتخلّي عن المنزل الذي اشتريناه عبر الإسكان المدنيّ قبل استشهاده، لأنّ أهله "لم يرحموني"، وقرّرت العيش على المعاش التقاعديّ من دون مشكلات "كان بدّي ريّح راسي".
وتُضيف: "بعد الأزمة بدأنا نواجه صعوبات في الحصول على راتبنا، وأُجبرت على سحب قرض لمساعدة ابني على الزواج. في البداية كان قرضي بالليرة اللبنانية، وللأسف اضطررت إلى تجديده قبل تسديده بالكامل، وذلك قبل خمسة أشهر من الثورة، حين تضاعفت الفائدة على القرض، وتمّ إقناعي بتحويله إلى الدولار".
وأضافت عبير: "أخذت القرض لأساعد أولادي. والدفعة تبلغ 380 دولاراً، في حين أنّ راتب زوجي الشهيد يقارب الخمسة ملايين ليرة لبنانية، "سحبوا كلّ المعاش وبعد بدّن".
صرخة من ضحّى من أجل ال#وطن
ينقل العميد المتقاعد اندريه بو معشر صرخة العسكر ويقول لـ "النهار": إنّ #العسكريين المتقاعدين الذين لديهم قروض بالعملة الأجنبية تمّ حجز معاشاتهم بعد أن بادرت المصارف إلى رفع قيمة السندات الشهرية المستحقة وتقاضي قيمتها بالعملة اللبنانية على سعر 15000. وهذا الإجراء يُعتبر مخالفاً للقانون من حيث إنّ أغلبية العسكريين المتقاعدين يتقاضون حوالي خمسة ملايين ليرة لبنانية شهرياً، وفي حال اعتبرنا متوسط السند المستحق دفعه 300 دولار، يسحب المصرف أربعة ملايين ونصف ويترك مبلغاً يصل إلى 500 ألف لشهر كامل، ولا يحقّ للمصارف فعل هذا الأمر".
ويضيف: "لا يجيز قانون المحاكمات المدنية المادة 860 منه إلقاء الحجز على تعويضات الصرف من الخدمة لموظفي القطاع العام ومعاشات تقاعدهم. في المقابل وعندما يتم تقديم طلب لسحب قرض من مصرف ما يبادر المصرف إلى تقييم الوضع وإجراء ما يسمى "دراسة المخاطر"، التي ترتكز على تقييم راتب طالب القرض واجمالي القروض المقدمة له على ان لا تتجاوز قيمة اجمالي السندات الشهرية ربع الراتب، ويُمنح القرض على هذا الأساس"، مشدداً على أنّه لا يجوز اليوم أن يوازي السند الشهري أكثر من قيمة الراتب، ويجب ألّا يتخطى إجمالي ما تتقاضاه المصارف لقاء السندات الشهرية في مطلق الأحوال ما قيمته ثلث راتب صاحب القرض، وبغض النظر عن قيمة السند أو قيمة القرض. ان الزيادة الممنوحة للعسكريين المتقاعدين والتي تساوي ثلاثة أضعاف معاشاتهم لا تكفي لتسديد السندات المستحقة عليهم على سعر صرف رسمي يوازي عشرة أضعاف قيمته السابقة، وبالتالي لا قدرة للعسكريين المتقاعدين على تسديد هذه السندات ولا قدرة لهم على العيش في ظل حجز المصارف معاشاتهم".
"المصارف تخالف القانون"
في هذا الإطار، تُعدّ المخالفات التي تنفّذها المصارف بحقّ العسكريين المتقاعدين انتهاكاً واضحاً، خاصةً في ظلّ غياب الإجراءات الرادعة بحقّ المخالفين.
ويوضح في هذا السياق الخبير القانوني سعيد مالك لـ"النهار" أنّ "المصارف تخالف المرسوم، حيث نسفت كلّ القواعد القانونية بدءاً من قانون التقاعد، وتحديداً المادة 54، إضافةً إلى قانون أصول المحاكمات المدنية، وتحديداً المادة 860، التي تنصّ على أنّه لا يُمكن الحجز على رواتب العسكريين المتقاعدين إلّا بنسبٍ معيّنة. بالتالي ما تقدم عليه بعض المصارف اليوم يُعتبر إطاحة بكافة الأنظمة، وهو نوع من استيفاء الحقّ، من دون مبرّر"، مضيفاً: "إذا كان لهذه المصارف حقوق مع المتقاعدين، فلا يكون الأمر عبر حجز الرواتب التقاعدية".
ولفت مالك إلى أنّه "صدر سابقاً مرسوم مرتبط بالقروض المتوجبة على العسكريين ليبقى الدفع على الـ1507، وما تقوم المصارف به هو عدم تطبيق هذه التعاميم والقرارات. بالتالي، من الممكن مقاضاة المصارف بحّق هذه المخالفات الجسيمة".
وعن دور رئيس الحكومة في حلّ هذه المسألة، يشرح مالك بأنّ "المسؤولية تقع على رئيس الوزراء ضمن إطار مخاطبة وزير المال من أجل عدم تحويل الرواتب إلى المصارف التي تقوم بحجزها، فضلاً عن مناقشة الوضع مع جمعية المصارف، بغية إصلاح هذه المخالفة اليوم، في ظلّ غياب سلطة تنفيذية تلتزم المصارف بقرارات وزير الحكومة".
من هنا، تعلو صرخات عوائل الشهداء تطالب المعنيين من المصارف أو الحكومة بإنجاز تسوية ما تحقق لهم العدالة والحقوق.
كتاب إلى رئيس الوزراء نجيب ميقاتي
كتاب إلى حاكم مصرف لبنان
تعليقات: